مع تفاقم الأزمات السياسية في القاهرة، تأخذ مسألة المعونة الأمريكية لمصر أبعادًا مختلفة من النقاش على المستوى السياسي والإعلامي في أمريكا ما بين فريقين، أحدهما يضغط على الإدارة الأمريكية لحرمان أو اقتطاع جزء من المعونة، لحث القاهرة على إجراء "تحسينات" في هذا الملف، في حين يقف الفريق الآخر في وجه هذه الضغوط نظرًا للنفوذ الإقليمي للقاهرة في إفريقيا والشرق الأوسط.
وفي مقال لـ "ميسي ريان" وكلير باركر المتخصصتين في الشئون السياسية والعسكرية، ، نشرته صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، اعتبرا القرار الأمريكي المتعلق بالمعونة الأمريكية لمصر يُنظر إليه على أنه مؤشر رئيسي لكيفية موازنة إدارة بايدن بين المصالح الأمنية والسياسية والمخاوف المتعلقة بحقوق الإنسان في سياستها الخارجية.
وألمحت ريان إلى أن استمرار النظام المصري في انتهاك حقوق الإنسان، يحمل خطورة على المداولات الجارية حاليا في أروقة وزارة الخارجية الأمريكية التي يجب أن تقرر بحلول 14 سبتمبر الجاري ما إذا كانت ستحجب جزءًا من مبلغ 1.3 دولار مليار دولار المعونة العسكرية السنوية لمصر
انقسام فريقين
وأشارت الصحيفة إلى انقسام المشرعين الأمريكيين، حيث يضغط البعض على الإدارة لحرمان القاهرة من حصة من المعونة تبلغ 320 مليون دولار والتي تخضع لمتطلبات حقوق الإنسان، ويعارض آخرون القيام بهذه الخطوة، نظرا للنفوذ الإقليمي لمصر وموقعها الاستراتيجي الذي يربط بين أفريقيا والشرق الأوسط.
ونقلت الصحيفة عن مصدر – لم تسمه - بوزارة الخارجية الأمريكية، إن المسؤولين يشجعون مصر على تمكين المجتمع المدني، وحماية حقوق الإنسان والحريات، وإطلاق سراح السجناء السياسيين. وقال: "إن التقدم في مجال حقوق الإنسان سيمكن من إقامة علاقة أقوى بين الولايات المتحدة ومصر".
وعرجت الصحيفة على الوضع الداخلي لمصر، وأكدت أن الرئيس المصري قد أصدر قرارات بالعفو عن باقي العقوبة لعدد من النشطاء والحقوقيين، وهو ما أشاد به وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بالإفراج عن ناشط الربيع العربي أحمد دومة الشهر الماضي بعد ما يقرب من عقد من الزمن خلف القضبان.
وأشارت الصحيفة إلى تخوفات المنظمات الحقوقية، من أن إطلاق سراح بعض السجناء السياسيين البارزين قد صرف الانتباه عن حملة قمع أوسع نطاقًا. ونقلت عن عمرو مجدي، كبير الباحثين في منظمة هيومن رايتس ووتش: “لا أرى أي دليل أو مؤشر على التقدم في مجال حقوق الإنسان في مصر – لا هذا العام ولا العام الماضي”.
ونوهت واشنطن بوست إلى أن مصر التي كانت على مدى عقود من أكبر الدول المتلقية للمساعدات العسكرية الأمريكية، ينظر إليها كحليف استراتيجي للولايات المتحدة في منطقة مضطربة. وتلعب القاهرة دورًا رئيسيًا في التوسط بين الفلسطينيين وإسرائيل، ويأمل المسؤولون الأمريكيون أن تقود تحولًا إقليميًا في دعم أوكرانيا في حربها ضد روسيا.
ong to be saveكما نقلت الصحيفة عن سيث بيندر من مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط: "إن أزمة حقوق الإنسان في مصر هي المحرك الرئيسي لعدم الاستقرار في البلاد، وبالتالي يجب أن تكون أولوية للأمن القومي الأمريكي".
هل تحرز القاهرة تحسنًا في ملف حقوق الإنسان؟
وذكرت الصحيفة الأمريكية الأشهر أن المسؤولين الأمريكيين سبق لهم حجب مبلغ 130 مليون دولار من المعونة العسكرية، لكنهم قرروا أن مصر استوفت الشروط للحصول على شريحة منفصلة بقيمة 75 مليون دولار. وأكدت أن التدقيق المتزايد في الكونجرس يعني أن حصة أكبر من المعونة أصبحت الآن مرتبطة بشروط.
وأوضحت الصحيفة أنه منذ أن تولى بايدن منصبه، اتخذ النظام المصري خطوات حظيت بتغطية إعلامية واسعة لتحسين صورة مصر، بدءاً بإطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان في عام 2021. وفي العام الماضي، دعا السيسي إلى حوار وطني يضم عددًا من الشخصيات المعارضة والمجتمع المدني لمناقشة التحديات التي تواجه مصر.
وبالرغم من إشادة الصحيفة بالحوار الوطني الذي اعتبرت أنه خلق مساحة نادرة للخطاب النقدي. لكن بعض الموضوعات - بما في ذلك أي شيء يتم تعريفه على نطاق واسع على أنه مسألة "الأمن القومي" - محظورة بشكل واضح. كما تم منع الإسلاميين من المشاركة.
وعرجت الصحيفة على التقرير الذي أصدره المجلس القومي لحقوق الإنسان، وقد أوصى التقرير بوضع حدود للحبس الاحتياطي. ونقلت الصحيفة عن السفيرة مشيرة خطاب، رئيسة المجلس: "إن المجلس يضغط بشدة على المسؤولين لإغلاق ملف سجناء الرأي". وأضافت خطاب : "المجلس يأخذ على محمل الجد جميع الشكاوى التي تلقاها بشأن انتهاكات حقوق الإنسان، والتي يبلغ عددها حوالي 10 آلاف شكوى، وهناك خطوات حاسمة اتخذتها الدولة". وأضافت السفيرة: “لكن ثقافة حقوق الإنسان لا تزال ضعيفة”. "نحن بحاجة إلى بذل المزيد من الجهد."
وأكدت الصحيفة أنه ضمن أصل 320 مليون دولار المرتبطة بالتقدم في مجال حقوق الإنسان ، هناك 85 مليون دولار مشروطة بإحراز مصر "تقدمًا واضحًا ومتسقًا في إطلاق سراح السجناء السياسيين، وتوفير الإجراءات القانونية الواجبة للمحتجزين، ومنع تخويف ومضايقة المواطنين الأمريكيين".
وألمحت الصحيفة إلى رفض السلطات المصرية الإعلان عن عدد نزلاء السجون، ولم تستجب وزارتا العدل والداخلية لطلبات التعليق.
ونقلت الصحيفة عن المفوضية المصرية للحقوق والحريات، وهي منظمة حقوقية مقرها القاهرة، أنه تم إطلاق سراح حوالي 1800 سجين سياسي منذ يناير 2022، في حين تم اعتقال أكثر من 4000 منذ أبريل من العام الماضي.
استمرار عمليات القبض
وقال محمد لطفي، المدير التنفيذي للمفوضية المصرية للحقوق والحريات: "في العام ونصف العام الماضيين، مقابل كل إطلاق سراح، تم القبض على ثلاثة أشخاص جدد". "نحن نسير إلى الوراء، حيث لا يزال بعض السجناء السياسيين الأكثر شهرة في مصر في السجن، بما في ذلك مبرمج الكمبيوتر والناشط البريطاني المصري علاء عبد الفتاح، الذي أصبحت قضيته محط الأنظار خلال قمة المناخ COP27 التي عقدت العام الماضي في شرم الشيخ. بالإضافة إلى الحكم على محمد عادل، المتحدث السابق باسم حركة شباب 6 أبريل، بالسجن لمدة أربع سنوات بتهم مرتبطة بحقه في التعبير. وكان قد أمضى بالفعل خمس سنوات قيد الحبس الاحتياطي. وفي أغسطس، اعتُقل هشام قاسم، وهو زعيم ائتلاف معارض (التيار الحر) تم تشكيله حديثاً والناشر السابق لإحدى الصحف المصرية الرائدة، بتهم التشهير بوزير سابق والاعتداء اللفظي على أفراد أمن.
وفي هذا الصيف، ناشدت مجموعة من 11 عضوًا ديمقراطيًا في مجلس الشيوخ بقيادة السيناتور كريس مورفي - ديمقراطي من ولاية كونيتيكت - بلينكن حجب مبلغ الـ 320 مليون دولار بالكامل. وقال ميرفي لصحيفة واشنطن بوست: "إذا كانت الإدارة مهتمة بحماية حقوق الإنسان وتعزيز المصالح الأمريكية طويلة المدى في مصر، فيجب عليها حجب كامل المساعدات العسكرية".
وأكدت الصحيفة أن القرار يأتي في وقت حرج بالنسبة للنظام في مصر، خاصة مع الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها المصريون، وقبل أسابيع من بدء اجراءات الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في مطلع عام 2024
وعادت الصحيفة إلى التأكيد على أن حقوق الإنسان ليست المحدد الوحيد لقرار الكونجرس، حيث يخيم على القرارالأولويات الأمريكية في الشرق الأوسط بما في ذلك تعزيز التطبيع بين الدول العربية وإسرائيل ومواجهة التقدم الإقليمي لبكين وموسكو.
واختتمت الصحيفة مقالها بتصريح ستيفن كوك، الباحث في شؤون الشرق الأوسط : "إن الولايات المتحدة تواصل تقديم المساعدات السنوية، التي أنشئت بعد معاهدة السلام التي أبرمتها مصر مع إسرائيل عام 1979، "بدافع العادة وقدر من الخوف، لا تزال الولايات المتحدة ملتزمة لأنه لا توجد بدائل".
وقال كوك: “واشنطن لا تريد أن تنهار مصر. أعتقد أن فريق بايدن يرى المعونة كوسيلة لإبعاد المصريين عن الصين وروسيا. لن ينجح الأمر. المصريون يريدون علاقات مع الثلاثة".