رأي | للأقصى جنود تحميه

من خط بارليف المنيع إلى القبة الحديدية، أعادت المقاومة الفلسطينية بقيادة حماس، سيناريو العبور مرة أخرى، باختراق صواريخها مانع القبة الحديدية، وعبور عشرات المقاتلين إلى الداخل المحتل، ليفرضوا سيطرتهم على دبابات ومدرعات عسكرية، ويأسرون ما يقرب من 100 جندي في عملية أفقدت قوات الاحتلال الإسرائيلي بأجهزته الاستخباراتية والعسكرية السيطرة على أرض الميدان، في أكبر إخفاق استخباراتي في تاريخ دولة الاحتلال بعد 50 عامًا من حرب أكتوبر.

جاءت عملية "طوفان الأقصى" التي نفذتها كتائب "القسام"، الجناح العسكري لحركة "حماس"، ردًا على "الجرائم الإسرائيلية في حق مقدسات ومواطني الضفة الغربية، ولاستعادة الحق في كل شبر اُغتصب وسط انحياز وصمت عالمي".

عملية مباغتة ومحكمة التفاصيل يُمكن بسهولة اعتبارها درسًا لن ينساه الاحتلال. وصفعة سيسجلها تاريخ المقاومة بأحرف من نور.

طوفان الأقصى 

استيقظ سكان الجانب الشرقي من غزة في المستوطنات الإسرائيلية على أسوأ كوابيسهم أمس. ينظرون من نوافذ منازلهم التي اعتقدوا أنها آمنة إلى مقاتلي المقاومة يتجولون في شوارع مستوطناتهم، يسوقون العشرات منهم إلى أراضي القطاع.

هي عملية إذن خُطط لها بدقة منذ فترة ليست بقريبة؛ فبالنظر إلى الصور والفيديوهات التي ظهرت إلى الآن، ويشير معظمها إلى تمكن المقاومين من اقتحام عشرات المستوطنات الصهيونية، وإحكام قبضتهم عليها، في مقابل حالة من الانهيار سيطرت على أداء جنود دولة الاحتلال، وعلى رأسهم وحدات نخبوية من لواء "عوز"، التي يُنظر إليه إسرائيليًا بأنها أفضل لواء مقاتل في "الجيش" الإسرائيلي، هي ومقاتلي وحدة "اليمّام" ذائعة الصيت. 

يُظهر ذلك أن المقاومة خططت لهذا اليوم ببراعة وإتقان منقطع النظير، أخذةً في الاعتبار حجم القوات الإسرائيلية المنتشرة على الحدود، إضافة إلى أفضل الطرق وأسهلها للمرور إلى الجانب الشرقي منها، فضلًا عن اختيار التوقيت المناسب للبدء في التحرك الميداني، خصوصًا وأن الفترة الحالية تشهد أعيادًا يهودية يكون فيها الجنود والمستوطنون في حالة استرخاء تامة، وهو ما أدى إلى وصول المقاتلين إلى قلب المستعمرات الصهيونية على عمق يزيد على 10 كلم بسهولة ويسر.

صواريخ القسام (وكالات)

الغطاء الجوي

كان لابد من غطاء جوي للعملية، فأطلقت المقاومة أزيد من خمسة آلاف صاروخ في الوقت الذي تحرك فيه جنود المقاومة بالدراجات النارية والقوارب إلى الداخل المحتل، ليتوج فشل العدو الإسرائيلي الذي يسيطر على أجواء غزة من خلال طائراته المسيّرة، وباختراقه شبكة الاتصالات السلكية الرسمية (الهواتف الأرضية) والجوّالة، ومعظم الشبكات اللاسلكية ومواقع الإنترنت، في التقاط معلومة واحدة تشير إلى سعي المقاومة للقيام بمثل هذا الهجوم الاستراتيجي. 

أمام هذا كله، اعتبر متخصصون أمنيون ما حصل فشلًا استخباراتيًا واستراتيجيًا، ليس فقط لوحدة الاستخبارات والموساد والشاباك، وإنما للمؤسسة الأمنية التي أعلنت قبل أسبوع فقط أن "حماس" غير معنية بحرب مع إسرائيل.

رد جيش الاحتلال 

في أول رد فعل على الهجوم، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في تصريح مسجل من مدينة تل أبيب نقلته "بي بي سي بالعربية" أمس، إن "إسرائيل في حالة حرب، وليست في عملية عسكرية".

وأوضح نتنياهو أنه أصدر تعليماته في البداية بتنظيف المستوطنات ممن أسماهم "بالإرهابيين" الذين اقتحموها. وحذر من أن "العدو سيدفع ثمنًا غير مسبوق"، مشيرًا إلى أنه آمر "بتعبئة واسعة النطاق لقوات الاحتياط وللرد على إطلاق النار بحجم لم يعرفه العدو".

ووقع وزير الطاقة والبنى التحتية الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، أمرًا يقضي بوقف تزويد الكهرباء إلى قطاع غزة.

وأعلن جيش الاحتلال عملية "السيوف الحديدية" العسكرية ضد حركة حماس في قطاع غزة، وفق ما أعلنه الناطق باسمه.

ليغلق بعدها الجيش عددًا من الحواجز الأساسية بين رام الله والقدس، وينشر عددًا كبيرًا من الحواجز العسكرية.

ذلك، في وقت اتخذت الشرطة الإسرائيلية في جنوب البلاد وضعًا قتاليًا لمواجهة أي هجوم مفاجئ يشنه مقاتلو حركة حماس. كما وافق وزير الدفاع الاسرائيلي يوآف غالانت على استدعاء جنود احتياط بشكل واسع لأداء مهام مطلوبة في مجموعة متنوعة من الوحدات، وفقًا لاحتياجات الجيش بحسب ما جاء عن مكتب وزارة الدفاع.

وأعلن جيش الاحتلال اليوم السبت أن الهجوم الذي شنته حركة "حماس" انطلاقًا من قطاع غزة أدى إلى مقتل "أكثر من 200 شخص"، متهمًا مقاتلي الحركة باقتحام المنازل وقتل "مدنيين" في المستوطنات. بينما اعترفت تل أبيب باختطاف إسرائيليين دون تحديد العدد، أو إذا كانوا جنودًا أم مدنيين. 

كما أعلنت مستشفيات الجنوب عدم قدرتها على استقبال العدد الكبير من القتلى والمصابين الذين يصلون إليها. وكان الإعلان المتكرر للإسرائيليين "أغلقوا الأبواب" و"ابقوا في أماكن آمنة".

جنود أسرى إسرائيليين (وكالات)

ردود الفعل 

في مثل هذه الأحداث أو المعارك الفاصلة لا مجال للمواقف الوسطية أو الدبلوماسية والشجب والتنديد الذي عانى منه الوطن العربي؛ فحاليًا المقاومة الفلسطينية تقف وحدها تدافع عن شرف أمة كاملة، ولا نقف إلى جوارها حتى بتصريح داعم يهون هول ما يحدث منذ 70 عامًا، وذلك على عكس ما يفعله الغرب الذي اتخذ موقفًا واضحًا منحازًا لدولة الاحتلال.

ونقلت شبكة "سي.إن.إن" السبت عن بيان للمتحدث باسم الأمن القومي في البيت الأبيض، أن "الولايات المتحدة تندد بشكل لا لبس فيه بهجمات حماس وتقف إلى جانب حكومة وشعب إسرائيل".

وقال وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في بيان "خلال الأيام المقبلة، ستعمل وزارة الدفاع على ضمان حصول إسرائيل على ما تحتاجه للدفاع عن نفسها وحماية المدنيين من العنف العشوائي والإرهاب".

وقال المستشار الألماني أولاف شولتس على وسائل التواصل الاجتماعي: "تصل إلينا أخبار مروعة اليوم من إسرائيل. لقد صُدمنا بشدة من إطلاق الصواريخ من غزة وتصاعد العنف. تندد ألمانيا بهذه الهجمات التي تشنها حماس وتقف إلى جانب إسرائيل".

وقال وزير الخارجية البريطاني جيمس كليفرلي في منشور على مواقع التواصل الاجتماعي "تندد بريطانيا على نحو قاطع بالهجمات المروعة التي شنتها حماس على مدنيين إسرائيليين وستدعم دائمًا حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها".

وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال مؤتمر لحزب العدالة والتنمية الحاكم في أنقرة: "ندعو جميع الأطراف إلى ضبط النفس"، مضيفًا: "يتعين عليهم الامتناع عن الأعمال العدائية".

وقالت وكالة الأنباء السعودية إن وزارة الخارجية دعت إلى "الوقف الفوري للتصعيد" بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

وقالت وزارة الخارجية المصرية، في بيان، إن مصر حذرت من "عواقب وخيمة" لتصعيد التوتر بين إسرائيل والفلسطينيين.

ودعت الوزارة، في البيان الذي نشرته وكالة الأنباء الرسمية، إلى "ممارسة أقصى درجات ضبط النفس وتجنب تعريض المدنيين للمزيد من المخاطر".

ونقلت وكالة الأنباء الإماراتية عن وزارة الخارجية قولها "الإمارات تدعو إلى ممارسة أقصى درجات ضبط النفس والوقف الفوري لإطلاق النار لتجنب التداعيات الخطيرة".

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة