تحتفل الأمم المتحدة بيوم المساواة في الأجر في18 سبتمبر من كل عام وذلك منذ عام ٢٠١٩، وهو بمثابة تمثيل الجهود طويلة الأجل لتحقيق المساواة في الأجور بين الجنسين وسد الفجوة فيها وذلك وفق التزام أممي بالمساواة ونبذ التمييز لا سيما التمييز ضد المرأة. إن وجود الفجوة في الأجور بين الجنسين مسألة موجودة ومرسخة في العالم منذ سنوات طويلة فهي مشكلة على المستوى الدولي، وتتفاوت من بلد إلى آخر ولكن تم تقدير الفجوة بين الجنسين في الأجور ب٢٠٪. ويرى الخبراء أن العالم قد يحتاج إلى ١٣٢ عامًا لسد هذه الفجوة لما يسبقها من مسببات وما يعقبها من تأثير على اقتصاد الدول.
إن ما يسبب عراقيل في التمكين الاقتصادي للمرأة انخفاض أجرها واحتياجها لبذل مجهود أكبر من الرجل لإثبات كفاءتها كالقيام بمهام رفض في الأساس الرجال من فريق العمل القيام بها، علاوة على ذلك احتياج المرأة الإجازات. كإجازة الأمومة وإجازة تتعلق بمضاعفات الدورة الشهرية أحيانَا. تتعلق نوعية المهام بالمرأة فدائمًا ما تُسند مهام معينة للمرأة وهي مهام مقابل أجر زهيد لتطلبها خبرة أقل وفى الغالب تكون هذه المهام ضرورية لاستمرار المؤسسة ولكنها لا تساهم في التطور الوظيفي للفرد، وفى الأساس لا يفضل العاملون من الرجال هذه المهام فتسند للمرأة. نوعية المهام المسندة للمرأة تكون على الأغلب مهام روتينية كإرسال ايميلات أو تنسيق مهام ورقية وهو على الأرجح ربط المجتمع للمرأة بالأعمال الروتينية والمتكررة.
السبب الثاني نتيجة طبيعية للسبب الأول وهو تقليص دمج المرأة في المناصب القيادية فبالرغم من ارتفاع نسبة توظيف المرأة في ال١٥ عامًا الماضية من ٨٪ إلى ٤٤٪ إلا أنه لازال عند تساوي المؤهلات يتم اختيار الرجل للدور القيادي ولا عجب في ذلك تفضيل المرأة للقيام بمهام السكرتيرة أو المعلمة بينما الإداريون يكونون غالبًا من الرجال.
السبب الأخير والذي غالبًا ما يكون سببًا واهياًَ فهو التكوين البيولوجي للمرأة، فتكون حجة بعض المدراء هي تقلبات المرأة المزاجية في أوقات خاصة من الشهر وصعوبة التعامل معها ولكن قد يكون هذا فقط نتاج عفوي للذكورية التي رسخت في الأذهان صورة المرأة التي تتلقى الأوامر دون أن يكون لها الحق في التعبير عما يخصها فيصبح حتى مجرد مطالبة النساء بإجازة الدورة الشهرية درباًَ من الخيال.
وعلى ذكر التكوين البيولوجي للمرأة، فإن إجازات الأمومة كالوضع ورعاية الصغير أصبحت عائقًاَ في طريق الحياة الوظيفية للنساء فيصبح أيضًا سبباًَ يبدو مقنعًا للبعض لعدم توظيف النساء وهنا يكون التساؤل: هل يعد هذا ضغطًا على النساء ليعودن إلى المنزل ويمارسن أدوارهن الاجتماعية كزوجات وأمهات فقط؟
لسوق العمل شروطه التي تخدم الرجل وتنصب الفخاخ في طريق استمرار المرأة في العمل لتظل المرأة تواجه المزيد من التحديات. عند تساوي مؤهلات المتقدمين للعمل من الرجال والنساء كلاهما فيتم دائماًَ اختيار الرجال للمناصب القيادية. لعل منظومة التوظيف نفسها تعتمد على منظومة ترشيح تقليدية كالوسائط والشبكات الاجتماعية مما يخدم الرجل غالبًا. وعند قرار المرأة الخروج من سوق العمل لعدم تقدير الحياة الشخصية لها، يكون في غاية الصعوبة العودة إليه فيما بعد، بينما يكون الأمر أكثر سهولة للرجل عندما يقرر العودة في أي وقت.
هناك الكثير من الاقتراحات لتقليل الفجوة في الأجور بين الجنسين وهي في أساسها تعمل على تصحيح ما تم تحديده مسبقًا من أدوار اجتماعية تكرس حياة المرأة للمنزل والأطفال فتسلخ الرجل عن أسرته إقناعاََ له برجولته التي تتحقق بالإنفاق والعمل. هنا يجب أولًا العمل على تكوين الأسرة نفسه عن طريق إفراغ المفاهيم من وصفها التقليدي فالأب لا يراه الأبناء كعائل اقتصادي بل مصدر أمان ودفء كالأم تمامًا. وبالتالي، فتطبيع الإجازة الأبوية المدفوعة قد يحقق موقفًا داعمًا للجميع لتحقيق تواصل فعال داخل الأسرة ودرجة أعلى من تمكين المرأة داخل سوق العمل دون المساس بدخل الأسرة. أما في مكان العمل، فإن توفير آليات رعاية الأطفال بمبالغ رمزية عن طريق تخصيص الشركات والمؤسسات ميزانية وحيزًاَ لرعاية أطفال العاملات/ين لما فيه من توفير لفرص عمل جديدة يكون أغلبها من السيدات كجليسات الأطفال والمربيات. مع إعادة النظر في الأدوار الاجتماعية ومنظومة العمل والأخذ في الاعتبار الاقتراحات المذكورة، قد يؤدى ذلك إلى حياة اقتصادية أفضل للفرد والدول مما قد يدعم وضع هياكل جديدة للإجازات المدفوعة بسلاسة أكثر من قبل مما بدوره يقلص ثم يسد الفجوة في الأجور بين الجنسين.
في مصر بدأت النساء في شغل مناصب قيادية عديدة وزاد وجود المرأة بشكل ملحوظ في كل المجالات تقريبًا ولكن تظل نسبة العضوات المشاركات في البرلمان محدودة مما يؤدى إلى استمرار الرجال في صنع قرارات وسن قوانين تتعلق بالمرأة دون الأخذ في الاعتبار تقرير المرأة نفسها لما يناسبها. هنا تظهر ضرورة تمكين المرأة من المناصب القيادية ولا سيما البدء بالمناصب القيادية التي تخدم المرأة مباشرة. أخيرًا، فجوة الأجور بين الجنسين قد تهدد اقتصاد الدول فيما بعد لما تسببه من إهدار كوادر ناجحة من النساء.