“التلاجة وصلت لـ 50 ألف جنيه ربنا يكون في عونا وكل اللي عندهم بنات على وش جواز”.
تخوض “إيمان” حاليًا واحدة من أصعب مراحل إعداد جهاز ابنتها المقبلة على عقد قرانها: “أمامنا 3 أشهر فقط على الفرح.. من 3 شهور كانت التلاجة بـ 45 ألف.. جمعت فلوسها وروحت أجيبها اتفاجئت إنها زادت 5 آلاف في 3 شهور بس.. يعني 1700 جنيه في الشهر”.
تعمل السيدة الخمسينية في حقل التدريس الجامعي منذ 25 عامًا وتتقاضى راتبًا لا يتجاوز 9 آلاف جنيه، وهي تدبر كل شؤونها تقريبًا بتقسيط، يعينها في مواجهة كل ما غلا ثمنه وثقل عبئه عليها.
طالت زيادات الأسعار جميع أصناف الأجهزة الكهربائية منذ مارس 2022 وحتى مايو 2023، ووصلت إلى 100% تقريبًا، بحسب شعبة الأجهزة الكهربائية بالغرفة التجارية الجيزة.
“تخيل أني وجوزي أساتذة جامعيين ومش قادرين نوفر جميع مستلزمات العروسة.. طقم الصيني بقى بـ 20 ألف جنيه والحلل عدت 7 آلاف جنيه.. والشاشة بقت بـ 13 ألف جنيه.. اللي عنده بنتين يعمل ايه طيب”.
ارتفاعات الدولار والأسعار
يعرف حسبة الأسعار جيدًا من جهز بنتا في 2016 وأعاد تجهيز أخرى في 2023، قبل 7 سنوات “كانت تكلفة الأجهزة الكهربائية كلها ثلاجة وغسالة ووفريزر وشاشة تلفاز وخلاط وفرن كهربائي من 20 إلى 25 ألف جنيه.. المبلغ ده دلوقتي يجيب غسالة بس”؛ تقول بحسب هالة عبدالعال – ربة منزل.
هذه الفترة التي تتحدث عنها “هالة”، شهدت ارتفاعات متتالية في قيمة الدولار من مستوى 8.9 إلى 17.7 جنيه، قبل أن يتم تخفيضه مجددًا ليصل إلى مستوى يدور في فلك 31 جنيهًا حاليًا، ما رفع مستلزمات الإنتاج في بلد يعتمد على الاستيراد من الخارج.
تقول “هالة”: “بنتي هتتجوز في بلد ريفي، ودول ناس ليهم عادات.. لابد ماركة معينة من الأجهزة.. وغسالتين بدل واحد وتلاجة وديب فريزر وأطقم مفروشات لاتقل عن 30 ملاية وغيرها كتير.. اللي ميجبش البلد كلها بتجيب سيرته.. نعمل ايه”.
أثرت ارتفاعات الأسعار على المواطن والتاجر على حد سواء. يقول أحمد غريب، تاجر أدوات منزلية: “الناس بتخلص فلوسها على الكهربا والمفروشات، وبتحاول توفر في الأدوات المنزلية، فبعد ما كنا بنبيع 3 طقم حلل بقينا بنبيع حلل فرط يعني ٥ أحجام مختلفة”.
يقدم “غريب” عرض أسعار بسيط للمنتجات المتوفرة في السوق حاليًا، فيقول: “الثلاجة الياباني كان متوسط سعرها في 2016 من 6 لـ 8 آلاف جنيه حسب النوع، دلوقتي بقى 25 ألف، وشاشة التليفزيون الكوري مقاس 43 بوصة الممتازة كانت بـ 3450 جنيه، دلوقتي بحوالي 11600 جنيه.
اقرأ أيضًا: قفزات السكر تحرم المصريين حلاوة “خمسينة الشاي”
تقصي الأرخص بحارة اليهود
هذه الارتفاعات تدفع كثير من سكان القرى حاليًا إلى المدن بحثًا عن أسعار أقل، في أماكن مثل حارة اليهود وحمام التلات بالقاهرة.
يقول علاء السيد – موظف: “دلوقتي بندور على الشكل بس.. الخامة والجودة مش مهم.. القايمة (قائمة المقولات الزوجية) لابد تكون طويلة، مش شرط فيها أيه بس لازم تبقى طويلة”.
لا تزال قائمة المنقولات الزوجية عُرف يعتد به في الريف المصري، من ناحية القيمة وعدد السيارات التي تحملها.
يقول “السيد”: “المشكلة في المصريين بالخارج.. الواحد منهم مستفيد من زيادة الدولار، يجي ويسن سنة في البلد كلها بأنه يجيب 3 ثلاجات و3 غسالات.. ويعمل ضغط على باقي العائلات.. الريف غيركم في القاهرة.. هنا كله بيبص لبعضه وما فيش حاجة اتغيرت في العادة دي”.
مبادرات غير ناجحة
لحل أزمة الأسعار، تبنت بعض القرى قائمة منقولات زوجية موحدة، تتضمن جهاز كهربائي واحد للغرض نفسه، وتقليل الشبكة الذهبية إلى “دبلة ومحبس”، مع كتابة الباقي بالقائمة، والاستغناء عن بعض تجهيزات المطبخ، وإن كان بعض ميسوري الحال لا يلتزمون بهذه القائمة الموحدة.
يقول “السيد”: “أقل قايمة في البلد حاليًا بحوالي 500 ألف جنيه.. حاجات العريس فيها ما تجبش 150 ألف جنيه.. يعني اللي عنده 3 بنات زيي محتاج عشان يسترهم أزيد من مليون جنيه”.
اقرأ أيضًا: وجبات الشارع بعد ارتفاعات الأسعار.. “تخيل إنك بتاكل لحمة”
من حارة اليهود تتنقل “هايدي سمير” أمام المحال التجارية دون أن تشتري. تكتفي فقط بالإشارة إلى مرافقة معها، ليتندرا على الأسعار. تقول: “أعمل في مشغل ملابس وأعيش مع أمي بعد بابا ما مات.. فرحي كمان كام شهر.. بحاول اشتري الأساسيات بس.. لكن أسعارها بقت مولعة.. حتى التلاجة 14 قدم بقت بـ 16 ألف جنيه، وأقل بوتوجاز 4 شعلة بقى بـ 4 آلاف جنيه”.
أجلت “هايدي” الفرح أكثر من مرة: “منظري قدام أهل عريسي بقى مش كويس لكن ما باليد حيلة.. ماما اضطرت تشتري حاجات بوصولات أمانة ومش عايزة اضغط عليها أكتر من كده”.
في 2015، دشنت الحكومة المبادرة الرئاسية “مصر بلا غارمات“، وأفرجت عن نحو 5 آلاف و784 سيدة غارمة، بتكلفة إجمالية وصلت إلى 224 مليون جنيه منذ عام 2020 وحتى العام الجاري 2023. ومع ذلك، يبدو أن عددًا جديدًا من هؤلاء قادم في الطريق مع الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي يعانيها الشعب المصري منذ سنوات.
وفتحت وزارة التضامن حسابًا موحدًا للغارمين ربطته بأوجه الزكاة والصدقات، وتم إنشاء منصة إلكترونية للغارمين والغارمات بهدف الحوكمة لتكون كل البيانات موجودة على قاعدة بيانات موحدة تكون مرئية لكل الوزارات.
الندرة سبب ارتفاع الأسعار
تشكو شركات التجميع المحلية من غياب مستلزمات الإنتاج والمواد الخام وبطء فتح الاعتمادات المستندية ما يحول دون قدرتها على الإنتاج ويقلل من المعروض بالسوق. إذ كلما قل المعروض وزاد الطلب ارتفع السعر.
يقول فتحي الطحاوي، نائب رئيس شعبة الأدوات المنزلية، إن أسعار الأدوات المنزلية ارتفعت بنسبة 100%، بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار الأمريكي، وعدم توافر مستلزمات الإنتاج، ما سبب ضعفًا في القوى الشرائية للمواطنين خاصة في ظل ارتفاع أعباء الحياة اليومية.
يعترف “الطحاوي” بأن الأسعار الحالية لا تمثل قيمة الأجهزة والمستلزمات الحقيقية، لكن المشكلة في المعروض الذي خلق سوقا موازية، وهو يرى الحل في فتح الاستيراد دون قيود، على أن يوفر كل تاجر الدولار من السوق.