“بنحوش خضار بدل الفلوس”.. أزمة الأسعار تُغيب “طبق السلطة” عن موائد المصريين

“أنا مش هاخد فول من غير بصل.. أنا طول عمري باخد منك بصلة مع الفول”، يتعالى الصوت من أمام عربة الفول الشهيرة بالجمالية لصاحبها “عم أحمد”، صاحب السبعين عامًا. 

لسنوات لم يقطع أحمد عادته في إضافة بصلة وليمونة وقرن الفلفل مع كل طلب فول. يقول: “الجودة من الموجود.. زمان الشغلانة كانت جايبة همها وبتمشي.. لكن دلوقتي مفيش حاجة ماشية ده تمن البصلة والفلفل والليمونة هيبقى هو ثمن كيس الفول، طب أبيع الفول ببلاش الفول ولا حوايجه”. 

مع الأزمة الأخيرة التي أصابت أسواق بيع الخضار في مصر، جراء ارتفاع أسعار الخضروات الأساسية، ارتفع سعر كيلو البصل ليصل إلى 30 جنيهًا قبل أن يتراجع إلى 18.5. ولم يكن البصل وحده الذي أصابه سهم الزيادة، إذ وصل سعر كيلو الطماطم إلى 20 جنيهًا، لتستقر حاليًا عند نحو 7.5

جنيه للكيلو، بينما وصل الخيار إلى 11 جنيهات، والفلفل إلى 12 جنيه، أما الخضروات الورقية البسيطة مثل البقدونس والجرجير، فتغير حجم الحزمة منها، ليقل تقريبا إلى النصف، وارتفع سعرها من نصف جنيه إلى جنيهين. 

اقرأ أيضًا: قفزات السكر تحرم المصريين حلاوة “خمسينة الشاي”

البصل والبطاطس “بالواحدة”

“عاوزه بصلتين و3 وحدات بطاطس ونص كيلو طماطم وقرنين فلفل”؛ تقف السيدة الثلاثينية لتشتري احتياجات طبختها الأساسية التي كلفتها حوالي 40 جنيهًا، قبل أن تضيف عليها “وركين من الفراخ”، قسمتهم 4 أجزاء، لتكفي عائلتها، مقابل 70 جنيهًا، بالإضافة إلى 20 جنيهًا أخرى لنصف كيلو من الأرز وربع كيلو من الشعرية. 

130 جنيهًا لوجبة واحدة في يوم واحد بحياة أسرة مصرية، دون حساب الزيت والسمنة والملح والتوابل.  (وكالات)

130 جنيهًا لوجبة واحدة في يوم واحد بحياة أسرة مصرية، دون حساب الزيت والسمنة والملح والتوابل. 

استغنت “منال” عن طبق السلطة التقليدي الذي اعتادته أسرتها، فميزانية البيت لم تعد تتحمل طبق سلطة يكلفها 50 جنيهًا إضافية. 

انتهى عصر “شروة الخضار”

تقول منال: “أول مرة نزلت أشتري خضار بالأسعار الجديدة كنت محرجة جدًا لأني بعد ما كنت بشتري شروة الخضار بالكامل بما لا يتجاوز الخمسين جنيه، بقيت بشتريه بالواحدة، ولأول مرة التلاجة في بيتي تفضى من الجزر والخيار وطبق الطماطم.. دي أصناف معنديش رفاهية أشتريها زي زمان.. وأقصد بزمان دي من شهرين”. 

يزداد الاتجاه الآن نحو شراء الخضار بالواحدة في الأسواق الشعبية في مصر، مع تواصل أزمة ارتفاع أسعار السلع المرتبطة بالأزمة الاقتصادية التي تعانيها البلاد، في وقت لا تأتي قرارات الحكومة بثمار ناجعة لحلحلة الأزمة.

ففي تصريحاته اليوم الإثنين، قال رئيس الوزراء مصطفى مدبولي إن أهم قضية للحكومة خلال الفترة الماضية هى مواجهة قضية التضخم وارتفاع أسعار السلع الغذائية.

وأضاف في مؤتمر صحفي، بمقر مجلس الوزراء بالعاصمة الإدارية، أن التضخم ظاهرة عالمية وكل دولة بتحاول التعامل مع هذه الظاهرة، مشيرًا إلى أن الحكومة تعمل على كيفية السيطرة على الأسعار.

وأعلن “مدبولي”، أنه بعد عقد اجتماعات مع الجهات المعنية اليوم، تم التوافق على تخفيض أسعار 7 سلع رئيسية بنسب 15 إلى 25% بحد أقصى، اعتبارًا من السبت المقبل، منها الفول، والعدس، ومنتجات الألبان، والمكرونة، والسكر والزيت، والأرز، مشددًا على أنه سيتم كتابة الأسعار على المنتجات وأيضًا خفض أسعار الدواجن وبيض المائدة بنسبة 15%.

مدبولي اجتماع الحكومة بمقر مجلس الوزراء بالعاصمة الإدارية (وكالات)

إلا أن الحكومة تواجه أزمة رقابية حقيقية على الأسواق تحول دون تطبيق التخفيضات المعلنة في ظل عدم استقرار الجنيه الذي شهد انفخفاضات متتالية وعنيفة أمام الدولار.

بنحوش خضار بدل الفلوس

يقول “عمر” بائع الخضار في أحد أسواق منطقة دار السلام جنوبي العاصمة المصرية القاهرة: “منذ أسابيع ما بعتش من أي صنف أكتر من 2 كيلو للصنف الواحد.. كنت ببيع عشرة كيلو من البصل مثلًا، وعشرين من الطماطم للناس اللي بتعمل صلصة وتسبيكة، كل ده اختفى، والزبون اللي بياخد كيلو من كل صنف بقى عملة نادرة.. المحل بقى فاضي بعد ما كان مليان خضار وأجولة من البطاطس والبصل وعديات الطماطم.. مابقتش قادر اشتري بضاعة وده كله في أقل من شهرين”.

اقرأ أيضًا: وجبات الشارع بعد ارتفاعات الأسعار.. “تخيل إنك بتاكل لحمة”

“لولا الخضار اللي بخزنه مكنتش هطبخ لعيالي اليومين دول ما دمت مش عارفة إيه اللي هيحصل بعد ما اخلص شوية البامية والبسلة والفاصوليا اللي محوشاهم”. 

تؤمن “زينب” بأن تخزين المستلزمات الأساسية في بيتها الآن أهم من المدخرات المالية في ظل ارتفاعات الأسعار المتلاحقة. تقول: “تفيد بايه الفلوس لو مش هتكفي تمن طبق سلطة اللي الدكتور واصفها لأمي المريضة وغيال الصغيرين اللي عندهم أنيميا.. صبرنا على غياب البروتين هنعمل ايه مع الخضار كمان.. مش فاضل غير الباذنجان اللي لسه بخمسة جنيه.. يارب محدش يفتكره فيزيد سعره”. 

حلة المحشي، وعاء الفقراء للمواسم والمناسبات، صارت ضربًا من الخيال، بعد أن تجاوزت تكلفة مكوناتها لأسرة من أربع أفراد مائة جنيه، دون حساب تكلفة اللحوم أو الدجاج المرافق لها. 

تقول “نيفين”: “محشي ايه ومين يقدر عليه دلوقتي.. هجيب بكام بصل وطماطم وكرنب وخضرة ورز وزيت.. هجيب إيه ولا إيه عشان أكلة هتتاكل في ساعة.. قبل كام شهر كنت ممكن أعملها كل أسبوع بس دلوقتي ما بقيناش قادرين.. احنا بنأكل عيالنا بالعافية”.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة