الخامس من أكتوبر هو اليوم الذي خصصته منظمة اليونيسكو سنويًا للاحتفال بالمعلمين، تقديرًا لجهودهم ورسالتهم في نشر العلم وتنشئة الأجيال وتربية فلذات الأكباد، ودورهم في حياة كل فرد في المجتمع، وبما أن هذه المناسبة تأتي متزامنة مع بداية موسم الدراسة في مصر، ولأنني أم لطفلين فاليوم لن أكتب مقالًا بل سأشاطركم الأحزان.. تعالوا نتشارك آلامنا يا أولياء الأمور، ولنقف سويًا نبكي في "النوتي كورنر".
لقد ذبحتنا الأسعار يا سادة، لم تعد شعارات العودة إلى المدرسة المزينة بالورود والبالونات مثيرة لأي حماسة أو بهجة، والأوقع أنها لا تثير إلا الشفقة سواء على حالنا أو على أبنائنا، الذين أراهم كل صباح يبكون في طريقهم إلى المدرسة، يجرون أقدامهم جرًا من ثقل حقائبهم.
حتى الآن مازالت آثار مذبحة السابلايز تؤلم آلاف الأسر، أشعر أن وزارة التربية والتعليم تعيش في عالمٍ موازٍ، ولا أعلم حقًا هل هم المسؤولون عن قائمة مستلزمات الطالب المدرسية أم أنهم غافلون عما تفعله بنا المدارس؟!، من غير المعقول أن يكون الوضع الاقتصادي في أسوأ حالاته ونجد زيادات جنونية تصل للضعف في سعر كل شيء، وأن ترسل لنا المدرسة قائمة "شوار" الطالب، والتي تستلزم منا كأولياء أمور أن نقوم بعمل "جمعية" خصيصًا حتى نتمكن من شرائها.
لا يوجد أي نوع من أنواع الوعي الاقتصادي أو سياسة توفير في إلزامنا بشراء هذه الكميات من الدفاتر مختلفة الأسطر والأحجام، فكل مدرس يريد 3 منها على الأقل لمادته فقط!، كذلك الورق الملون الكبير والمتوسط والصغير، والأقلام والألوان الجافة والخشبية والمائية والشمعية، وأدوات التنظيف والتعقيم السائلة و"الجيل" والكحولية والمناديل الورقية والمبللة، وكل هذا لطفل واحد!، ناهيكم عن تكاليف ومصاريف لا غاية منها ولا مبرر منطقي، كبدعة المناداة بطباعة صورة كل طفل على ستيكر الاسم والفصل!.
كل هذه الأشياء -التي لا يُستعمل معظمها- غير محسوبة من مصاريف المدرسة نفسها، والتي تزيد سنويًا لسبب لا يعلمه إلا الله ومدير المدرسة فقط، كما أن الكتب الدراسية ذاتها غير محسوبة أيضًا ويدفع لها إلزاميًا مبلغ آخر، مع التنويه بضرورة شراء كتب خارجية تساعد على فهم كتب الوزارة!!!، ألا يمكن توفير هذا وذاك في كتاب واحد؟؟، وإذا كان كل ما سبق وأكثر خارج مصاريف المدرسة.. إذن بم تفسر تضاعف قيمة المصروفات سنويًا؟.
ماذا؟.. هل نسيت الحديث عن المعلم؟، كيف ذلك وقد تغير دوره جملةً وتفصيلًا عما عهدناه في زمننا؟، قديمًا –وأعتقد أننا سنتفق على هذا جميعًا- كان المعلم حريصًا على تربية الطالب قبل تعليمه، كل معلم يتبارى في غرس صفة وخصلة تبقى مع الطالب أمدًا بعيدًا، وجميعهم يحرص على ترك بصمته التي قد تغير من فهم وفكر الطالب في حياته المستقبلية، كما كانوا يتفننون في طرق الشرح وطريقة تقديم المعلومة، وتقسيم المنهج الدراسي بأزمنة محسوبة حتى يتمكن من إنهائه بالتزامن مع استيعاب وحفظ التلميذ، ومن هنا كانت تنبثق رهبته وقوته وفرض احترامه على الجميع، فكان يمشي شامخ الرأس مرفوع الهامة، حاملًا رسالته كحاصل على جائزة نوبل، هل قفز إلى ذهنك حالًا أستاذ معين ترك فيك أثرًا؟، هذا هو مقصدي.
أما الآن فحدث ولا حرج عن أغلب المدرسين إلا النادر منهم ممن رحم ربي، فمنذ اليوم الأول من العام الدراسي وهم بأنفسهم يصرخون شاكين صعوبة وثقل المناهج التعليمية الموضوعة من قبل الوزارة، وأنه لا يوجد وقت كاف لشرحها، مما يستلزم ضرورة إلحاق أبنائك في مجموعات خاصة لديه "بمصاريف أخرى" حتى يمكنه فهم الدرس أكثر، بالإضافة إلى ضرورة دفع أموال أخرى لملزمات وملخصات يقوم المعلم بتوزيعها في هذه المجموعات.
ناهيك عن مجموعات إضافية أخرى لمراجعة المنهج مرة أخرى قبل الامتحانات الدورية والشهرية والنصف سنوية والنهائية، والتي يقوم بها المعلم لمصلحة الطالب طبعا ولكنها أيضًا بدفعات مالية أخرى، وأوراق وملازم أخرى، وساعات وساعات أخرى من الخوف والتوتر والمذاكرة، التي تنهي حياة الطالب وأبويه، ولا تنتهي.
ناهيك عما يحدث في بعض المدارس للطلبة المتعثرين ماديًا أو غير المشتركين في هذه الملاحم من تمييز، قد يصل حد الاضطهاد والتنمر والإنقاص من درجة أعمال السنة التي يضمنها المشتركون كاملة منذ بداية العام.
الكارثة الكبرى أن الطلبة لا يستفيدون من كل ذلك في النهاية، هل توجد مساحة للاستذكار والفهم والتعلم بعد كل هذا الضغط و الهدر في الوقت والمجهود لتحصيل أكبر قدر ممكن من الأموال؟
العديد من الكوارث والاختراقات في منظومة التربية والتعليم لا يتدخل في إصلاحها أحد، وللأسف أبعدتها تماما عن أهدافها الأساسية في بناء أجيال من العظماء والمفكرين والرواد في جميع المجالات، تساعد في بناء الدولة وتعزيز قوتها ومكانتها على مستوى العالم، وأصبحت منظومة استنزافية تجبرنا على العمل ليل نهار، ليس نحن فقط بل وأبناءنا كذلك الذين فقدوا الأمل في تحقيق ذاتهم من خلالها، ويحلمون بالهرب إلى الخارج كل يوم.
ويبقى السؤال.. من المنقذ؟