“مبروك الزيادة”.. علاوة الموظفين في جيب التجار قبل تطبيقها

في اليوم التالي لإعلان الحكومة زيادة رواتب الموظفين، توجهت “منى السيد” كالمعتاد إلى السوق لشراء احتياجاتها؛ لتفاجأ برفع التجار الأسعار، رغم أن الزيادة سيتم تنفيذها مع راتب أكتوبر المقبل الذي يتم صرفه يوم  24 من الشهر ذاته.

قررت الحكومة، أخيرًا، زيادة علاوة غلاء المعيشة الاستثنائية، لتصبح 600 جنيه، بدلًا من 300 تُصرف شهريًا، لكل العاملين بالجهاز الإداري للدولة، بمختلف المستويات الوظيفية، بدءًا من الدرجة السادسة وحتى الدرجتين العالية والممتازة، يستفيد منها 4,5 مليون موظف بتكلفة سنوية بنحو 16,4 مليار جنيه.

تقول “منى”: “غالبية البياعين اللي أعرفهم قالولي مبروك الزيادة.. عرفت وقت الحساب إنهم بدأوا في تعديل أسعارهم على الزيادة اللي مستنيين يلهفوها مننا.. الطماطم بـ 25 جنيه، والليمون بـ 20 والبصل بـ 25، والأسعار دي أعلى بحوالي 2 و3 جنيه عن  3 أيام فاتوا”.

التجار يطمعون في الزيادة

الزيادة التي أقرتها الحكومة شملت أيضًا زيادة الحد الأدنى الإجمالي للدخل للدرجة السادسة، ليصبح 4 آلاف جنيه، بدلًا من 3500 جنيه، وزيادة الحد الأدنى لكل الدرجات الوظيفية الأعلى بما لا يقل عن 500 جنيه، لكل العاملين بالجهاز الإداري للدولة والهيئات الاقتصادية، مع زيادة حد الإعفاء الضريبي على الدخل بنسبة 25% إضافية، ليصل إلى 45 ألف جنيه بدلًا من 36 ألف جنيه. وبذلك يكون حد الإعفاء الضريبي ارتفع بنسبة 75% منذ الأول من يوليو 2023.

تضيف “منى”: “كل ما يحصل زيادة التجار  يزودوا الأسعار.. الحكومة المفروض تتحرك، لأنها كده مش بتزود رواتبنا.. دي بتزود مكاسب التجار والبياعين اللي هما مزودين الأسعار أصلًا بدون مبرر. معظمهم عنده وكالات وثلاجات وبيخزنوا الحاجة من أول الموسم ببلاش ويعطشوا السوق عشان يزودوا السعر”.

في الزيادات السابقة، حذرت وزارة التموين التجار من رفع أسعار السلع بالتزامن مع زيادة الرواتب والمعاشات. وشددت على أنها ستشن حملات تفتيش دورية على الأسواق كافة؛ لمنع أي تلاعب أو ممارسات احتكارية، مع اتخاذ كل الإجراءات القانونية حيال المخالفين. وطالبت المواطنين، حال وجود، أي شكاوى تتعلق بنقص السلع التموينية الأساسية في المحافظات بالإبلاغ عنها من خلال الخط الساخن لجهاز حماية المستهلك.

سعر كيلو البصل وصل في مصر إلى 25 جنيهًا (وكالات)

الجميع يرفع أسعار خدماته

يقول “علاء محمود”، وهو موظف حكومي: “مش بس التاجر اللي بيزود.. أي حرفي كمان. السباك لو بيعمل حاجة بـ 50 جنيه يقول هات 100 ويقول أنتوا موظفين وكل يوم بتزيدوا أما الصنايعية فشغالين بدراعهم.. لو مرض الواحد منهم هيقعد في البيت رغم أن الصنايعي بيجيب الزيادة الشهرية دي في يوم واحد”.

ارتفعت الأجور في مصر خلال السنوات الأربع الماضية خمس مرات؛ ليصعد الحد الأدنى للأجور من 1200 جنيه فقط خلال مارس 2019 إلى 2000 جنيه في 2020، ثم إلى 2400 جنيه في مارس 2021، وإلى ـ2700 جنيه في يناير 2022، ثم إلى 3500 جنيه في مارس الماضي، وأخيرًا تم رفعه إلى 4 آلاف جنيه، يبدأ صرفها في أكتوبر المقبل.

يضيف “علاء”: “حتى أصحاب المنازل عايزين يركبوا الموجة.. أختي فوجئت بصاحب البيت يرفض زيادة الـ 10% المكتوبة في عقد  إيجار الشقة  اللي بينتهي في شهر 11 اللي جاي، وطالبها بـ 20% أو تمشي. قال لها إنها وزوجها موظفين وزادوا”.

تقول “مايسة أحمد”، مُعلمة: “التلاعب كبير في الأسعار.. ممكن أجيب كيلو رز بـ 32 جنيه من محل وألاقيه في نفس الشارع بـ 35 جنيه، ما فيش كتابة أسعار على كل المنتجات.. والتاجر بيبيع بمزاجه.. حتى سواقين العربيات كل يوم بسعر  وبيزودوا في وقت الزحمة عن قبلها”.

اقرأ أيضًا: “ونحلو بإيه”.. غلاء الأسعار يُفقِد عروسة المولد فرحتها

إنذارات التموين لا تكفي

منذ عام 2022، أعلنت وزارة التموين عن تحرير إنذارات لغير الملتزمين بكتابة الأسعار على السلع من المحال التجارية، وتوعدت بشن حملات توعية  بوضع الأسعار على السلع، وكذلك عمل الدراسات والاستقصاءات والتحريات اللازمة ‏لأماكن غير الملتزمين بوضع الأسعار، وإنذارهم واتخاذ الإجراءات ‏القانونية حال عدم التزامهم بوضع السعر على السلع بعد انتهاء مهلة الأسبوعين.

لكن “مايسة” تؤكد عدم وجود التزام من قبل أصحاب المحال التجارية. تقول: “حتى الهايبرات الكبيرة حاطين الحاجات بسعر قديم تتصدم لما تروح للكاشير.. ويبقى قدامك حلين؛ إما تحرج نفسك وسط الناس في الطابور،  أو تأخد الحاجة غصب عنك عشان الإحراج وتبوظ ميزانية الشهر”.

يُفترض أن تنفذ لجان مشتركة من مديريات التموين ومباحث التموين وجهاز حماية المستهلك وهيئة سلامة الغذاء جولات مراقبة على ‏الأرض؛ لمتابعة وضع السعر على السلع، وبمكان وخط واضح للجمهور في مختلف المحال،خاصة الأماكن التي تبتعد عن عواصم المحافظات والمدن ‏الكبيرة.

الموردون يغيرون الأسعار

“محمد حسام”، بائع بهايبر صغير،  يرفض الاتهام بالتلاعب. يقول: ” الموردين مش بيغيروا الأسعار، هي اللي بتتغير باستمرار، فالتكاليف ارتفعت.. وكل ما نكتب سعر بنبقى عايزين نغيره بعدها بكام يوم. ده مجهود كبير ومكلف على إدارة المكان.. الأماكن المحترمة حاطة بدل الأسعار  شاشة باركود يضرب العميل المنتج عليها عشان يعرف السعر الحقيقي ويفكر يشتري ولا لأ”.

لكن “محمود سلامة”، موظف بوحدة محلية، يرى أن الحل في سطوة القانون؛ إذ يجب العودة للتسعيرة الجبرية كما كان الأمر في الستينيات، على حد قوله؛ فـ”الدولة عارفة التكاليف كويس وتقدر تحسب السعر العادل للمنتج وتحط هامش بسيط عشان فروق الجودة، مش يبقى السوق متساب كده للتاجر يعمل ما بداله”.

الارتفاعات جنونية بأسعار السجائر (وكالات)

يضرب “محمود” مثالًا بأسعار السجائر، فيقول: “قبل زيادة المرتبات السجاير فيها مشكلة من حوالي 3 شهور.. التجار بيخزنوها وبيلعبوا في السعر وبيزدوا بـ 5 و10 جنيه حسب مزاجهم.. الشركة بتقول اضرب الباركود.. أنا معايا موبايل عادي ولا أعرف شكل الباركود ولا ييتعمل ازاي.. لكن لو الشركة منعت التوريد للتجار الكبار  وطرحتها على عربياتها اللي في كل مكان، وكتبت السعر على العلبة واضح كله هيلم نفسه”. 

يرى البعض أن الاقتصاد الحر الذي تتبناه الدولة حاليًا يحول دون تطبيق التسعيرة الجبرية. إلا أن الدولة كانت لها تجربة أخرى تسمى “التسعيرة الاسترشادية” طبقها اللواء محمد أبو شادي، وزير التموين الأسبق، الذي يرى أن خضوع السوق لنظرية العرض والطلب يغل يد الرقابة عن السوق.

في عهده، كانت وزارة التموين تعد أسعارًا استرشادية أسبوعية يتم إرسالها لمديريات التموين بالمحافظات للاسترشاد بها مع الغرف التجارية لوضع أسعار خاصة بكل محافظة حسب تكاليف النقل والتداول ومواسم الإنتاج وحجم المعروض، وتقوم بوضعها لجنة متخصصة تراعي مصالح جميع الأطراف.

يقول مسؤول بوزارة التموين إن المواطن يتنازل عن حقه كثيرًا بالتغاضي عن طلب فاتورة شراء أو إبلاغ جهاز  حماية المستهلك عبر الخط الساخن. 

اقرأ أيضًا: في “الفجالة”.. حتى حقيبة المدرسة القديمة مطالبة بتحمل الأسعار

وهو يرى أن الجهاز يحاول القيام بدوره، لكن المشكلة الأساسية في نقص عدد الموظفين الذين يمكنوه من القيام بجولات على جميع الأسواق في توقيت واحد.

يضيف: “وزارة التموين والمجتمع المدني بيضبطوا السوق عبر المجمعات الغذائية ومبادرات كلنا واحد التي انتشرت في كل الجمهورية وبتبيع خضار بسعر مخفض عن السوق وجودة عالية.. ولحوم أقل من السوق بـ 30 و50%”.

عادة قديمة

محمود العسقلاني، رئيس جمعية مواطنون ضد الغلاء

وراهنت وزارة التموين على البورصة السلعية، معتبرة أنها تهدف إلى ضبط أسواق السلع واستقرار أسعارها من خلال إنشاء علاقة تداول مباشرة بين كل من المنتجين للسلع والمصنعين وكافة عناصر سلاسل الإمداد، لشركات الصناعات الغذائية وشركات التوزيع والتجار وشركات التعبئة، لكن السلع التي تضمنتها إلى الآن محدود وهي السكر والقمح والذرة الصفراء والردة.

ويرى محمود العسقلاني، رئيس جمعية مواطنون ضد الغلاء، أن ارتباط الزيادة بالعلاوة موجودة منذ أيام الرئيس الأسبق حسني مبارك، فمع كل منحة يستعد التجار لها برفع الأسعار. وهو ما يستلزم أن تكشر الدولة عن أنيابها، إذ أنها تعرف التجار الكبار الذين يتحكمون بالسوق ومن يجب التعامل معهم، حتى لا يحدث  ما نشهده الآن.

ويطالب العسقلاني الدولة بلعب دور التاجر المرجح، قائلًاً: “عندنا أكبر شبكة منافذ في جميع أنحاء الجمهورية سواء لوزارات التموين والزراعة والشركات القابضة ومنافذ أمان وغيرها، ويمكن ربط تلك المنافذ مع بعضها البعض وأن تقوم بعملية شراء جماعي من الفلاحين وطرح المنتج بسعر موحد في منافذها.. وقتها سيُجبر التجار المحتكرين على النزول بالسعر من أجل القدرة على البيع والمنافسة”.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة