التهجير القسري.. جريمة حرب بالتعريف الدولي

 

خلال الأيام الماضية والتي شهدت حربًا وُصفت بأنها “حرب إبادة” للفلسطينيين في قطاع غزة، ردًا على عملية طوفان الأقصى التي نفذتها حماس في ٧ من الشهر الجاري في غلاف المستوطنات الإسرائيلي، تصدر مصطلح “التهجير القسري” للغزاويين في سيناء المصرية، وهو ما رفضته مصر بشكل قاطع في أكثر من موقع وعلى لسان الرئيس عبد الفتاح السيسي في أكثر من مناسبة، وأيدت موقف مصر السلطة الفلسطينية، وعديد من الدول العربية.

ولأن الفلسطينيين تعرضوا لعملية تهجير سابقة في النكبة الأولى (١٩٤٨)، هنا نوضح ما تعريف التهجير القسري في القانون الدولي، ولماذا يصنف على أنه جريمة حرب.

بشكل ممنهج، يتمّ إخلاء ملايين الأشخاص حول العالم قسرًا من منازلهم وأراضيهم، ما يتركهم في الكثير من الأحيان يعيشون في فقر مدقع وعوز دائم. وقد تتسبّب عمليات الإخلاء القسري بصدمة حقيقيّة. بل إنها تزيد من تدهور حياة المهمشين أصلاً والضعفاء في المجتمع. كما أنّها تنتهك مجموعة واسعة من حقوق الإنسان المعترف بها دوليًا، بما فيها الحق في السكن اللائق، والغذاء والماء والصحة والتعليم والعمل والأمن الشخصي والتحرر من المعاملة القاسية واللا إنسانية والمهينة وحرية التنقل.

ما هو التهجير القسري؟

لقد عرّف القانون الدولي، التهجير القسري بأنه “الإخلاء القسري وغير القانوني لمجموعة من الأفراد والسكان من الأرض التي يقيمون عليها”، وهو ممارسة مرتبطة بالتطهير وبإجراءات تعسفية قهرية، تقوم به حكومات أو مجموعات متعصبة تجاه مجموعة عرقية أو دينية معينة، وأحيانًا ضد مجموعات عديدة؛ بهدف إخلاء أراضٍ معينة لنخبة بديلة، أو فئة معينة.

وما هو الهدف الأساسي من عمليات تهجير السكان من مناطق سكناهم إلى مناطق أخرى؟ وكيف يتم اختيار المناطق الخاضعة للتهجير؟ وإلى أين يتم ترحيل المشمولين بالتهجير؟ ومن يتول إيواءهم؟ هذه الممارسات مرتبطة نوعا ما بالتطهير الذي كان للأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية والإنسانية موقف الإدانة القاطعة كما حصل في يوغسلافيا السابقة أو رواندا حيث سيق المتهمون إلى العدالة الدولية لنيل جزائهم العادل.

يفسر حدوث التهجير بأنه نتيجة نزاعات داخلية مسلحة، أو صراعات ذات طابع ديني أو عرقي أو مذهبي أو عشائري، ويتم بإرادة أحد أطراف النزاع، عندما يمتلك القوة اللازمة لإزاحة الأطراف التي تنتمي إلى مكونات أخرى، وهذا الطرف يرى أن مصلحته الآنية أو المستقبلية تكمن في تهجير الطرف الآخر، ويحصل التهجير في حالة وجود طرف يهدد مجموعة سكانية مختلفة بالانتماء الديني أو المذهبي أو العرقي، بعدم البقاء في مدينة أو منطقة أو بلد ما.

التهجير القسري في الاتفاقيات الدولية

وتُعرِّف اتفاقيات جنيف الأربع، المؤرخة في 12 آب/ أغسطس 1949، والبروتوكولان الملحقان بها لعام 1977، جرائم الحرب بأنها الانتهاكات الجسيمة للقواعد الموضوعة إذا تعلق الأمر بالتهجير القسري، فالمادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 حظرت النقل القسري الجماعي أو الفردي للأشخاص، أو نفيهم من مناطق سكناهم إلى أراضٍ أخرى، إلا في حال أن يكون هذا في صالحهم؛ بهدف تجنيبهم مخاطر النزاعات المسلحة.

كما أن المادة (7-1-د) من نظام روما الإنساني للمحكمة الجنائية الدولية، تُجرّم عمليات الترحيل أو النقل القسري، حيث تنص على أن “إبعاد السكان أو النقل القسري للسكان، متى ارتكب في إطار هجوم واسع النطاق، أو منهجي موجه ضد أي مجموعة من السكان المدنيين، يشكل جريمة ضد الإنسانية”. وبموجب المواد 6 و7 و8 من نظام روما الأساسي، فإن “الإبعاد أو النقل غير المشروعين”، يشكلان جريمة حرب، وتعدّ المادة المتعلقة بحظر نقل السكان من مناطقهم جزءًا من القانون الدولي الإنساني العرفي.

إن عملية التهجير القسري وعمليات الإبادة الجماعية تتطابق مع ما نصت عليه المادة الثانية من اتفاقية الأمم المتحدة (اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية) التي أقرتها الأمم المتحد في 9 كانون الأول/ ديسمبر عام 1948، وباتت سارية المفعول في 12 كانون الثاني/ يناير عام 1951، والتي تعدّ الأفعال التالية المرتكبة بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية، أو إثنية أو عنصرية أو دينية بمنزلة إبادة جماعية.

تاريخ التهجير القسري للفلسطينيين

حَدَث تهجير الفلسطينيين سنة 1948م عندما نَزَح أو طُرِد أكثر من 700,000 فلسطيني -قُرابَة نصف سكان فلسطين العرب- من بيوتهم خلال حرب فلسطين 1948. كان التهجير عَامِلًا مركزيًّا في تَشْتيت المجتمع الفلسطيني، والاستيلاء على مُمْتَلَكَاته، وإبعاده عن أرضه، وهو ما يُعْرَف باسم النكبة التي تضمَّنَت تدمير ما يتراوح من 400 إلى 600 قرية فلسطينية، بالإضافة إلى تَهْويد التاريخ الفلسطيني.

يرتبط تاريخ تهجير الفلسطينيين بشكل وَثِيق بأحداث الحرب داخل فلسطين والتي امتدَّت من سنة 1947م حتى 1949م، بالإضافة إلى ارتباطه أيضًا بالأحداث السياسية التي جاءت بعد تلك الحرب.

وفي سبتمبر 1949م، قَدَّرَت لجنة التَّصَالُح التابعة للأمم المتحدة والخاصة بفلسطين أن هناك 711,000 لاجئًا فلسطينيًّا يتواجدون خارج الأراضي التي احتلتها إسرائيل في الحرب،] بينما بقي 160,000 فلسطيني -رُبْع اللاجئين- داخل المناطق المحتلة كَلَاجِئِين داخليين.

 

 

 

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة