بلومبرج: هذا مخرج مصر الوحيد من أزمة "تهجير الفلسطينيين"

في وقت سلطت فيه حرب غزة الضوء مجددًا على دور مصر كقوة إقليمية، رفضت القاهرة وبشكل رسمي العرض الإسرائيلي الذي دعمته الولايات المتحدة، بنقل النازحين الفلسطينيين من القطاع إلى سيناء، واعتبرته مخطط تهجير. رفض لم تجد معه الضغوط على مصر، ولا حتى لعب الغرب بـ"كارد" تخفيف أعباء أزمتها الاقتصادية الطاحنة. الأمر الذي يمكن تفسيره بمجموعة من الاعتبارات المحلية والإقليمية تجعل هذه الصفقة "أمرًا مستحيلًا"، كما تقول ميريت مجدي محررة شؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في تقرير جديد بوكالة "بلومبرج".

صفقة تهجير الفلسطينيين وتداعيات رفضها

ففي الأيام الأخيرة ومع اشتداد الحرب على غزة، بدا جليًا تعمد الاحتلال الإسرائيلي استهداف الأجزاء الشمالية والوسطى للقطاع باستثناء بعض الغارات التي وجهت إلى الجنوب حيث رفح والحدود المصرية. وتزامن ذلك مع تصريحات لمسؤولين مطلعين -لم تخرج بشكل رسمي- تحدثت عن اقتراح بنقل الفلسطينيين الفارين من المعارك "بشكل مؤقت" إلى معسكرات في شبه جزيرة سيناء. على أن تمول الأمم المتحدة والولايات المتحدة استضافتهم، ومن ثم يعودوا إلى القطاع بمجرد انتهاء العمليات العسكرية. ما نُظر إليه باعتباره ممارسة لمزيد من الضغط على مصر لقبول استقبال الفارين من الحرب.

اقرأ أيضًا: التهجير القسري.. جريمة حرب بالتعريف الدولي

"كانت هذه صفقة حوافز اقتصادية مهمة لبلد يعاني أزمة كبرى في مقابل السماح لسكان غزة بالدخول إلى مصر"؛ تقول ميريت مبروك، مديرة برنامج مصر في برنامج واشنطن بمعهد الشرق الأوسط. لكنها تراها إغراءات تمثل عبئًا سياسيًا على الإدارة المصرية، خاصة في عام الانتخابات الرئاسية؛ على حد قولها.

دخول المساعدات إلى معبر رفح (وكالات)
دخول المساعدات إلى معبر رفح (وكالات)

وبغض النظر عن قبول مصر الصفقة أو رفضها، يبدو أن القاهرة ستحصل في كل الأحوال على بعض الدعم الاقتصادي، وفق ما ينقله تقرير "بلومبرج" عن اقتصاديين ومصرفيين ومستثمرين - لم يسمهم - رأوا أن أزمة حرب غزة ذكّرت اللاعبين العالميين بوضع مصر كدولة محور إقليمي هام. وهو ما يعزز فكرة أنها أكبر من أن تفشل.

وبينما تشير ميريت مجدي، في تقريرها بـ"بلومبرج"، إلى محادثات تُجرى بالفعل بين مصر وصندوق النقد الدولي بشأن تعزيز برنامج إنقاذ اقتصادها، إلى أكثر من 5 مليارات دولار وليس 3 مليارات دولار فقط، حسبما صرح أشخاص مطلعون على المناقشات هذا الشهر، يتوقع ريكاردو فابياني، مدير مشروع شمال إفريقيا لدى مجموعة الأزمات، أن يضغط المساهمون الرئيسيون في صندوق النقد الدولي في الولايات المتحدة وأوروبا على البنك الذي يتخذ من واشنطن مقرًا له لتخفيف متطلباته والمضي قدمًا في البرنامج على الرغم من بطء وتيرة الإصلاحات في القاهرة.

وذلك أيضًا لأن الصراع الحالي يسلط الضوء على عدم الاستقرار المتزايد في جميع جوانب مصر، في ليبيا والسودان والآن في غزة. يقول "فابياني" إن ذلك يواجه الولايات المتحدة وأوروبا بالحاجة إلى ضمان "بقاء القاهرة شريكًا مستقرًا وموثوقًا في المنطقة". وهو أمر "يستحق الدعم الخارجي".

لماذا ترفض مصر صفقة تهجير الفلسطينيين؟

ينظر تقرير "بلومبرج" إلى الجهود الدبلوماسية الأخيرة التي قادت الكثير من المسؤولين إلى القاهرة، بمثابة عودة مصر إلى دورها التقليدي الذي برز في كل نقاش حول سياسات القوة في كل أنحاء المنطقة خلال النصف الأخير من القرن العشرين.

ويفسر التقرير محاولات التودد إلى الإدارة المصرية من قبل سلسلة من زعماء العالم في أعقاب عملية "طوفان الأقصى" واندلاع الحرب بسببين رئيسين؛ أولهما إدراك أهمية مصر كمنتج إقليمي للغاز منذ غزو فلاديمير بوتين لأوكرانيا العام الماضي، وثانيهما محاولة إقناعها بالمساعدة في تخفيف الضغط على غزة. لكنها رفضت هذا وأوضحت في تصريحات رئيسها أسباب الرفض.

اقرأ أيضًا: ذكرها السيسي في حديثه عن تهجير الفلسطينيين.. ما نعرفه عن صحراء النقب؟

تستضيف مصر بالفعل حوالي 9 ملايين لاجئ ومهاجرين آخرين من دول مثل سوريا والسودان واليمن وليبيا. وقد يشكل فتح طريق أمام الفلسطينيين خطرًا أمنيًا جديدًا في شبه جزيرة سيناء، التي شهدت طوال 10 سنوات معارك بين الجيش والجماعات المتطرفة.

كما ترفض مصر لاجئين يشتبه الكثيرون في أنه قد لا يُسمح لهم بالعودة إلى غزة أبدًا. وهذا من شأنه أن يخاطر بأن يُنظر إليها في العالم العربي على أنها سهلت عملية نزوح جماعي أخرى ومن ثم إنهاء للقضية الفلسطينية التي يتبناها العرب كلهم علنًا.

سيناريو 1991 غير ممكن التكرار

تشير محررة "بلومبرج"، في تقريرها، إلى سابقة العام 1991، حينما حصلت مصر على إعفاء من نصف ديونها البالغة 20.2 مليار دولار المستحقة للولايات المتحدة وحلفائها - وهي واحدة من أكثر حالات تخفيف الديون سخاءً التي منحتها الدول الدائنة - مقابل دعم التحالف المناهض للعراق خلال حرب الخليج.

حرب الكويت (وكالات)
حرب الكويت (وكالات)

"الولايات المتحدة أرادت حينها مكافأة الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك على دوره المحوري في حشد الدول العربية ضد صدام حسين وتعويض مصر عن الخسائر المالية الفادحة في الحرب. لكن تكرار هذا السيناريو سيكون أمرًا صعبًا في الوقت الراهن. لأن الصفقة الحالية تبدو عملية بيع صعبة"، بحسب ميريت مبروك مديرة برنامج مصر في برنامج واشنطن بمعهد الشرق الأوسط، يوتفق معها روبرت ساتلوف، المدير التنفيذي لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى.

مخرج مصر من الأزمة

تقول محررة "بلومبرج" -في تقريرها- إن أحد السُبل للخروج من هذه المعضلة قد يكون أن تعرض مصر على السعودية دورًا في قيادة القضية الفلسطينية للعالم العربي مقابل الدعم المالي منها للاقتصاد المصري. وقد يرحب ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي يدرك الغضب الداخلي تجاه إسرائيل، بمثل هذه المبادرة لتعزيز مكانته الإقليمية، على الرغم من غيابه عن قمة السلام التي استضافتها القاهرة السبت الماضي.

ويرى ريكاردو فابياني، مدير مشروع شمال أفريقيا لدى مجموعة الأزمات، إن الوضع المتقلب قد يوفر لمصر فرصًا أخرى للقيام بدور وساطة يمكن مكافأته. وأضاف أن القاهرة ستحاول في الوقت الحالي القيام بدور بناء "على أمل أن يتم الاعتراف بمساهمتها من قبل شركائها الدوليين والإقليميين وربما مكافأتها اقتصاديًا".

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة