في وسط المنطقة الحُرة بمنطقة العامرية بالإسكندرية، يقف عُمّال مجموعة النيل للمفروشات والمنسوجات “نايل لينين جروب”، مضربين عن العمل، منذ يوم الأربعاء الماضي (حسب العمّال الذين تواصلت معهم منصة “فكر تاني” يستمر الإضراب غدًا السبت في جميع مصانع الشركة)، نتيجة السياسات التعسفية التي تمارسها إدارة المجموعة في حق العمال منذ ما يربو عن عامين. فقد تجاهلت الإدارة كثير من المطالب التي رفعها العُمّال وأبرزها تحسين منظومة الأجور وصرف الإعانات الاجتماعية للعمال.
تحسين منظومة الأجور
وحسب بيان تضامني أصدرته دار الخدمات النقابية والعمالية، الأربعاء، فإن قائمة المطالب تشمل صرف حصّة العُمّال من الأرباح السنوية بنسبة 10 في المئة، وفقًا لقانون الشركات 159 لسنة 1981، وتعديلاته، أيضًا، شملت المطالب إعادة صرف بدل غلاء المعيشة الذي توقفت الإدارة عن صرفه منذ مطلع العام الماضي، وتوقف الإدارة عن خصم 50 في المئة من قيمة مِنح المناسبات، وهو الخصم الذي كانت الإدارة قد عمدت إليه متعللة بجائحة كورونا، ليستمر الوضع على ما هو عليه حتى الآن.
وبحسب البيان أيضًا، طالب العُمّال بالنظر في تعديل جدول الأجور لجميع العاملين بالشركة بما يتناسب مع ارتفاع معدلات التضخم وما صاحبها من ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة (حسب بيانات البنك المركزي المصري، فقد ارتفع معدل التضخم السنوي لشهر أغسطس هذا العام إلى 37.4 في المئة في مقابل 36.5 عن الشهر نفسه العام الماضي)، ما أدى لتراجع القيمة الحقيقية للأجور في ظل سياسات اقتصادية لا تأخذ مصالح العاملين وحقوقهم بعين الاعتبار، ولا تتجه لمعالجة أوضاعهم وتخفيف أعبائهم التي صارت تثقل كاهلهم. ومن المطالب أيضًا، تعليق لائحة الجزاءات في مكان واضح بالمصانع، وتوريد اشتراكات العمال في اللجنة النقابية التي اقتطعتها الإدارة من أجور العمال ولم تقم بتوريدها للنقابة حتى اللحظة.
لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يخوض فيها عُمّال المجموعة إضرابًا عن العمل، احتجاجًا على تخفيض علاوة مالية أو إلغائها. فقد دشن العمال إضرابًا في أبريل من العام الماضي، اعتراضًا على تعنُت الإدارة التي ارتأت أن العُمّال غير مستحقين لمطالبهم التي رفعوها، كما خفضت الإدارة بعض بنود الأجر المتغير (منحة عيد الفطر) من 1000 جنيه إلى 500 جنيه، وألغت علاوة بدل غلاء المعيشة. وكانت أبرز مطالب العمال وقتئذٍ: وجوب تعليق اللائحة الداخلية في مكان بارز، وعرض ميزانية الشركة للعام المالي السابق لتلك الاحتجاجات، وذلك لتبين نسبتهم القانونية من الأرباح، كما طالبوا برفع منحة العيد إلى 2000 جنيه، وصرف بدل غلاء المعيشة بقيمة 500 جنيه شهريًا، وأيضًا تعديل أجور العمال الذين تضرروا من انقطاع تأميناتهم لفترات، وأخيرًا تفعيل الاتفاق الذي نتج عن تفاوض سابق بشأن تحسين منظومة التأمين الصحي وضم أفراد من أسرهم. وقد وعدتهم الإدارة بتنفيذ مطالبهم في اتفاق تفاوضي مع اللجنة النقابية؛ إلا أن هذا الاتفاق لم تلتزم به إدارة الشركة.
تاريخ من الاحتجاجات لتحسين الأوضاع
فيما مثلت أبرز الاحتجاجات تلك التي خاضها العمال في يوليو من العام 2021، حينما شارك أكثر من 1200 عامل من عُمّال الورديتين الأولى والثانية بالشركة في إضراب شامل، بعد أن أخلت الإدارة بوعودها التي أقرتها جراء تفاوض اللجنة النقابية معها قبل أسبوعين من موعد هذا الإضراب. حيث طالبت اللجنة ممثلة عن العُمّال حينئذٍ بتحسين الأجور، وضم أسر العاملين إلى منظومة الرعاية الصحية، وتفعيل صندوق الإعانات الاجتماعية للعمال، وبدل المخاطر، واحتساب مرتب كامل لإصابة العمل على الأجر الشامل، وصرف زيادة بنسبة 7 في المئة من الأجر الشامل للنساجين عند تحميل أكثر من 8 ماكينات، واحتساب الإجازات الإجبارية على حساب الشركة، وتعديل اللائحة الداخلية وإضافة بعض البنود.
ورغم عملية المفاوضات الدائرة حينها، والوعود التي أُطلقت، فوجئ العمال بمخالفة الإدارة لنتائج التفاوض، لتخفض الحد الأدنى للأجر من 2100 جنيه إلى 2000 جنيه، وهو ما يتناقض مع قرار وزارة القوى العاملة برفع الحد الأدنى للأجور بالقطاع الخاص إلى ما لا يقل عن 2400 جنيه في ديسمبر من العام 2021 (استثنت الوزارة الشركات التي أصابتها عثرات مالية بسبب كورونا من القرار؛ ما أدى إلى استغلال كثير من الشركات للأزمة للتهرب من تطبيق الحد الأدنى للأجور في يناير 2022، على زعم عدم قدرتها على تحمل زيادات الأجور بسبب ارتفاع عدد العُمّال، وتكاليف الإنتاج، إلى جانب التداعيات السلبية لأزمة كورونا على عملياتها، حيث تم الإعلان عن استثناء 3090 شركة في 30 قطاعًا، وعلى الأخص قطاعات الملابس الجاهزة والمنسوجات، وخاصة التي يتم تصديرها للخارج). وقد انتهى هذا الإضراب بتفاوض جديد حين وافقت الإدارة على المطالب عدا المطلب الخاص بتعويض العاملين عما تم خصمه في العام 2020 إثر جائحة كورونا، واعدين بالنظر فيه لاحقًا.
تكررت الانتهاكات التي تمارسها الإدارة بحق العاملين بالمجموعة، حيث رصدت دار الخدمات النقابية والعمالية عدد (2100) انتهاك فقط في العام الماضي، ومن أبرزها اعتقال قوات الأمن القيادي العُمّالي في النقابة المستقلة للعاملين بشركة “نايل لينين جروب”، شادي محمد، في القضية 10233 لسنة 2022، بدعوى الانضمام لجماعة إرهابية، ونشر أخبار كاذبة، بعد توقيفه من داخل أتوبيس الشركة في أكتوبر 2022. بينما كانت تهمته الحقيقية هو نشاطه النقابي دفاعًا عن زملائه ضد ممارسات إدارة الشركة، ما عرّضه للفصل التعسفي من العمل في العام 2019 بدعوى التغيب عن العمل، لمشاركته في احتجاجات العُمّال. ورفع على إثره دعوى قضائية ضد الشركة بشأن قرار فصله، لكنه لم يتمكن من العودة إلى الشركة مرة أخرى حتى الآن، خاصة بعد خروجه من محبسه.
70٪من صادرات المفروشات المنزلية
يذكر أن شركة “نايل لينين جروب” تأسست في العام 1996، وهي تضم نحو 2100 من العمال والعاملات. وتصدر وحدها 70 في المئة من صادرات مصر من المفروشات المنزلية. كما أنها تتكون من مجموعة من المصانع (مصنع الصبغة، ومصانع 1 و4 و5 و 6 للنسيج، ومصانع 1 و2 للتفصيل، بخلاف المخازن). وذلك بحجم استثمارات يصل إلى 85 مليون دولار. حسب تصريحات سابقة لرئيس مجلس الإدارة، سعيد أحمد.
تعليقًا، ذكر أحد مسؤولي اللجنة النقابية بالشركة (فضّل إخفاء هويته حفظًا لخصوصيته وأمنه)، أنه يعمل منذ العام 2003، كفني تشغيل بأحد مصانع الشركة، وقد قام وزملاؤه بتأسيس اللجنة النقابية في أغسطس من العام 2012. قائلًا: “الدارج أن الجميع يطلق علينا لجنة نقابية؛ لكن في حقيقة الأمر نحن نمثل نقابة مستقلة من نقابات العاملين في الغزل والنسيج، وقد خضنا إضرابنا الأول في نفس شهر التأسيس، للإعلان عن أنفسنا ومطالب العمال الذين نمثلهم، خاصة المطالبة بصرف منحة العيد بقيمة 1000 جنيه والتي استطعنا الحصول عليها لأكثر من عام بعد هذا التفاوض إلى أن توقفت، وقد بدأنا العمل من الصفر كما يقال، لذا نحن على أتم الاستعداد لمساندة أي مطالب عُمّالية في قطاعاتنا أو أية قطاعات أخرى”.
وأضاف: “خضنا اعتصامًا في العام 2014، للمطالبة ببعض من حقوقنا لديهم، ثم إضرابًا في العام 2019، تبعه بضع إضرابات متكررة، كان منها إضرابًا في العام 2021 كاد أن ينجح لولا أن تفرق العمال ولم يكونوا على قلب رجل واحد في قرارات إيقاف العمل، ثم إضراب العام الماضي، بعد فوز أعضاء اللجنة الحاليين بالدورة الجارية للجنة النقابية في مايو 2022، وقد قمنا به لأن الإدارة لم تفِ بأية وعود ولم تقدم أي شيء ملموس للعمال خلال السنوات التي اجتاح فيها وباء كورونا مصر”. معبرًا عن غضبه الشديد من توقف صرف الأرباح؛ خاصة وأن وضع الشركة المالي قد تحسن كثيرًا بعد أن كان متوقفًا لفترة بسبب تداعيات كورونا.
فيما قال أحد عمال مصنع المصبغة (يطلق عليه العمال اسم مصنع التجهيز) التابع للمجموعة، إنه اشترك في الإضراب الحالي، لإدراكه ضرورة التضامن مع قرار زملائه، فلا يجب وفقًا له أن يتفرق موقف العمال من التشغيل كما حدث العام الماضي، لتصبح الثغرة التي ينفذ منها المدراء لتفرقتهم وإجهاض مطالبهم. مردفًا: “نحتاج كعمال أو نقابيين إلى توعية مستمرة وتدريبات بشأن حقوقنا، كما نحتاج دومًا للتنسيق بين عمال المصانع المختلفة بالمجموعة كي ننجح في اقتناص بعض من مطالبنا أو جميعها”.
وعلق عامل آخر من مصنع (نسيج 5) التابع للمجموعة، قائلًا إنه يعمل وزملاؤه بكل كد واجتهاد ودقة ورغم ذلك فإن رواتبهم لا تتجاوز الـ7 آلاف جنيه للمدير المسؤول، أما العمال فتبدأ رواتبهم من 3 آلاف جنيه، بعد تطبيق الحد الأدنى كجزء من التفاوض الأخير. في حين، يقول العامل، أن إعلانات التوظيف لعُمّال في مصانع العاشر من رمضان -على سبيل المثال-، تظهر أن رواتبهم تتراوح ما بين 7- 10 آلاف جنيه، وهم لا يمرون بنفس صعوبات العمل في مصانع الإسكندرية، والتي تُصّدر منتجاتها إلى دول الاتحاد الأوروبي والأمريكتين وموقفها المالي جيد الآن.
ويضيف: “كثرة الاستقطاعات في السنوات الأخيرة تحت مبرر تعثُر الشركة كان مقبولًا إلى حد ما وقت أن لمسنا ذلك التعثُر بالفعل؛ لكن من غير المقبول أن يتحسن الموقف المالي للشركة ورغم ذلك ما زالت الاقتطاعات التي أقرها نجل صاحب الشركة وقت توليه الإدارة، سارية. كما أننا نطالب بعودة بدل غلاء المعيشة المتوقف، وصرف اشتراكات النقابة المتأخرة، وصرف تعويضات عن منحة العيد عن السنوات التي تم تخفيضها من 1000 جنيه إلى نصف قيمتها، مع زيادتها إلى مبلغ 2000 جنيه لكل عيد وتطبيق هذا بداية من العام المقبل”.
مسؤول آخر باللجنة النقابية يقول إنهم بمجرد أن رفضت إدارة الشركة الجلوس للتفاوض معهم، أمس الخميس، حرروا محضرًا في مكتب القوى العاملة التابع للهانوفيل، وقابلوا مديرة المكتب التي استمعت لشكواهم ومطالبهم المعلنة المشار إليها سابقًا، وأنهم بصدد اتخاذ الإجراءات القانونية ضد توقيف 15 عاملًا من قوة مصنع (المصبغة) نهاية الأسبوع المنصرم عن العمل وإحالتهم للتحقيق، لمشاركتهم في الإضراب الذي هو حق ينص عليه القانون، كما جرى العرف أن “الإضراب يوقف عقد العمل ولا يلغيه”. وأنهم لم يسمحوا بفصل العُمّال مثلما حدث مع القيادي العُمّالي شادي محمد في العام 2019، والذي تعرض للفصل بسبب دفاعه عن حقوقهم.
“نحن نحمل هدفًا إصلاحيًا ولسنا ثوريين، نضع طائلة المفاوضات أمامنا ونقدم معارضة بناءة، نهدف إلى اكتساب حقوقنا ونحب العمل داخل شركتنا ونعتبرها جزء من كياننا، لذا لن نعلق إضرابنا إلى حين تنفيذ كافة مطالبنا، ونقدم الشكر للمتضامنين معنا من عُمّال وهيئات؛ خاصة دار الخدمات النقابية والعمالية، والاتحاد المصري للنقابات العمالية تحت التأسيس الذي شاركنا كنقابة مستقلة في تكوينه من البداية”، يضيف المسؤول باللجنة النقابية.
سلمت يدك يا استاذة رباب