يوم 10 أكتوبر من كل عام هو اليوم العالمي للصحة النفسية. تُخصص له منظمة الصحة العالمية شعارًا سنويًا. ولهذا العام جاء الشعار "الصحة النفسية حق من حقوق الإنسان العالمّية"، لذلك قررنا أن نتخذ منه فرصة للحديث حول الصحة النفسية للنساء وحقهن في الرعاية والحديث أيضًا عما يتعرضن له ويشعرن به، وكسر التابوه الذي يلاحقهن دوما بأنهن ملوك النكد وتحركهن الهرمونات.
دعا الأمين العام إلى ضرورة أن "نتصدى للانتهاكات ونكسر الحواجز التي تمنع الناس من التماس الدعم. ويجب علينا أن نعالج الأسباب الجذرية - كالفقر وعدم المساواة والعنف والتمييز - وأن نهيئ مجتمعات أكثر تعاطفًا ومرونة"، وهو صميم ما سنتطرق له اليوم، عما تعيشه النساء، حيث تتعرض بشكل يومي إلى أحداث متكررة ومتشابهة قد تؤدي إلى انهيارات متتالية ونزيف متواصل في المشاعر، والأسباب الأساسية كما ذكرها الأمين العام، وهي أنواع العنف المختلفة مثل العنف المنزلي والعنف من قبل الشريك، وكذلك التمييز على أساس النوع الاجتماعي، وحرمانهن من فرص كثيرة، و السطوة الذكورية التي تمارس عليهن داخل المنازل، كالحرمان من التعليم وطاعة الزوج المفروضة على النساء فرض عين كالماء والهواء حتى تصل "تحكمات" الأزواج فيما تلبس زوجاتهن ومع من تتحدث وإلى أين تذهب ومتى تزور أهلها وغيره وبعد كل ذلك يتساءلون "الستات نكدية ليه؟"
"النكد زي الطبخ المشهورين بيه الستات لكن المحترفين فيه الرجالة" مقولة منتشرة كرد على التابوه الأشهر إن الستات نكدية. جاء هذا بعد أن صارت النساء يتحدثن أكثر عن مشكلاتهن للتعرف عن مصدرها وأسبابها، والتي تؤثر بالسلب على صحتهن النفسية، ويعانين من أمراض نفسية واضطرابات بسببها، كالاكتئاب والقلق واضطراب ما بعد الصدمة.
هناك عدة عوامل تؤثر على صحة المرأة النفسية، وقد يساهم فيها الرجل أو الثقافة الذكورية بشكل مباشر أو غير مباشر مثل الفقر، وأعمال الرعاية بشكل حصري في المنزل، والمخاوف بشأن السلامة الشخصية بسبب الاعتداءات على النساء في الشوارع والتي تحولت إلى ظاهرة متفشية في مصر مؤخرًا وتحدث على يد الرجال، وهي ما يمكن أن تجعل النساء يشعرن بالعزلة. وترتبط العزلة الاجتماعية بمشاكل الصحة النفسية مباشرة، بالإضافة إلى "تحكمات" غير مفهومة يفرضها الرجال في حياة النساء، كما تتعرض النساء للعنف الجنسي أكثر من الرجال، مما يعني أن النساء يتأثرن باضطراب ما بعد الصدمة أكثر من الرجال.
وغير ذلك، فإن المجتمع يصادر حق النساء في التحدث عن المشاعر الصعبة واستيعابها وخاصة بعد المرور بتجارب صعبة كالولادة والإجهاض والتحرش وغيره، يمكن أن يؤدي ذلك إلى مشاكل مثل الاكتئاب واضطرابات الأكل. لذلك يعبرن عن آلامهن العاطفية من خلال إيذاء النفس أو العزلة كما ذكرنا، في حين أن الرجال أكثر عرضة للتعبير عن مشاعرهم من خلال السلوك المعادي أو العنيف تجاه الآخر.
أما عن أعمال الرعاية فهي قد تمثل ضغط نفسي، وخاصة إن كان الفرد متفرغ لها بشكل كامل، وفي الأغلب نجد أن المرأة هي الراعية الرئيسية لأطفالها وأسرتها أكثر من الرجل، وقد ترعى الأقارب الأكبر سنًا أو المعاقين أيضًا. وفي الأغلب مقدمات الرعاية يعانين القلق وفي مجتمع مثل المجتمع المصري، يعانين النساء من حرمان من التمكين الاقتصادي، وامتلاك الثروات بل تعاني النساء من الأزمات الاقتصادية ويتضررن أكثر في الأزمات العالمية كما حدث في أزمة كورونا، حيث الطرف الأكثر تضررًا من فقدان عملهن كان من النساء مما يجعلهن عرضة للفقر بشكل أكبر وهو ما يؤثر بشكل مباشر على شعورهن بالأمان والاستقرار.
أما عن الاعتداء الجسدي والجنس، فلهما تأثير طويل المدى على الصحة النفسية للمرأة وخاصة إن كان المعتدي هو الشريك والتي يصعب على الضحية في أغلب الوقت الخروج من دائرة العنف بسبب التطبيع المجتمعي وكذلك في الخطاب الديني مع العنف وتسميته بأشياء أخرى كتقويم سلوك أو حق الزوج في تأديب زوجته وهو ما يجعل الضحية ذاتها متصالحة مع المعنف ومن ثم يخلق اضطرابات نفسية تدفعها للتعاطف والدفاع عما تتعرض له، خاصة إذا لم تتلق أي دعم أو توعية.
وكذلك تواجه النساء خطرًا متزايدًا للإصابة بالاكتئاب خلال فترة الحمل (المعروفة باسم فترة ما قبل الولادة أو السابقة للولادة) وفي السنة التي تلي الولادة (المعروفة باسم فترة ما بعد الولادة). قد تمر أيضًا بمصطلح "الفترة المحيطة بالولادة"، الذي يصف الفترة التي تغطي الحمل والسنة الأولى بعد ولادة الطفل، وهو ما لا يعترف به المجتمع وأحيانًا الشريك وقد يلاحقها اتهام بالدلع والاستهتار.
وعلى الرغم من كل ما تتعرض له النساء، إلا أن وصم تحكم الهرمونات يلاحقهن بشكل دائم عند حديثهن عما تشعر به بل ستجد عشرات المقالات التي تؤكد على تحكم الهرمونات في أفكار النساء وتصرفاتهن، حتى أصبحت الفتيات الصغيرة تتغنين به كصفة ملصقة بالنساء دومًا، وكذلك شعار الستات نكدية الذي توصف به النساء قبل حتى أن تتكلم، متجاهلين تمامًا ما سبق شرحه وسرده وما تعاني منه النساء والسبب الرئيسي فيه قد يكون الرجل الشاكي من نكدهن.
في اليوم العالمي للصحة النفسية نود أن نشير إلى أهمية التمكين السيكولوجي أو النفسي للمرأة في المجتمع، وتفهم ما تتعرض له وكسر التابوهات والاعتراف بأصل المشكلة، حتى نصل إلى حلول تساعد الكثير من الضحايا للخروج من العنف وإعادة تأهيلهن ليصبحن مواطنات فاعلات في المجتمع لا عبئا عليه، غير موصومات أو منبوذات بسبب ما مررن به أو ما لا يستطعن الحديث عنه