“تجميد” لجنة العفو.. ملف سجناء الرأي”جُرح” الشارع الذي لا يُشفى

هل انتهى دور لجنة العفو الرئاسي؟  ومن يُعطِل قوائم الإفراج عن سجناء الرأي؟

أخلت نيابة أمن الدولة العليا، الخميس الماضي، سبيل قرابة 34 شخصًا، أمس، بينهم 27 ممّن وردت أسماؤهم في قائمة إخلاءات السبيل التي نُشرت في 19 أغسطس الماضي، وتداولت على نطاق واسع؛ قبل أن تنفي «النيابة» لمحامين إصدارها من الأساس.

“قائمة أغسطس” التي دار حديث عن إرجاءها لأسباب غير معلنة، طرحت تساؤلات عن تأخر مشروع “قوائم الإفراج” التي دعت إليها السلطة، منذ أبريل 2022 في حفل إفطار الأسرة المصرية، حيث أعلن الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية، حينها، إطلاق الحوار الوطني -سلطة ومعارضة- في محاولة لإحداث انفراجة في المجال العام الذي ضاق بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، خاصة مع تأزم المشهد الاقتصادي.

التساؤلات دارت حول عدة محاور، هل انتهى “دور” الحوار الوطني وجلساته في خلق حوار بين السلطة والقوى المدنية؟ وهل انتهى دور لجنة العفو الرئاسي التي تم تفعيلها بعد إطلاق الحوار الوطني؟ هل توقفت “قوائم الإفراج” وعادت عمليات الإفراج القديمة المحدودة؟ ما مصير ملف المسجونين على ذمة قضايا سياسية؟

روفيدة حمدي زوجة الناشط السياسي محمد عادل المحبوس منذ ٥ سنوات تقول” مرّ أسبوع بالظبط ع النطق بالحكم، أسبوع محصلش فيه جديد، صحيح تلقينا دعم من شخصيات عامة وأحزاب ومنظمات حقوقية كبيرة، لهم جميعًا جزيل الشكر والعرفان، لكن الجديد بالنسبة لي هو إن يصدر قرار رئاسي بالعفو عن محمد عادل”

روفيدة واحدة من الآلاف الذين تجددت آمالهم بالتخلص من كابوس السجن بعد إعادة إحياء لجنة العفو الرئاسي، إذ انتظر المئات، إن لم يكن الآلاف، أن تسفر حالة الحوار الوطني عن تصفية ملف السجناء

السياسيين، لكن هذه الآمال أصبحت مهددة بالتبديد بعد حالة التراجع عن الإفراج عن سجناء الرأي والتباطؤ في إصدار قوائم العفو بالمقارنة مع حالات إخلاء السبيل التي صدرت قبل بدء جلسات الحوار الوطني والتي كانت إحدى شروط الحركة المدنية الديمقراطية للمشاركة في الحوار.

اقرأ أيضًا: عامان على “الاستراتيجية الوطنية”.. حقوق الإنسان في مصر لا تزال منتقدة ومنقوصة

عام ونصف على تفعيل لجنة العفو

في أبريل 2022، وعقب حفل إفطار “الأسرة المصرية”، قرر الرئيس عبد الفتاح السيسي إعادة تفعيل لجنة العفو الرئاسي للعمل على تصفية ملف السجناء السياسيين تمهيدًا لبدء جلسات للحوار الوطني، وهو ما فسره البعض باحتمالية وجود رغبة سياسية في فتح المجال العام بعد إغلاقه بشكل محكم لسنوات، وذلك بعد تأزم الأوضاع السياسية والاقتصادية في مصر.

بالعودة للوراء، شُكلت لجنة العفو الرئاسي، كإحدى توصيات المؤتمر الوطني للشباب عام 2016، بهدف إجـراء فحص شامل ومراجعة لموقف المحبوسين على ذمة قضايا، ولم تصدر بحقهم أي أحكام قضائية، للإفراج عنهم في حدود الصلاحيات المخولة دستوريًِا وقانونيًا لرئيس الجمهورية، باستثناء المتورطين في أعمال عنف أو تخريب، على أن توسع قاعدة عملها بالتعاون مع الأجهزة المختصة ومنظمات المجتمع المدني المعنية.

رسميًا، لا توجد إحصائية محددة بعدد الذين أخلي سبيلهم منذ إعادة تفعيل لجنة العفو، لكن وفقًا لتصريحات صحفية أدلى بها النائب محمد عبد العزيز، عضو لجنة العفو ووكيل لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب في صحيفة الوطن، تم إخلاء سبيل 1400 شخص حتى يوليو الماضي.

خلال الأيام الماضية، وبعد تردد الأنباء عن “توقف القوائم” تواصلت منصة “فكر تاني” مع أعضاء لجنة العفو للرد على هذه الأنباء، إذ جاءت ردود فعلهم بين رفض الحديث في الموضوع بشكل عام، وعدم الرد على الاتصالات والرسائل.

إفراج في مقابل عمليات قبض جديدة

في مايو الماضي ( أي بعد عام من إعادة لجنة العفو)، رصدت مؤسسة “كوميتي فور جستس” وهي مؤسسة (حقوقية مقرها جنيف)، الإفراج عن 754 شخصًا من المحبوسين في قضايا الرأي خلال الـ ١٢ شهرًا الماضية؛ سواء بإخلاء سبيلهم من النيابات المختلفة أو بالعفو الرئاسي، حيث كان عدد المحكوم عليهم بأحكام قضائية واجبة ممن صدر بحقهم قرارًا رئاسيًا بالعفو عن العقوبة 10 سجناء، بينما تم إخلاء سبيل 744 متهمًا قيد الحبس الاحتياطي بُناءً على 14 قرارًا متفرقًا بإخلاء السبيل على ذمة قضايا مختلفة من نيابة أمن الدولة العليا، صاحب هذه الإفراجات تصريحات أعضاء اللجنة بكونها تكليلًا لجهودها.

على الجانب الآخر، حققت نيابة أمن الدولة العليا منذ أبريل 2022 وحتى أبريل 2023 مع 4 أضعاف عدد المُفرج عنهم تقريبًا، فوفقًا لما رصدته مؤسسة “كوميتي فور جستس” خلال الفترة المذكورة، مَثلَّ 3250 مواطنًا للتحقيق أمام نيابة أمن الدولة العليا على ذمة قضايا مختلفة؛ سواء تم القبض عليهم لأول مرة أو تعرضوا للتدوير من داخل الاحتجاز على ذمة قضايا جديدة.

خلال الأشهر الأخيرة، وتزامنًا مع انعقاد جلسات الحوار الوطني، تراجعت قرارات العفو، لتشهد حالة تباطؤ غير مبررة، ويعد الناشط السياسي أحمد دومة آخر النشطاء الذين أخلي سبيلهم في 18 سبتمبر الجاري، بعد أن قضى عشر سنوات مسجونًا، وذلك تنفيذًا للقرار الرئاسي رقم 348 لسنة 2023 بالعفو عن خمسة من المحكوم عليهم بأحكام نهائية، ومن بينهم دومة.

 ويأتي قرار العفو عن دومة بعد عفو رئاسي عن الباحث المصري باتريك جورج الذي حُكم عليه بثلاث سنوات، والمحامي الحقوقي محمد الباقر في منتصف يوليو الماضي، بعد توقف دام لأشهر عن إصدار قرارات بالعفو، أو إخلاء سبيل أي من النشطاء والمعارضين، الأمر الذي أثار استياء الحركة المدنية خلال الفترة الأخيرة.

لجنة العفو.. تباطؤ في القرار وإرادة غائبة

” نقدر نقول إن لجنة العفو مع الأسف معطلة، وأن من يدير خروج السياسيين من السجن الأجهزة الأمنية، فهم من يحددون من يخرج ومتى ومن يظل في السجن، وهذا يحدث دون الإفصاح عن أي أسباب وبدون أي منطق أو وجاهة” بتلك الكلمات فسر الناشط السياسي مصطفى شوقي عضو حزب العيش والحرية تحت التأسيس تراجع أداء لجنة العفو خلال الأشهر الماضية، وبالتبعية حالة التباطؤ التي تشهدها قرارات العفو.

ويرى شوقي أن لجنة العفو تكاد تكون معطلة لا تمارس أدوارها أو مهامها التي أعيد تفعيلها من أجلها وهي أن تعيد النظر في ملفات المحبوسين سواء المحبوسين احتياطيًا أو المحكوم عليهم بالإضافة إلى ملف الغارمين والغارمات الذي تم إضافته إلى مهام اللجنة.

وأوضح شوقي أن المعايير التي وضعتها لجنة العفو، مع الأسف، معايير لا تطبق ولو طبقت فهذا معناه أن عدد كبير جدا من المحبوسين احتياطيا والمحكوم عليهم من السياسيين سيصبحون خارج السجن فورًا، لكن عدم تطبيقها يؤكد أن هذا الملف في أيد الأجهزة الأمنية بشكل حاسم.

وعن دور المعارضة في الضغط من أجل الإفراج عن السجناء، يقول شوقي أن ضغط المعارضة بشكل عام يأتي في سياق تحديد بعض الأسماء للإفراج عنهم، لكن هذا الضغط أصبح غير مثمر مع تعطيل لجنة العفو ومع السيطرة الأمنية على قوائم العفو، قد يساهم هذا الضغط فقط في خروج شخص أو إثنين لكنه لا يحل القضية من جذورها، فالمكسب الحقيقي هو أن يتم إنهاء هذا الملف بشكل حقيقي وحاسم، وأن يتم وضع معايير حقيقة بجدولة زمنية تسمح بخروج كل شخص مظلوم داخل السجن.

رصد شوقي يعضًا من هذه المعايير المطلوبة:” لا بد من إخلاء سبيل كل من تخطى مدة الحبس الاحتياطي، وكل من تم محاكمته بشكل غير منصف يتم إعادة محاكمته بشكل عاجل ومنصف ويتم إخلاء سبيلهم لحين إعادة محاكمتهم”

وأشار شوقي إلى أن الانفراجة السياسية مرتبطة ارتباطًا شرطيًا بإنهاء ملف السجناء السياسيين في مصر، واستمرار تعطيل هذا الملف وبطء التحرك فيه وتحكم الأجهزة الأمنية فيه معناه استمرار تعطيل عملية الإصلاح السياسي في مصر، وبالتالي استمرار معاناة البلد من حالة الانسداد السياسي وضيق الأفق التي تعاني منها البلاد منذ سنوات.

أما النائب محمد أنور السادات رئيس حزب الإصلاح والتنمية يرى أن لجنة العفو تتلقى الطلبات من أسر المحبوسين أو من بعض من منظمات المجتمع المدني والمحاميين وأيضا لجنة حقوق الإنسان في مجلسي النواب والشيوخ والمجلس لقومي لحقوق الإنسان وتعد بهذه البيانات كشوف سواء للمحبوسين احتياطيا أو للحالات التي صدرت فيها أحكام ومطلوب عفو رئاسي لهم.

ويوضح السادات أن هذه الطلبات يتم إعداد قوائم بها، ومن ثم ترسل للأجهزة الأمنية والنيابة العامة والرئاسة، وفي النهاية المسألة تخضع لمعايير تقدرها الأجهزة الأمنية ومعهم النيابة العامة، وبالتالي لجنة العفو ليست صاحبة قرار، فدورها يتوقف عند مرحلة إعداد القوائم والقرار متروك للأجهزة المعنية.

ويعتقد السادات أن هناك أعداد أخرى، من المقرر إخلاء سبيلهم قريبا بمناسبة الاحتفال بالسادس من أكتوبر، أو ربما نشهد أيضا بمناسبة حضور الرئيس لجلسات الحوار الوطني الأخيرة خبر الإفراج عن مجموعة معتبرة سواء عفو رئاسي أو من المحبوسين احتياطيا.

يذهب السادات إلى أن هناك فرصة كبيرة جدا لوجود أسماء لبعض السياسيين أو النشطاء المعروفين، كما يعتقد أنه بمناسبة إعادة ترشح الرئيس في الانتخابات الرئاسية المقبلة، سيتم تقديم هدية للرأي العام خلال الفترة القليلة القادمة.

وأبدى السادات اندهاشه من استمرار القبض على النشطاء والمعارضين، مثلما حدث مع الدكتور محمد زهران القيادي النقابي ومؤسس الاتحاد الوطني المستقل للمعلمين المصريين، وذلك عقب مشاركته في إحدى جلسات الحوار الوطني. تم الإفراج عنه أمس الأول، إلى جانب القبض على 35 من مؤيدي المرشح الرئاسي المحتمل أحمد طنطاوي. مؤكدًا على أن هذا الأداء عليه علامات استفهام كبيرة. موضحًا أن الأجهزة التي قامت بذلك لها تبريراتها، لكن في كل الأحوال لا أحد منا يتقبلها أو يرى أنها تشجع على تحسن الأجواء خاصة و”نحن على أبواب انتخابات رئاسية”.

اقرأ أيضًا: هشام قاسم.. بين أبو عيطة وصحافة ذاكرة السمكة

الحوار الوطني.. وعجلة الملاحقة الأمنية

لم يشفع الحوار الوطني للمعارضين والنشطاء لدى الأجهزة الأمنية، فعلى الرغم من “الهدنة غير المنصوص عليها” التي كان من المتوقع فرضها تزامنًا مع الحوار الوطني، استمرت الملاحقات الأمنية، وهو ما برز في القبض عل عدد منهم خلال الفترة الأخيرة، ففي الوقت الذي شهدت إخلاء السبيل أعداد محدودة جدًا، ألقي القبض على عدد آخر.

من جهته يرى المتحدث باسم الحركة المدنية خالد داوود، أن توجه الأجهزة الأمنية في استمرار القبض على المواطنين يتنافى مع أجواء الحوار الوطني واقتراب الانتخابات الرئاسية، مؤكدا على أن السياسية القائمة التي تستهدف المعارضة والنشطاء لم تتغير بعد، وأن هناك تمسك بالقبضة الحديدية مع أصحاب الرأي المخالف. متمنيًا أن يتم إغلاق ملف السجناء السياسيين حتى يكون هناك شعور بالارتياح في المجال العام في مصر.

ورغم بطء قرارات العفو الرئاسي، وتراجع دور اللجنة، أكد داوود على أنه لا يستطيع أن يلقي باللوم على لجنة العفو، إذ يرى أن دورها في النهاية يقتصر على التواصل بين أسر المحبوسين والأحزاب السياسية والجهات الأمنية المعنية، يقول:” قرار إخلاء سبل المواطنين ليس في أيدي لجنة العفو لكن في أيدي الأجهزة الأمنية”.

الدكتور طلعت خليل نائب رئيس حزب المحافظين يرى أن قرارات العفو مرتبطة برغبة السلطة، فحينما تريد أن تسرع في قرارات العفو تفعل ذلك، والعكس وهذا ما حدث خلال الفترة الأخيرة من تباطؤ في إصدار قرارات العفو والإفراج عن السياسيين.

ويؤكد نائب رئيس حزب المحافظين، أن تحكم السلطة في قرارات العفو، أمر يضرب العدالة في مقتل. موضحًا أن معظم المحبوسين في قضايا الرأي والقضايا السياسية هم لم يرتكبون جريمة في الأصل، وبالتالي كنا نأمل ألا يتم العصف بالعدالة من خلال هذا الملف. مشيرًا إلى أن التعبير عن الرأي مكفول وفقًا للدستور وقانون مباشرة الحقوق السياسية، وبالتالي كنا نأمل أن يتم الإفراج الفوري عن كل ما هو حبس على ذمة قضايا رأي أو محبوس احتياطيًا بشيء من الظلم.

وعن دور المعارضة في الضغط للإفراج عن سجناء الرأي، يرى نائب رئيس حزب المحافظين أن المعارضة حاولت كثيرا ورأت في كثير من الأمور أن لابد من الدفع بالوطن للأمام لأن مسألة الحبس الاحتياطي تسببت في حالة احتقان شديد لدى الشارع المصري، يؤكد خليل:” المعارضة عبرت بصدق عما يدور على ألسنة الرأي العام في مسألة الحبس الاحتياطي، إلا أن صاحب القرار في هذا الأمر ليس لديه إرادة حقيقة في إنهاء هذا الملف بشكل كامل وليس عن طريق التنقيط كما حدث خلال الفترة الماضية”.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة