“أقول لأهل غزة: غادروها الآن لأننا سنتصرف في كل مكان وبكامل قوتنا”؛ قالها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمس السبت من مقر هيئة الأركان في تل أبيب، وسبقها جيش الاحتلال بقصف لبرج سكني في القطاع، كان سببًا في اشتعال المواجهات بين الجانبين، ولحقها بعملية عسكرية واسعة “السيوف الحديدية”، التي تحولت إلى حرب قال “نتنياهو” إنها ستمتد طويلًا، مارست فيها قواته ما اعتادت عليه من استهداف للمدنيين الذين سقط منهم عشرات القتلى والمصابين، والصحفيين الذين لحق 3 منهم بركب شيرين أبو عاقلة.
استهداف الصحفيين
لم تحمل تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي هذه المرة أي مواربة لما كانت تنفيه دولة الاحتلال دومًا من تعمدها استهداف المدنيين في تعاملها مع الفلسطينيين سواء داخل الأراضي المحتلة أو في غزة التي تفرض عليها حصارًا خانقًا. هذا الأمر أكدته نقابة الصحفيين الفلسطينيين، التي أعلنت أمس مقتل صحفيين اثنين رميًا برصاص قوات الاحتلال، أحدهما الصحفي محمد الصالحي، في عملية قتل مباشر نفذتها قوات الاحتلال شرقي البريج وسط قطاع غزة، خلال تغطيته الأحداث على الشريط الحدودي.
الضحية الثانية كان المصور الصحفي نضال الوحيدي، الذي أعلن صحفيون وناشطون عبر مواقع التواصل، استشهاده في قصف إسرائيلي قرب “معبر إيرز”، أيضًا أثناء تغطيته أحداث عملية “طوفان الأقصى”. وأكد الخبر الإعلامي حسام يحيى، مقدم برنامج “هاشتاج”على قناة “الجزيرة مباشر”، والذي كتب في تغريدة عبر حسابه الرسمي بموقع “إكس”، أرفقها بصورة له: “استشهاد الزميل المصور الصحفي نضال الوحيدي، أثناء تغطيته لملحمة المقاومة الفلسطينية”، فيما وردت أنباء عن مقتل المصور الصحفي إبراهيم لافي أيضًا.
وأكدت منظمة “مراسلون بلا حدود” مقتل الصحفيين الصالحي والوحيدي، قرب الشريط الحدودي لقطاع غزة، وأدانت استهداف الصحفيين، ودعت الأطراف إلى حمايتهم.
كما حمّلت نقابة الصحفيين الفلسطينيين الاحتلال مسؤولية جرائمه بحق الصحفيين، وجددت دعوتها بتوفير الحماية للعاملين بالحقل الإعلامي وتغطية الحرب، مؤكدة موقفها الرافض للتضييق على العمل الصحفي.
إلى ركب “أبو عاقلة”
خلال السنوات الماضية، كان استهداف الصحفيين غير مسبوق. أصيب عشرات الصحفيين خلال التغطيات في الضفة والقطاع والقدس وفي الداخل المحتل. ولكن المشهد الأبرز كان في العام الماضي، حين قُتلت مراسلة قناة الجزيرة شيرين أبو عاقلة، رميًا بالرصاص أثناء أدائها واجبها المهني في تغطية اقتحام القوات الإسرائيلية لمخيم جنين في 11 مايو 2022.
اقرأ أيضًا: نشرة “فكر تاني”.. ردود الفعل الدولية على “طوفان الأقصى” وموقف مرشحي الرئاسة في مصر
عملية قتل مباشر، قالت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، أنها بدت متعمدة رغم ما كانت ترتديه الصحفية الشهيدة من إشارات واضحة تؤكد هويتها الصحفية.
أكد مقتل “أبو عاقلة” منهج دولة الاحتلال في إعدام المدنيين خارج نطاق القضاء، وأيده إصابة الصحفي علي السمودي مراسل صحيفة القدس، برصاصة حية في الظهر، ضمن الأحداث نفسها. بينما أعادت تصريحات “نتنياهو” الأخيرة التذكير بهذا النهج في استهداف المدنيين وبينهم الصحفيين، الذين توعدهم رئيس الوزراء الإسرائيلي صراحةً.
55 صحفيًا منذ انتفاضة 2000
خلال العام 2021، وثق المركز الفلسطيني للحريات والتنمية “مدى” ما يزيد على 368 انتهاكًا، من بينها 155 انتهاكًا مباشرًا بين إصابات وقتل، إذ استشهد 3 صحفيين خلال العدوان على القطاع هم: محمد شاهين، وعبد الحميد الكولك، ويوسف محمد أبو حسين. كما قصف الاحتلال 33 مقرًا صحفيًا في قطاع غزة خلال العدوان، منها ما دُمر تدميرًا كليًا.
وبحسب مدير مكتب الجزيرة في فلسطين وليد العمري، خلال مؤتمر صحفي في نابلس عام 2022، فإن الاحتلال قتل 55 صحفيًا فلسطينيًا خلال قيامهم بعملهم الصحفي منذ انتفاضة الأقصى عام 2000.
وتتشابه أحداث مقتل الصحفي محمد الصالحي مع مقتل الصحفي ياسر مرتجى، صاحب الـ 31 عامًا مؤسس وكالة “عين ميديا” المستقلة، والذي قُتل رميًا برصاص جيش الاحتلال في 6 أبريل 2018، أثناء تغطيته “مسيرة العودة العظيمة” في قطاع غزة على الحدود مع إسرائيل، علمًا بأنه كان يرتدي سترة تحمل عبارة “الصحافة”.
حينها، قال كريستوف ديلوار، الأمين العام لمنظمة مراسلون بلا حدود، “إننا ندين الرد غير المتناسب من جانب القوات الإسرائيلية، التي أصابت وقتلت العديد من المدنيين، بمن فيهم الصحفيين”، داعيًا في الوقت ذاته “الحكومة الإسرائيلية إلى الامتثال التام لقرار مجلس الأمن رقم 2222 بشأن حماية الصحفيين، والمعتمد سنة 2015، مطالبًا بإجراء تحقيق مستقل وإدانة مرتكبي هذه الجريمة ضد حرية الصحافة”.
هذا وأصيب حينها ما لا يقل عن ستة صحفيين، في هذه المسيرة، إما بالرصاص أو بالقنابل المسيلة للدموع.