لا يستطيع الإنسان الطبيعي أن يحيا بدون أمل، ببساطة لا يمكنه ذلك، فالأمل ضرورة إنسانية مثل الطعام والشراب والسكن والحرية، وإن غابت تغيب الحياة عن النفوس حتى ولو لم يحضرها الموت، يعيش الإنسان بدون أمل بلا هوية ولا عقل، ولذلك قال الزعيم المصري مصطفى كامل لا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس. ولذلك يعد اليأس خيانة وقتل الأمل خيانة، فالأمل من الله وفي الله ولله، الأمل وهبة من الوهاب يعلمنا بها باقتراب نسائم رحمته إن نحن آمنا بها وصدقناها.
فمن العلامات التي يدرك بها الإنسان أن الله سيساعده هو شعوره بالأمل في الله، ولأن الله لا حدود لملكه وسلطانه فمجرد الشعور بالأمل فيه يفتح أبواب من الثقة والطمأنينة لا حصر لها، مما يقوي من موقف الإنسان في مواجهة الضيق والمصاعب والتحديات. أما لو يأس من قدرة الله على إنقاذه وإصلاح أحواله أو نسيها فهذه علامة على انغلاق الأبواب أمامه، وأولها أبواب ذاته نفسها، فلا يجد فيها العزيمة على التحدي أو الرغبة في المواجهة، فينهزم قبل دخول المعركة لأن الجزء الأشد وطأة من المعركة هو الذي يخوضها الإنسان مع نفسه أولا.
وحتى في المعارك الحربية يعد انهيار الأمل في النصر أو سلامة الانسحاب أول وأخطر عوامل الهزيمة العسكرية، فالجندي الذي لا يحارب من أجل النصر والأمل في الحياة لا يحارب إلا قليلا، ولذلك كان واجب من واجبات العسكرية أن يكون القائد نموذج لجنوده ومصدرًا لفخرهم وأن يبث فيهم الأمل ويرعاه ويدبر كل ما يمكنه تدبيره من أجل النصر ثم يترك الأمر كله لله ليحكم فيه بالحق، ليس إطلاق الأحكام من واجبنا، بل واجبنا اتباع راية الحق والسلام والصدق، راية الأمل.
بالطبع لا نتحدث عن الأمل المزيف ولا عن خداع الناس بالأوهام، ويجب أن يدرك الإنسان العاقل أن مجرد وجود الأمل لا يعني أن تتغير النواميس الكونية من أجل تحقيق آماله على أرض الواقع، ولو أدرك الناس هذا لتوقفوا عن بث الآمال المزيفة التي تتعامى عن الظروف الموضوعية التي تحيط بالناس. فلا يكفي أن يكون عندي الأمل والرغبة الصادقة في الإصلاح لكي أقفز أمام قطار منفلت محاولا إيقافه.
ولذلك فيجب أن يؤمن الإنسان أن قدرة الله فوق كل شيء وأن الأسباب والنتائج جميعها بيده دون أن يخدع نفسه فيظن أن بإمكانه تغيير نواميس الكون لمجرد أنه يريد ذلك لأن تلك النواميس نفسها جزء من مظاهر قدرة الله على تنظيم شئون كل شيء.
ولكن يجب أيضًا على الإنسان الناضج أن يعلم أن الأمل واليأس والتردد كلها صفات بشرية درجة وجودها تؤثر على سلوك وأسلوب تفكير الناس والمجتمعات وبالتالي فهي جزء من المعادلة تؤثر في أهم جزء فيها – وهو البشر أنفسهم - وتتأثر بها. فعند وجود الأمل يمكن للناس المثابرة والتعاون والاجتهاد والإبداع لتحقيق ما كانوا يظنونه مستحيلا وعند وجود اليأس لا يجد الناس القدرة على تحمل أقل قدر من المشقة أو الاختلاف. ولذلك فإن نشر الأمل بين الناس يؤدي لتغيير معطيات الواقع نفسه فيتغير بشكل يجعل قراءته واستشراف المستقبل عن طريقه مهمة مستحيلة لو لم تؤخذ حالة الناس في الاعتبار.
ويحق على الناس ويحق لهم أن يدافعوا عن مستقبلهم ليصبحوا جديرين به، ويمكن لمن يستطيع أن يشعل شرارة الأمل في نفوس الناس وأن يبقي جذوتها متقدة أن يقودهم لتحقيق آمالهم بشرط الحفاظ على أمانة الكلمة ونقاء السريرة. فكل عقبة توضع في طريق المستقبل يمكن للناس التغلب عليها لو خلصت نواياهم واتحدت كلمتهم. ولذلك يحرص أعداء الحرية دوما على أن يبثوا اليأس في قلوب الشعوب لينصرفوا عن السعي وراء حقوقهم، ويعملون على إشاعة عبارة "مفيش فايدة" وكأنها قانون إلهي لا يتغير، فمن يؤمن حقا بأن مفيش فايدة لا يمكنه أن يسعى للتغيير بل وسيسعى غالبًا للحفاظ على وضعه كما هو عليه خوفًا من أن يسوء أكثر وأكثر.
ولذلك ولكل ما تقدم فنحن – كشعب ومجتمع - في حاجة إلى الأمل المنعش الجميل الذي يزكي النفوس ويشجعها وفي حاجة شديدة للتخلص من اليأس المقبض الكئيب الذي يكسر النفوس ويخربها، ونحن أيضا في حاجة للموضوعية والمنطق لنحكم على الأمور بأقرب ما يكون للصحة دون مبالغات أو انفعالات غير طبيعية. ولذلك ولكل ما تقدم أقول بضمير مستريح فليحيا الأمل.