هشام قاسم.. بين أبو عيطة وصحافة ذاكرة السمكة

“هذه محاولة لإنصاف جراح ماهر أعاد تشكيل قوام الصحافة.. رجل نقل الصحافة المصرية – الخاصة تحديدًا – من عصر الجريدة إلى عصر المؤسسات التي تتفوق على مؤسسات الدولة العريقة تاريخيًا، في أنها أكثر شبابًا وتطورًا واهتمامًا بالعنصر البشري”؛ هكذا كان وُصف الكاتب الصحفي هشام قاسم في مقال سابق نشرته إحدى الصحف المحسوبة على الدولة في 2010.

أما الآن، فإن ذاكرة السمكة لبعض هذه المواقع والصحف، تحولت، فحولت بطل الأمس إلى عميل ومأجور. ومن كان يُنظر إلى أفكاره (المتطورة والثورية بتعبير مقال 2010) هو اليوم صاحب فكر سام وهدام لا يشير إلى وطنية ولا إلى مسؤولية، بتعبير مقال آخر بموقع “تحيا مصر”.

تحول دراماتيكي حول الشخص نفسه، الذي تردد اسمه في الآونة الأخيرة على الساحة الإعلامية بقوة، قبل أن يتردد صداه في أروقة المحاكم المصرية، ببلاغ مقدم من الناشط العمالي ووزير القوى العاملة الأسبق كمال أبو عيطة، ضد الصحفي هشام قاسم، في أعقاب سيل من الموضوعات الصحفية والمقالات، لم تتوقف عن نقد قاسم واتهامه بالعمالة والخيانة. فهل “قاسم” يمكن وصفه بمن انتصر للكلمة أم خانها؟

قاسم وأبو عيطة

بدأت قصة هشام قاسم وكمال أبو عيطة، عندما انتقد الوزير الأسبق كمال أبو عيطة، أحد الرموز اليسارية، بقوله: “أشّتم رائحة أجندات أجنبية داخل التيار الليبرالي الحر نتيجة وجود هشام قاسم”.

كلمات أطلقها أبو عيطة ليثار بها غضب قاسم المعروف بمعارضته الشديدة للنظام الحالي، والذي قرر كما عادته، الرد بتدوينة نشرها عبر صفحته الرسمية على السوشيال ميديا، قال فيها إن المناضل الحقوقي يتهمه دون أدلة، مذكرًا إياه بتورطه سابقًا في قضية اختلاس المال العام، واضطراره –كما يقول قاسم- للسداد سعيًا لإنهاء موقفه القانوني.

اعتقد هشام قاسم، الأمين العام للتيار الليبرالي الحر، أن الأمر توقف عند هذا الحد، إلا أن أبو عيطة كان قد تقدم ببلاغ، استدعى قاسم على إثره للتحقيق في اتهامه بالسب والقذف.

لم يكن الأمر مجرد سجال أو شجار -إن صح القول- على مواقع التواصل الاجتماعي، ويبدو أنه لم ينته بقرار وكيل النيابة الإفراج عن قاسم بكفالة 5 آلاف جنيه.

رد قاسم على قرار النيابة بمنشور آخر عبر صفحته على “فيسبوك” و”تويتر”، أعلن فيها رفضه دفع الكفالة، لاقتناعه بأنه لم يرتكب أي جريمة، وأن الأمر لم يتعد سجالات ورد على اتهامه بالخيانة، ثم تقدم بطعن للإفراج عنه دون كفالة، وطلب إخلاء سبيله.

إلى هنا، كان الأمر في مساره الطبيعي، حتى أن قاضي المعارضات كان قد قرر الإفراج عنه دون كفالة، إلا أن ظهر أفراد من قوة مباحث قسم السيدة زينب يتقدمون ببلاغ جديد يتهم هشام قاسم بالسب والقذف والاعتداء عليهم والإساءة إليهم، ليستمر حبسه أربعة أيام على ذمة التحقيق. وتبدأ رحلة تقاضي لا يبدو أن لها أخر.

قاسم.. الصحافة والسياسة

وُلد هاشم صاحب الـ 64 عامًا بمحافظة الإسكندرية، وهو صحفي وناشر بارز، شغل عدة مناصب في العديد من الصحف المصرية والدولية، والنائب السابق لرئيس حزب الغد الليبرالي المعارض (حزب الغد). كما شغل منصب رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان، وعضوًا في اللجنة التوجيهية للحركة العالمية من أجل الديمقراطية، كما يشغل منصب رئيس التيار الحر، وهي حركة سياسية معارضة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، المتوقع أن يترشح لولاية ثالثة في فبراير 2024.

في مقابلة أجريت معه في 20 يوليو الماضي على قناة بي بي سي، أعلن قاسم معارضته محاولة الرئيس عبد الفتاح السيسي المتوقعة لولاية ثالثة، قائلًا إنه “يجب أن يفكر جديًا في عدم الترشح مرة أخرى”.

خلق قاسم صحيفة خاصة وقوية من العدم وأثبت من خلال تجربة المصري اليوم أن للإدارة والتخطيط القدرة على صناعة نجاح الصحف، بعيدًا عن المانشتات الساخنة أو مقالات النارية، وقيل حينها إن مبيعاتها تجاوزت التوقعات.

بدأ قاسم تجربته في المصري اليوم مستغلا مساحة الثقة التي منحها له رجل الأعمال صلاح دياب، وبدأ الوسط الصحفي معه يسمع ويشاهد لأول مرة صالة تحرير تكنولوجية وإدارة موارد بشرية وصحفيين يخضعون لبرامج تدريبية متطورة ومستمرة.

قال قاسم عن هذه التجربة: “إن تجربة المصرى اليوم من الصعب تكرارها مجددًا، فالفكرة فى الجريدة الخبرية قد اختفت قيمتها وأصبح الاتجاه الآن إلى القيمة المضافة للخبر والتحليل والمتابعة الخبرية”.

ولم يكن ما فعله هشام قاسم في تجربة “المصرى اليوم” أهم ما ميز مشواره الصحفي فقد سبق أن ترجم أفكاره واتجاهاته عن حرية الرأي والصحافة الحقيقية عبر مجلة “كايرو تايمز” في التسعينيات التي كانت تصدر باللغة الانجليزية ولاقت انتشارًا واسعًا كتجربة لا يزال الكثيرون يحلمون بعودتها.

وقدمت  “كايرو تايمز” هامشًا كبيرًا من الحرية لمناقشة قضايا كان الحديث عنها في الصحف التقليدية، خط أحمر مثل الحريات الشخصية وحقوق الأقليات.

إلى جانب عمله في الصحافة، دائمًا ما تحدث قاسم ضد أداء السلطات المصرية واستهداف حرية الصحافة، وبين الحين والآخر كانت تُشن عليه حملات تشهير وتشويه سمعة، كاتهامه بأنه “صديق الأمريكيين”، استنادًا فقط إلى صورته الشهيرة مع جورج بوش الابن.

وهو ربما ما يفسر تعليق قياديي التيار الناصري المؤيد لأبو عيطة، بأن حبس هشام قاسم تم وفقًا للقانون دون تعسف ضده.

في عام 2018، كان قاسم أحد الأعضاء المؤسسين لتحالف الأمل، وهو تحالف من شخصيات وأحزاب معارضة تشكل بهدف طرح قائمة مشتركة للترشح في الانتخابات البرلمانية لعام 2019.

تم إجهاض التحالف بعدما اعتقلت السلطات المصرية العديد من قادته، في القضية التي عرفت لاحقًا بـ “خلية الأمل”.

التيار الحر

في 25 يونيو الماضي، وبعد نحو عام من الاجتماعات والمشاورات، جرى تدشين التيار الحر الذي كان من المنتظرأن يكون -وفقًا لما هو معلن– “تحالفًا فكريًا قد يتطور لاحقًا لتحالف انتخابي”.

تشكلت داخل التيار مجموعات عمل (Task Force) لتقديم رؤية التيار لبعض القضايا المطروحة على الساحة، وكذلك فتح الباب لانضمام أحزاب، وشخصيات عامة، ورجال الصناعة والأعمال، على خلفية مبادئ مسودة الوثيقة التأسيسية، والقواعد المنظمة للتيار.

وصف قاسم حينها التيار قائلًا: “إحنا مجموعة ليبراليين أحزاب أو أفراد. التيار بتاعنا تم قمعه منذ 1952 ولا توجد محاولات حقيقية لأداء سياسي ليبرالي حقيقي”، وأضاف: “مللنا هذا الكلام والخلط بين الإقطاع والرأسمالية مرفوض”.

أيضًا، لم يكتب لهذا التيار الاستمرار، ووجهت الكثير من الانتقادات من بعض السياسيين ومن بينهم أعضاء من مؤسسي التيار الذي اتهموا “قاسم” بغياب الرؤية ورفضوا الوثيقة التأسيسية التي كتبها، ووصل الأمر إلى حد انتقاد ظهوره على القنوات المعارضة التي تبث من الخارج.

وبالفعل، أعلن الناشط السياسي تامر جمعة انسحابه من التيار، ونشر بيانًا انتقد فيه قاسم وأدائه في إدارة التيار، وظهوره في قناة الشرق المحسوبة على الإخوان المسلمين، كما تحدث عن مفصلية القضية الفلسطينية ورفض التطبيع.

بين هذا كله جاءت أزمته مع الوزير السابق “أبو عيطة” وكأنها الفرصة لخصوم “قاسم”.

يقول رئيس المبادرة المصرية للحقوق الشخصية حسام بهجت، الذي كتب عن طبيعة قضية هشام قاسم، إنها مسيسة وليست جنائيةً. وهو ما اتفق معه أيضًا الناشط السياسي والكاتب الصحفي خالد داوود، الذي قال في مقال حديث له: “أتصور شخصيًا أن الجهات المعنية لم تتوقع امتناع هشام عن دفع الكفالة، وربما كان الهدف إبلاغه رسالةً مفادها أن هناك حبلًا ممدودًا الآن في يدهم، يتمثل في قضية يمكن تحريكها لو شاؤوا، كما يمكن وضعها في الدرج وتناسيها”.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة