قضايا النساء من القضايا التي لا يجب أن تتنحى جانبا، فإنها تتطلب وضع خطوط حقيقية للقضاء عليها سواء مجتمعيًا وقانونيًا, تتمثل معاناة النساء في كافة العصور باختلاف وتنوع قضاياهم في أصل التربية والنشأة المجتمعية والتي تسيطر سيطرة كاملة على عقول الأفراد وتصبح جزء أساسي من ثقافته وإيديولوجيته المجتمعية ومن أصل هذه القضايا هي قضية التمييز بين الجنسين واللا مساواة التي تتسبب في العديد من المشكلات وتفاقمها من عصر لآخر مع اختلاف مسببات التمييز التي ينتج عنها سيادة منطق أحقية الرجال فى امتلاك أجساد النساء التي نتج عنه مصادرة حق الحياة بكامل حريتهن وإرادتهن مثلهن مثل الرجال. ونتج عن ذلك، اختلال في توازن الحياة والمجتمع وقلل من مكانة النساء وحصر دورها في الزواج والارتباط والإنجاب وخلافه من الأدوار التربوية والمنزلية كما حدد لها شكل ولون الثياب التي ترتديه كما حدد لها الكثير والكثير من الضوابط المجتمعية، فسلب منهن أيضًا حقهن في اختيار شريك الحياة وحق التعلم وحرية الإنجاب فكان من الطبيعي عندما نرى كل هذا التحكم أن تقابلنا ظواهر عديدة من العنف سواء بالضرب أوالاغتصاب والاعتداء حتى وصل بنا الحال حاليا إلى القتل الذي زادت معدلاته في الآونة الأخيرة وفقا لهذه التنشئة البدائية للهيمنة الذكورية التي جعلت من النساء سجينات وهن أحرار.
تعيش النساء منذ فجر التاريخ في حالة من العبودية للرجل. في البداية، لسيطرته وقوته الجسدية ثم بعد ذلك القوانين والنظم السياسية التي مارست عليها السيطرة والعبودية من خلال أيضا العادات والتقاليد التي تحولت فيما بعد لحق قانوني شرعى .
إن أجساد النساء هى المحدد الأساسي لقوانين وعادات وثقافات المنع والتحريم والتى قام بوضعها الذكور أنفسهم فهذه الثقافات تجعل من النساء فاقدة للعقل والإرادة والتفكير وتسيطر عليهن بالاضطهاد والقهر والتمييز. خاضعة لتبعية الرجال الذكوريين الذين يسيطرون بالقوة وفقا للقالب الذى رسمه المجتمع لهم من خلال المفاهيم والثقافات الذكورية المهيمنة عليهم والتى تسببت بصورة كبيرة فى حوادث قتل النساء فى العديد من المجتمعات، ومنها المجتمع المصرى الذي كان ينحيها ويتغاضى عنها مجتمعيا وقانونيا على اعتبار أن جريمة القتل قضية خاصة وليست قضية مجتمعية.
فجرائم قتل النساء كانت مباحة تحت مسمى شرف العيلة التى تدنسه النساء اللاتى فكرن فى التغيير وكسرن كافة القوالب النمطية التى حددتها المجتمعات والأعراف والقوانين والتى ساهمت فى ضياع حقوقهن حتى بعد قتلهن، فأباحت العنف والانتهاك والاعتداء والقتل تحت بند تأديب الزوج لزوجته والأب لبناته والأخ لأخواته فجسد الفتيات والنساء هنا يصبح ملكا للعائلة تتحكم فيه وكل منهم يصدر أحكام عليهن لمجرد السعي في الحصول على حقهن في الحياة بكامل إرادتهن وحريتهن وساهمت القوانين في الدعم الكامل لهؤلاء المجرمين فالنساء تُقتل والرجال يبحثون عن عذر للقاتل أيًا كان صلة قرابته، فالمهم أن هناك دافع غير شريف للقتل لكي يفلت الجاني من العقاب فهناك قوانين تحمى الزوج حين يقتل زوجته وتحمي الأب من قتل ابنته لوجود ثغرات وعيوب كثيرة فرضتها هذه القوانين لحماية القاتل فلا يكفي أبدًا تغليظ العقوبات في تلك الجرائم. يجب، أولًا، معالجة النصوص القانونية لعقوبات القتل على خلفية الشرف ونظرة المجتمع والعائلة والوصم المجتمعي الذي يصنعه الرجال لسلب حقوق النساء أيا كان سواء كان إرثًا أو حقوق خاصة بمكانتهن وحقوقهن وحقهن فى العمل والتعليم واختيار شريك الحياة التي جاءت نتيجة موروثات. أيضًا القانون لا يكون منصفًا أبدًا في قضايا تتعلق بالنساء ويتطلب الأمر تغيرات كثيرة لتقضي على كافة أشكال التمييز واعتبارهن كائنات مهمشة فى مرتبة أخيرة.
إن تفاعل المجتمع مع جرائم قتل النساء تتسم بقلة الحيلة. فالمجتمع لا يتبنى رفض واتخاذ موقف واضح لمناهضتها والنظر لها كقضية سياسية ومجتمعية هامة بالإضافة إلى أسلوب تناول الإعلام التقليدى لمثل هذه القضايا التى عادة لا تتوافق مع مصالحه فيقوم بعرضها كخبر عابر وتناوله لقضايا القتل بعناوين مضللة تسعى دائما لعرض وبحث عن سبب وعذر لارتكاب القاتل لجريمته ليلقى تعاطفًا جماهيريًا من أفراد المجتمع الذين يجدون له دافعا لارتكاب جريمته .
أدرك أن الطريق لحصول النساء على حقوقهن فى الحياة يحتاج إلى المزيد من الوقت الطويل الذى يتعلق بتغيير ثقافات ومفاهيم وعادات نشأت وتفاقمت على مر العصور وهذا لا يتحقق إلا من خلال برامج توعوية حقيقية وفاعلة من كافة الجهات سواء من قبل المؤسسات النسوية والتنموية والمجتمعية بالإضافة إلى مؤسسات الإعلام ودور الثقافة التى لا بد وأن تتبنى مثل هذا النوع من القضايا المتعلقة بالنساء كما يجب العمل على وقف جرائم قتل النساء والفتيات، والاعتراف بأن جرائم القتل قضايا سياسية ومجتمعية لا تنتهي بمجرد محاولات لتغليظ العقوبات والتعامل معها على أنها جريمة فردية لا تمثل خطرا على المجتمع فتظل النساء تعيش فى خطر الاعتداء والقتل والوصم المستمر لاستمرار الثقافة العدائية للنساء التى تسيطر على المجتمع فى غياب آليات حماية قانونية ومجتمعية تضمن حقهن وتحترم كرامتهن الإنسانية وذلك يكمن فى الالتزام بكافة الاتفاقيات والمواثيق الدولية التى تقضي على كافة أشكال التمييز بجانب إقرار قانون موحد للقضاء على العنف ضد النساء، بالإضافة إلى تعديل قانون الأحوال الشخصية الحالي.
شارك معنا بوجهة نظره القانونية في هذه القضية الخبير القانوني والباحث الحقوقي " ياسر سعد " والذي أكد أن هذه القضية تتطلب جهد كبير من كافة الجهات المختصة بالشأن النسوي لتفعيل التوعية بكافة أنماطها القانونية والمجتمعية لتتغير هذه الثقافات الذكورية التي تساهم في هدم كيان كل إمرأة بالإضافة إلي ضرورة تعديل عدد من المواد القانونية التي تساهم في تفاقم معدلات هذه الجريمة والتي منها المادة 237 من قانون العقوبات المصري المخففة على الزوج والتى تنص على أنه " من فاجأ زوجته حال تلبسها بالزنا وقتلها فى الحال هى ومن يزني بها يعاقب بالحبس بدلًا من العقوبات المقررة فى المادتين 234 و236 من قانون العقوبات، بالإضافة إلي مواد الدفاع الشرعي ومواد التأديب والتي تنص المادة 60 على " لا تسري أحكام قانون العقوبات على كل فعل ارتكب بنية سليمة عملا بحق مقرر بمقتضى الشريعة بالإضافة إلي المادة 61 والتي تنص على " لا عقاب على من ارتكب جريمة ألجأته إلى ارتكابها ضرورة وقاية نفسه أو غيره من خطر جسيم على النفس على وشك الوقوع به أو بغيره ولم يكن لإرادته دخل في حلوله ولا في قدرته منعه بطريقة أخرى". كما حتمية تعديل المادة 62 والتي تنص على أن " لا يسأل جنائياً الشخص الذي يعاني وقت ارتكاب الجريمة من اضطراب نفسي أو عقلي أفقده الإدراك أو الاختيار، أو الذي يعاني من غيبوبة ناشئة عن عقاقير مخدرة أياً كان نوعها إذا أخذها قهراً عنه أو على غير علم منه بها ويظل مسئولاً جنائياً الشخص الذي يعاني وقت ارتكاب الجريمة من اضطراب نفسي أو عقلي أدى إلى إنقاص إدراكه أو اختياره، وتأخذ المحكمة في اعتبارها هذا الظرف عند تحديد مدة العقوبة.
وهذا مايجعل غالبية الجرائم ضد النساء وبشكل خاص من قبل أزواجها يتم حفظها لذلك. هذا أهم تعديل يجب الإسراع لإجراءه فيصبح الضرر النفسي ضرر يؤدى للعقوبة .
نظل نطالب بوقف قتل النساء التى تفاقمت أعدادهن فى الفترة الأخيرة فالنساء عندما تقول "لا" يقابلها الموت بأبشع الطرق والأساليب لمجرد أنها ترفض إهانة أوضرب أو اعتداء وترفض استمرار الحياة مع رجل أو حين تطالب بحقها الشرعى فى الميراث فتتهم بالخيانة كمبرر لقتلها.
فواجبنا جميعا كنساء أن نرفض كافة أشكال العنف وكافة الطرق التى يستبيح بها الرجال أجساد النساء ويملئون الأرض بدمائهن كما نرفض سلطة الرجال على حياة النساء .