الاتجاه جنوبًا.. سودانيون يدفعهم “الغلاء” إلى العودة لـ “الحرب”

تفاقمت الأزمة الاقتصادية في مصر، والتي تمثلت في انهيار لقيمة الجنيه مقابل سعر صرف الدولار، ما تسبب في ارتفاع الأسعار بشكل غير مسبوق، أثر بشكل سلبي على الحياة اليومية للمصريين، وأصبح المواطن المصري، و”اللاجئون” الذين كانوا يعيشون في مصر “حياة كريمة” يبحثون عن سبل للعيش، تتعقد كل يوم.

من زاوية اللاجئين، فإن صاحب مكتب حجوزات تذاكر الباصات أمين عبد الكريم، قال في تصريحات الأسبوع الماضي، إن “أعداد السودانيين منذ شهر ونصف الشهر، الذين قرروا العودة إلى السودان في زيادة مستمرة، إذ كنا في بداية الحرب نبيع أقل من 100 تذكرة في اليوم، وحالياً وصل عدد التذاكر لأكثر من 450 من مكتبنا فقط، والمؤشرات جميعها تؤكد خروج عشرات الباصات يومياً إلى السودان، ولكنها تذهب للولايات المختلفة مثل شندي وعطبرة وبورتسودان وحلفا ولا تصل للخرطوم نهائياً لصعوبة الأمر”.

الفرار من جحيم الحرب

وبحسب منظمة الهجرة الدولية، في أحدث تقاريرها عن السودان، فإن “الصراع هناك أدى بجانب النزوح الداخلي إلى تحركات مختلطة عبر الحدود لـ697 ألفًا و151 سودانيًا إلى الدول المجاورة، 255 ألفاً و565 سودانيًا منهم وصلوا إلى مصر، في آخر إحصائية أجريت منتصف يونيو الماضي”.

 ما يلقاه الشعب السوداني من ويلات الحرب التي اندلعت في إبريل الماضي بين قوات الجيش السودانية بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع، جعله يفر إلى المخيمات والمجتمعات المجاورة بحثًا عن فرصة للحياة ولكن الأزمات التي عاشها اللاجئون السودانيون في المخيمات والدول المجاورة، جعل البعض يختار طريق العودة الي الولايات السودانية المختلفة هربًا من الأزمات بداية من تأشيرة الدخول مرورًا بأزمات في السكن والتعليم والانخراط في سوق العمل.

تاريخيًا، يعاني السودان من الصراعات والنزوح منذ اندلاع أزمة دارفور في عام 2003. وبحلول نهاية عام 2022، كان هناك أكثر من 3.7 مليون شخص من النازحين داخلياً، يعيش معظمهم في مخيمات في دارفور. ويعيش 800 ألف سوداني آخر كلاجئين في دول مجاورة مثل تشاد وجنوب السودان ومصر وإثيوبيا.

اقرأ آيضًا: ٦ أشهر من الاشتباكات.. تغذية “سيناريو التقسيم الثاني” في السودان

ومنذ بدء القتال في السودان إبريل الماضي بين الجنرالين حميدتي والبرهان، نزح أكثر من 2.7 مليون سوداني – 2.2 مليون داخل السودان، وحوالي 500 ألف إلى البلدان المجاورة. استقبلت مصر أكثر من 250 ألف لاجئ سوداني، بحسب “المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين”، بالإضافة إلى نحو مليونين إلى 5 ملايين سوداني موجودين في مصر قبل النزاع.

 كما توفي نحو 1200 طفل جراء الحصبة وسوء التغذية في تسع مخيمات للاجئين في السودان في مايو الماضي وقد يموت عشرات الآلاف الآخرين بحلول نهاية العام وفق ما أعلنته الأمم المتحدة.

فبحسب آلن مينا مسؤول الصحة العامة في مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين “أكثر من 1200 طفل دون سن الخامسة توفوا في تسع مخيمات في الفترة بين 15 مايو و14 سبتمبر. ويعود ذلك إلى تفش محتمل لمرض الحصبة وسوء التغذية الحاد”.

تأشيرة الدخول إلى الأراضي المصرية

منذ أكثر من خمسين عامًا، وبحسب اتفاقيات دبلوماسية بين (القاهرة والخرطوم) كان يسمح بدخول الأطفال والنساء إلى مصر من دون تأشيرة دخول، والشباب بين سن 16 و49 سنة يحتاجون إلى تأشيرة دخول وتمنح لهم مجانًا.

إلى جانب تأشيرة الدخول المجانية للرجال والدخول من دون تأشيرة للنساء والأطفال، قدمت مصر تسهيلات أخرى متمثلة في الدخول بوثيقة سفر للسيدات والأطفال، والدخول بجوازات منتهية وممددة بخط اليد، ويمكن للأطفال الذين لا يملكون جوازات سفر مستقلة الدخول بواسطة جواز الأب أو الأم.

ولكن في يونيو الماضي، أعلنت الحكومة المصرية اعتماد تأشيرة دخول للمواطنين السودانيين بعد انتشار أنشطة غير قانونية بحسب بيان الخارجية المصرية.

وقال بيان للمتحدث باسم الخارجية المصرية أحمد أبو زيد: “لوحظ خلال الفترة الماضية انتشار لأنشطة غير قانونية يضطلع بها أفراد ومجموعات على الجانب السوداني من الحدود، تقوم بتزوير تأشيرات الدخول إلى مصر بغرض التربح، وأضاف استحدثت السلطات المصرية إجراءات تنظيمية تعتمد على التأشيرات المميكنة لمواجهة تلك الجرائم، وقال المتحدث إنه “يجب أن يؤخذ في الاعتبار أن مسئولية توفير البنية الأساسية الصحية والتعليمية والسكنية لكل هؤلاء تقع على عاتق الحكومة المصرية المسئولة عن توفير الخدمات الأساسية للمواطنين السودانيين المتواجدين على أراضيها”.

وصرح عمرو مجدي باحث أول بقسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في هيومن رايتس ووتش: “أن ضرورة مكافحة تزوير التأشيرات لا تبرر رفض أو تأخير مصر دخول الفارين من النزاع الخطير في السودان. وينبغي للحكومة المصرية إلغاء إجراءات تأشيرة دخول المواطنين السودانيين خلال الأزمة الحالية، والسماح لهم بالدخول السريع، وتسهيل إجراءات اللجوء أو معاملة أكثرهم، إن لم يكن جميعهم، كلاجئين”. 

كما أكد موقع “مدي مصر” أن السلطات لم تعد تقبل جوازات السفر الممدّدة أو وثائق السفر المؤقتة لطلبات التأشيرة، وتوقفت عن الاعتراف بالأطفال المدرجين على جوازات سفر الوالدين.

ونقلا عن اندبندت عربية، أشار الناشط الميداني بمدنية حلفا حاتم يوسف إلى سبب تأخر الحصول على التأشيرة بالقول “كان الجانب المصري ملتزم بتسلم 200 جواز في اليوم، لكنه بدأ يقلص الأعداد إلى 60، ثم 10 جوازات يومياً، مع العلم أن هناك حالات صحية طارئة ومرضى ينتظرون دورهم، وهذا الأمر أدى إلى تكدس كبير وصل إلى آلاف”.

ازمة السكن والغلاء تدفع السودانيين للعودة

مع تزايد أعداد القادمين من السودان الي الأراضي المصرية وبعد رحلة شاقة بطول النيل والوقوف في طوابير التأشيرات يصل النازحون السودانيون إلى مصر لتبدأ الرحلة الأصعب وهي توفير مسكن آمن  وفق المتطلبات المعيشية اليومية.

ولكن مع تزايد النازحين، ارتفع السوق العقاري المصري ارتفاعًا ملحوظًا. يقول الباحث الحقوقي والمدير التنفيذي لمنصة “اللاجئين في مصر” نور خليل إنّ النازحين الجدد من السودان وخاصة العائلات والنساء يواجهون أزمة وصفها بالكبيرة، فيما يتعلق بأسعار السكن، بخلاف الأزمة التي يتعرّض لها النازحون السودانيون السابقون المقيمون في مصر. 

ويأتي ارتفاع الأسعار في بعض المناطق إلى قصد العديد من النازحين المناطق التي يجتمع فيها السودانيون، ما يمكّنهم من الاندماج مع بعضهم البعض، خصوصًا في القاهرة والجيزة، وأيضًا لأن العديد منهم لديهم عائلات تعيش في تلك المناطق، مما دفع بمالكي المساكن في هذه التجمّعات إلى رفع أسعارها.

ولكن يري البعض أن الأزمة الاقتصادية والتضخم وفقدان الجنيه لأكثر من نصف قيمته خلال سنة هو ما أدى إلى الارتفاع الملحوظ في السوق العقاري مما انعكس على أوضاع اللاجئين داخل الأراضي المصرية.

ومع تأزم الأوضاع فقد اضطر العديد من النازحين السودانيين إلى إنفاق كل أو معظم مدخراتهم ومع استنفاذ مدخراتهم وقلة فرص العمل فقد رأي البعض أن الحرب أرحم لهم من الغلاء لذلك قرروا الهجرة العكسية والعودة إلى ولايات سودانية اخري بعيدة عن الخرطوم.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة