"كوباية شاي زيادة وكتر السكر".. ترد تلك العبارة على أذن "سيد سلامة" لنصف قرن كاملة، منذ أن عمل "صبيًا" بغسل الأكواب في مقاهي وسط القاهرة.
لم تتغير عادات المصريين مع الشاي مهما ارتفعت الأسعار. أما "سلامة"؛ فإنه حاليًا يشكو ارتفاع أسعار السكر التي قفزت فجأة إلى 40 جنيهًا للكيلو الواحد: "متعودين دايمًا اليومين اللي قبل مولد النبي يبقى فيه ارتفاع في الأسعار.. لكن بعد المولد بأسبوع الأسعار بتزيد والكيلو بقى بـ 40 جنيه".
يستهلك القطاع الصناعي في مصر مليون طن سكر سنويًا، بما يعادل 34% من إجمالي استهلاك البلاد من هذا المنتج الذي يدخل في جميع الصناعات بما فيها المخابز التقليدية ومصانع الحلويات والشيكولاته والوجبات السريعة والمشروبات المصنعة والمياه الغازية.
يقول "سلامة": "السكر غلي.. بس ما نقدرش نرفع الأسعار.. فيه ناس من ساعة مع كوباية الشاي بقت بخمسة جنيه ما عدتش بتيجي القهوة.. الناس مضغوطة.. كل اللي كنا مخزنينه 50 كيلو قبل المولد وخلصوا.. دلوقتي بنشتري بالغالي".
يكفي كيلو السكر الواحد ما يتراوح بين 20 و25 كوباية شاي، حسب نوع الشاي (مظبوط أو سكر خفيف أو زيادة). "غالبية المصريين بيحبوه زيادة لأن الشاي عندهم تحلية بعد الأكل.. الواحد بييجي معاه شقتين فول وبصل ومخلل وبعدهم يحبس بشاي مسكر"؛ يقول "سلامة".
3 أسعار للسكر في السوق
بحسب دراسة لمجلس المحاصيل السكرية، يستهلك الفرد الواحد في مصر ما يقدر بـ 34 كيلو سكر سنويًا، بزيادة تُقدر بـ 14 كيلوجرامًا عن المتوسط العالمي.
على المقهى يتذكر "محمود ثروت"، على المعاش، سعر السكر قبل سنوات. يقول: "أنا راجل عجوز.. هتفكر هاكلمك عن السكر من ساعة القرش صاغ.. لأ هاكلمك عنه قبل ثورة يناير 2011 كان بخمسة جنيه، ودلوقتي في المجمعات سعره ارتفع 4 مرات".
يضيف ثروت: "مش كل الناس مقيدة على بطاقات التموين.. أحفادي كلهم مش مقيدين على بطاقات التموين.. الأب والام بس لهم كيسين وبيكملوا شرا من السوبر ماركت اللي الكيس فيه بـ 40 جنيه.. إزاي يبقى فيه أكتر من سعر لمنتج واحد في السوق".
وفق شعبة المواد الغذائية بالغرفة التجارية في الجيزة، يتم تداول السكر في مصر حاليًا بـ 3 أسعار مختلفة؛ الأول بسعر 16 جنيهًا لنحو 65 مليون مواطن يحصلون على السكر في بطاقة التموين، بينما يصل سعره في المجمعات الاستهلاكية إلى 20 جنيهًا، ويسجل في السوق الحرة 40 جنيهًا.
لكن الحديث يتزايد في السوق المحلية منذ أسابيع عن تخزين كميات كبيرة من قبل تجار يعملون على تعطيش السوق من أجل رفع الأسعار والحصول على فارق المكسب، وهو أمر تكرر في السكر مثل غيره من السلع الاستراتيجية الأخرى.
"محمد أبو رحمة"، صاحب محل صغير، يقول: "التجار الكبار متحكمين في السوق.. فيه بعض المصانع بتديهم لوحدهم.. وبيخزنوا كميات كبيرة رغم أن السكر متوفر في السوق وما فيهوش نقص".
مد حظر تصدير السكر
وقررت وزارة التجارة والصناعة مد حظر تصدير صنف السكر بأنواعه لمدة 3 أشهر جديدة تنتهي في ديسمبر 2023، إلا للكميات الفائضة عن احتياجات السوق المحلي، والتي تقدرها وزارة التموين والتجارة الداخلية بعد موافقة وزيرها.
وبحسب وزارة التموين يكفي احتياطي مصر من السكر التمويني لما بعد شهر أبريل 2024، فيما يكفي السكر الحر حتى الأسبوع الأول من مارس المقبل، وبالتالي لا يوجد مبرر للارتفاعات.
يضيف "أبو رحمة": "السكر لما يغلي.. حاجات كتيرة بتتحرك معاه.. المولتو والحلويات والحاجات اللي بيشتريها الأطفال".
من أمام المحل، تقول "أسماء": "السكر موجود.. وغيطان القصب والبنجر في كل المحافظات.. ومش بنستورده بالدولار.. ليه كل يوم أسعاره بتزيد.. ووزارة التموين بتعمل ايه لما التجار متحكمين في كل حاجة".
فجوة الاستهلاك
المهندس حسن كامل، رئيس جمعية خبراء السكر، يقول إن حجم إنتاج مصر من السكر يبلغ 2.8 مليون طن، فيما يبلغ حجم الاستهلاك نحو 3.3 مليون طن، بفجوة تقدر بنصف مليون طن فقط، وهي ما يتم سده بالاستيراد من الخارج.
استودرت وزارة التموين والتجارة الداخلية 200 ألف طن سكر خام وصول خلال الفترة المقبلة، وذلك من خلال الهيئة العامة للسلع التموينية وشركة السكر والصناعات التكاملية وشركات البنجر التابعة للشركة القابضة للصناعات الغذائية (شركة الفيوم لصناعة السكر وشركة الدقهلية لصناعة وتكرير السكر وشركة الدلتا للسكر وشركة النوبارية للسكر) بخلاف الكميات التي تم استيرادها.
ويرى "كامل" أن زيادة أسعار السكر بالأسواق غير مبرر في ظل امتلاك مصر مخزون استراتيجي من المحصول، يكفي حتي بداية الموسم المقبل، فضلًا عن أن القصب يتم حصاده في يناير والبنجر في مارس.
وتشير تقديرات دولية إلى ارتفاع أسعار السكر بنسبة 12% خلال العام المقبل، بسبب النمو السكاني بنسبة 2.4% سنويًا، بما يعادل 2 مليون نسمة سنويًا، وكذلك نمو قطاع المنتجات الغذائية.
السعر العادل للسكر
بحسب وزارة التموين، فإن السعر العادل للسكر يتراوح بين 22 و26 جنيهًا للكيلو، وذلك لارتفاع أسعار السكر عالميًا، ليصل لأكثر من 700 دولار للطن الخام.
وارتفعت أسعار السكر عالميًأ بسبب مشاكل إنتاجية لدى أكبر المصدرين على مستوى العالم. ووفق شعبة السكر في اتحاد الصناعات، فإن سعر طن السكر ارتفع إلى 33 ألف جنيه بزيادة 13 ألف جنيه خلال شهرين فقط.