كيف موّلت المنظمات الأمريكية الإرهاب والاستيطان داخل الأراضي المحتلة؟

في العام 2015، أُضرمت النيران ليلًا في منازل فلسطينية في قرية "دوما" بالضفة الغربية المحتلة على يد مستوطنين ملثمين، تركوا خلفهم كتابات بالعبرية تقول "الانتقام".

احترق منزل عائلة "دوابشة" الفلسطينية جراء الهجوم؛ وقُتل طفل رضيع في الحال، حرقًا حتى الموت. ثم توفي الأب والأم متأثرين بجراحهما بعد أسابيع قليلة، تاركين خلفهما ابنًا آخر لم يتجاوز عمره السنوات الأربعة، يكافح في التعافي من حروق شديدة.

شكّل هذا الهجوم أخطر أعمال الإرهاب التي نفذها مستوطنون في السنوات الأخيرة. ما أدى إلى حملة تعاطف دولية تجاه الضحايا، وأعيد التركيز مرة أخرى على الممارسات الإرهابية التي يرتكبها المستوطنون منذ عقود، وازدادت وتيرتها في السنوات الأخيرة التالية لتلك الحادثة، برعاية منظمات أمريكية، وبدعم مؤسسات أمنية وعسكرية وسياسية وتشريعية تابعة لسلطة الاحتلال.

حسب تقرير حديث صادر عن المكتب الفلسطيني الوطني للدفاع عن الأرض ومقاومة الاستيطان، فإن هناك منظمات أمريكية تعمل داخل الأراضي المحتلة تحت غطاء المجتمع المدني (جمعيات خيرية)، لتوفير الدعم المالي لمنظمات يهودية متطرفة تمارس أعمالًا إرهابية بحق فلسطينيين.

تتخذ هذه المنظمات من البؤر الاستيطانية وما يسمى بالمزارع الرعوية ملاذات آمنة لها في حماية جيش الاحتلال. وقد اتسع نفوذ تلك المنظمات لدرجة أنها أصبحت المتحكمة في وضع السياسات العامة وتحديد أطر الممارسات الممنهجة تجاه الفلسطينيين؛ بما يشمل تهديد حيواتهم وممتلكاتهم ومقدساتهم الدينية بغية تهويدها أو إزالتها، خصوصًا في بلدية القدس والمسجد الأقصى.

مستوطن يحمل العلم الأمريكي (وكالات)

الإرهاب ومصادر تمويله

رصدت وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية "وفا"، أبرز 60 من هذه الجماعات المتطرفة التي تمارس الإرهاب والانتهاكات المتعددة تجاه الشعب الفلسطيني؛ وكان على رأسها جماعة "حراس الهيكل" التي تتكون من عدة منظمات، تتلقى دعمًا من حكومة الاحتلال وبعض المنظمات الصهيونية القومية؛ إضافة إلى بعض الجماعات المسيحية الأصولية الأمريكية.

من بين هذه الجماعات أيضًا منظمة "أمناء الهيكل" التي نشطت في اقتحامات الأقصى، ويقع مقرها الرئيسي في مدينة القدس المحتلة، ولها فرع آخر في الولايات المتحدة في كاليفورنيا، يقوم على جمع التبرعات للمنظمة.

كذلك، تدخل في القائمة الإرهابية للجماعات الصهيونية في الأراضي المحتلة "جمعية صندوق جبل الهيكل" اليهودية المسيحية، والتي تأسست في الولايات المتحدة وداخل الأراضي المحتلة، وتقود حملات واسعة لجمع أموال من أثرياء اليهود والمسيحيين الإنجيليين في كل من أمريكا وكندا واستراليا؛ لشراء أكبر عدد من المنازل في البلدة القديمة بالقدس.

تسعى تلك الجماعات إلى السيطرة الكاملة على الأماكن الدينية المقدسة الإسلامية والمسيحية في محاولات مستمرة لطمس هذه المعالم وتهويد مدينة القدس بالكامل.

استيطان رعوي

اتهمت جمعية "كيرم نابوت" الحقوقية الناشطة داخل الأراضي المحتلة، منظمة "هيوفيل اليوبيل" الأمريكية الإنجيلية (مسجلة في الولايات المتحدة كمنظمة تقدم خدمات في مجال الزراعة لسلطة الاحتلال) بتمويل استيلاء مستوطنين على أراض فلسطينية في سهل قرية "جالود" النابلسية، من خلال حملة تبرعات أطلقتها حتى نهاية العام 2022 بهدف معلن وهو زراعة أشجار على أراض فلسطينية صادرها الاحتلال في الضفة الغربية. وقد استولت على عشرات الأفدنة بالتعاون مع المستوطنين، بغية تأسيس بؤرة استيطانية جديدة.

وتجند هذه المنظمة سائحين أمريكيين لمساعدة المستوطنين في الاستيلاء على أراضٍ زراعية فلسطينية. وتنفذ برامج سياحية للأمريكيين إلى ما يسمى "المزارع الرعوية" بالتعاون مع منظمات إرهابية متطرفة مثل: "شبيبة التلال" و "تدفيع الثمن" تحت سمع وبصر جيش الاحتلال.

وتأتي المزارع الرعوية التي تقوم على ما يعرف بنمط الاستيطان الرعوي، ضمن محاولات السيطرة على المناطق "ج"، التي تشكّل 60 في المئة من مساحة الضفة الغربية، وقد عملت سلطة الاحتلال بالتعاون مع تلك المنظمات في الداخل والخارج خلال العقد الأخير على السيطرة على مئات الأفدنة سنويًا، خاصة في منطقة الأغوار. وتبدأ المزارع بدون ترخيص ثم تمنحها السلطات والكنيست التراخيص اللازمة، لإضفاء الشرعية القانونية عليها.

وتسيطر هذه المزارع التي تجاوز عددها الـ50 بؤرة على ربع مليون دونم (الدونم يوازي 1000 متر مربع) من مساحة المنطقة "ج"، وتتمثل خطورة تلك البؤر في سرعة انتشارها وزحفها على أراضٍ بمساحات شاسعة في وقت قصير، في نوع من تدعيم الفكر الصهيوني الرامي إلى إخلاء أراضي الضفة الغربية من سكانها وضمها لسلطة الاحتلال كاملة.

ووفقًا لما نشرته صحيفة "هآرتس" في العام 2015، فإن جهات مانحة أمريكية ضخت أكثر من 220 مليون دولار في المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية عبر تبرعات معفاة من الضرائب. وأن هناك 50 منظمة أمريكية أخرى بخلاف "هيوفيل اليوبيل" تقدمت بتبرعات أخرى، بهدف دعم أسر متطرفين يهود مدانين بارتكاب جرائم ضد الفلسطينيين.

ومن هذه المنظمات "الصندوق المركزي لإسرائيل"، الذي يدعم المؤسسات الاستيطانية؛ و"هونينو"، التي تقدم الدعم لأسر متطرفين يهود متهمين بانتهاكات خطيرة طالت حياة وممتلكات الفلسطينيين و"صندوق الخليل"، الذي يمول مشاريع استيطانية في الخليل. أيضًا منظمة "كلنا أسرى صهيون" الخيرية التي أسست من قيادات في حكومة الاحتلال، وتدعم بشكل مباشر مستوطنين يرتكبون جرائم قتل بحق فلسطينيين مثل قاتل عائلة دوابشة.

وقد أطلق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) تحذيرًا أمميًا وتنديدًا شديد اللهجة في أغسطس الماضي، جراء العمليات المتزايدة الرامية لمصادرة الأراضي الفلسطينية. وقد سُجلت 591 حادثة مرتبطة بالمستوطنين أسفرت عن إصابات بين الفلسطينيين وأضرار في ممتلكاتهم في الأشهر الستة الأولى من العام الجاري، ما يمثل زيادة بنسبة 39 في المئة عن المتوسط الشهري الذي سجل العام الماضي، وهو الأعلى على الإطلاق حتى اللحظة سنويًا. 

في شهر يوليو الماضي، أصدرت 12 منظمة أمريكية يهودية بيانًا للتنديد بالموجة الأخيرة من الهجمات العنيفة التي نفذها المستوطنون الإسرائيليون اليهود ضد خمس بلدات فلسطينية على الأقل في أعقاب هجوم إطلاق ناري في مستوطنة "إيلي". وحمّل البيان كافة مواطني كيان الاحتلال المسؤولية عن تلك المذابح. مؤكدًا: "لم يأت هذا العنف من العدم، ولكنه يتماشى مع الأجندة الأوسع لحكومة نتنياهو المتمثلة في توسيع المستوطنات، وتعميق الاحتلال، وتهجير الفلسطينيين".

سائحون يزورون القدس، 18 أغسطس، 2014. (وكالات)

السياحة من أجل الإرهاب

تمتد المساعدات الأمريكية أيضًا لتشمل شركات سياحية تسهم من خلال نشاطاتها غير القانونية في تشجع المستوطنين وتوسيع المستوطنات وجني الأرباح، فعلى سبيل المثال هناك شركات "إير بي إن بي" و"بوكينج دوت كوم" و"إكسبيديا" و"تريب أدفايزر"، وهي شركات سياحية مقراتها الرئيسية في الولايات المتحدة وهولندا، وتقوم على تغذية انتهاكات حقوق الإنسان ضد الفلسطينيين، بإدراجها مئات الغرف والأنشطة داخل المستوطنات الإسرائيلية القائمة على الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية. حيث تستخدم الحكومة الإسرائيلية قطاع السياحة المتنامي في المستوطنات كوسيلة لإضفاء الصفة القانونية على وجودها وتوسعها.

وفي تقرير صادر عن منظمة العفو الدولية في العام 2019 تحت عنوان "الوجهة: الاحتلال" ذكرت أن شركة "إير بي إن بي" وفرت ما يزيد عن 300 مكان في مستوطنات بالأراضي المحتلة. كما وفرّت شركة "تريب أدفايزر" شققًا إيجارية، بينما شركة "بوكينج دوت كوم" توفر 45 فندقًا في مستوطنات ومثلها شركة "إكسبيديا". وقد أدرجها مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة في القائمة السوداء التي تضم 112 شركة سياحية، منها 94 تابعة لكيان الاحتلال، و18 شركة معظمها يعمل في الولايات المتحدة. 

والسؤال الأهم الآن: ما هو الدور الذي تلعبه السلطات الإسرائيلية في تشجيع عنف المستوطنين؟ وكيف استجابت سياسة الولايات المتحدة للتهديد المتزايد المتمثل في عنف وتطرف المستوطنين الإسرائيليين؟.

في السنوات الأخيرة، أصبح النشاط الاستيطاني الإسرائيلي العنيف أمرًا شائعًا في الضفة الغربية. وتختلف أنواع تلك الهجمات الهيكلية وتشمل كل شيء بدءًا من إطلاق النار وحتى الاعتداءات الجسدية وحتى الحرق العمد وتمتد عبر الأراضي المحتلة، خاصة في المنطقتين (ب) و(ج). ولعدة سنوات متتالية، تضمنت التقارير القطرية السنوية لوزارة الخارجية الأمريكية حول الإرهاب هجمات المستوطنين الإسرائيليين على الفلسطينيين، إلا أن حكومة الولايات المتحدة لم تقم بتطبيق أي من قوانين مكافحة الإرهاب المتاحة لها لمكافحة تلك العمليات الإرهابية. كما لم تمنع أي منظمات أمريكية عند تقديم دعمًا ماديًا لهؤلاء المستوطنين ومنظماتهم؛ بل على العكس تتزايد عدد المنظمات غير الربحية المسجلة في الولايات المتحدة والتي قد تستفيد من الحوافز الضريبية الأمريكية لجمع الأموال لهذه الحركات. بما في ذلك، بعض الكيانات التي تصنفها الحكومة الأمريكية كمنظمات إرهابية. (على الرغم من أن وزارة الخارجية قامت رسميًا بإزالة الجماعات من قائمتها للمنظمات الإرهابية الأجنبية، إلا أنها وفروعها تظل مدرجة على قائمة وزارة الخزانة للجماعات الإرهابية المحددة بشكل خاص). ومما يزيد المشكلة تعقيدًا أن حكومة الاحتلال تقوم أيضًا بتحويل مبالغ كبيرة من المال إلى المستوطنين في جهودهم للاستيلاء على الأراضي الفلسطينية. وبهذا المعنى، فإن المستوطنين الإسرائيليين والسلطات الإسرائيلية والإدارة الأمريكية ليسوا كيانات منفصلة، بل في الواقع هم وجوه متعددة لنفس الحركة.. فمتى يتوقف دعم الولايات المتحدة الأمريكية للإرهاب الممارس تجاه الفلسطينيين داخل الأراضي المحتلة؟

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة