في الأزمات الاقتصادية دائما، تظهر طرق للتعامل مع الأزمة شديدة الخصوصية لدى المصريين، "السوق الموازي- جمعيات الشراء الجماعي -تبادل كتب الدراسة القديمة، الملابس القديمة" ما يسميه الباحثون عملية "التكيف" مع الوضع الاقتصادي. ومع اقتراب المدارس، الأزمة التي أصبحت فوق احتمال المصريين، يظهر "سوق جروبات الماميز" في محاولة للتغلب على الأزمة الاقتصادية التي عصفت بالطبقة المتوسطة في مصر بعد انهيار الجنيه المصري وتعويمه تلبية لاشتراطات صندوق النقد الدولي.
يحاول "سوق الأمهات" التغلب على موجات التضخم التي بدت آثارها واضحة مع اقتراب العام الدراسي 2023-2024، في محاولة للنجاة بأبنائهن بأقل الخسائر، من أجل الحصول على شهادة تعليمية ربما لن تغنيه عن بطالة- تلاحق الجيل الحالي- تلاحقه بعد تخرجه الجامعي، لكنها الحياة التي تعيشها نساء مصر بشعار "لا يأس مع الأمهات".
30 سبتمبر، الموعد الرسمي لبدء العام الدراسي، لكن لدى منال منصور، 42 عام، الأم لثلاثة أبناء في مراحل التعليم المختلفة، يبدأ العام الدراسي منذ مطلع أغسطس من كل عام، تبدأ رسائل المدرسين و"جروبات السناتر"، التي من المفترض أن تعد الأمهات بعام دراسي سعيد، لكن منال لا تعرف معنى الجملة، تقول:" أي سعادة ستكون في عام أوله أزمة الكتب، ومنتصفه أزمة الدروس وآخره أزمات الامتحانات، أي سعادة في ذلك؟".
لدى منال 3 أطفال، ولوقت قريب كانت لا تزال ربة منزل، ثم قررت مشاركة زوجها الموظف الحكومي أعباء الحياة، أطلقت مشروع لبيع منتجات "الريف" من بلدها المنوفية، لسكان القاهرة، تروج للزبدة الفلاحي والجبنة القريش والفطير بأنواعه والكحك، والطيور المنزلية. فتحت سوقًا مع شركات الأجبان ومنتجات اللحوم السورية، في محاولة منها لتوفير ما يمكن من أجل تحسين وضع الأسرة الاقتصادي، ورغم بؤس المكسب الذي تحصله منال، لكنها في النهاية تقدم مساعدة أصبحت لا غنى عنها لإعاشة الأسرة.
محاولات منال لإنعاش حياة أسرتها، ذهبت كلها في مهب الريح، بعد الارتفاع المطرد لأسعار الكتب الخارجية، حيث وصلت حسبتها لشراء الكتب التي يحتاجها أبنائها الثلاثة في صفوف التعليم بين ابتدائي وإعدادي وثانوي إلى 6 آلاف جنيه، دون حساب مصروفات المدرسة نفسها أو تكاليف الدروس الخصوصية، لذا كان لابد من مخرج بحثت عنه منال، لكنه كان سبيلا لغيرها معها.
"مجموعات الأمهات".. الوزارة الموازية
"جروبات الماميز" المدرسية على هاتف منال، كانت السوق الأهم لها، وأصبحت منال بحكم علاقاتها مع الأمهات، مستشارة التدبير في كل المجموعات المدرسية، ومع أزمة الكتب الخارجية، قررت منال تدشين مبادرة على مستوى المدرسة بأكملها لتبادل الكتب والأدوات المدرسية الخاصة بسنوات سابقة، بشرط أن تكون حالتها جيدة وصالحة لإعادة الاستخدام.
تقول منال لـ "فكر تاني": المبادرة لاقت استحسان جميع أولياء الأمور، وتم تبادل الكتب المدرسية بين جميع المراحل والصفوف، وكان هذا هو حلنا الوحيد لمواجهة ارتفاع أسعار الكتب الخارجية"
تضيف منال:" في كتب تم استبدالها، آخرين عرضوا أدوات مدرسية وحقائب مستعملة، وزي مدرسي بأسعار بسيطة"، لم تتوقع منال حالة التشارك التي حدثت على جروبات المدرسة بعد إعلانها لمبادرتها، مؤكدة أن الأمر لا يقتصر على مدرسة أبنائها فقط، لكنها سمعت عن تداول الفكرة في المدارس المحيطة أيضا، تقول:" ولادي في مدارس تجريبي متميز، ورغم أن المدرسة حكومية في النهاية، إلا أنها لا تحصل على تعليم متميز كما كنت أتوقع، كل ما في الأمر أنني أدفع في مقابل أن تحمل شهادة أبنائي لقب مدرسة "كذا" للغات، وفي مقابل هذه المنحة نعتمد الدروس الخصوصية والكتب الخارجية للمنهج الإنجليزي الذي يتم تدريسه في المدارس المتميزة.
وتضيف:" صحيح أنا بدفع فلوس مقابل لا شيء، لكن أنا حسبتها برضه لو دخلت أبنائي مدارس خاصة عادية سيتكلف الواحد حوالي 20 ألف في العام وبالنهاية نفس النتيجة".
الدولار وأزمة الاستيراد وراء ارتفاع الأسعار
أزمة ارتفاع سعر الدولار في مصر، ألقت بظلالها على سوق الكتب الخارجية، ففي تصريحات صحفية سابقة يقول أحمد جابر رئيس غرفة الطباعة والنشر بالغرف التجارية، أن تغيير المناهج بشكل دوري، أدى إلى ارتفاع سعر الكتاب الخارجي في الصفوف الابتدائية، التي كانت نادرًا ما تشهد ارتفاعًا في الأسعار، مضيفًا أن الكتب الخارجية تعتمد على استيراد الورق المخصص لها من الخارج، ومع ارتفاع سعر الدولار، وأزمة الاستيراد، ارتفعت أسعار الخامات بشكل مبالغ فيه، مما أدى إلى الأزمة الحالية التي تعصف بكافة البيوت المصرية على اختلاف مستوياتها.
الفجالة.. هل لا تزال أسعارها رخيصة؟
الفجالة، حيث السوق المصري الأشهر لبيع الكتب، تعتبر مكتبة العزيزية من أكبر المكتبات في سوق الفجالة، تقدم العزيزية خصمًا خاصًا لبعض الهيئات والنقابات، في محاولة منها لتعويض خسائر الإقبال على الكتب الخارجية بعد ارتفاع أسعارها، يقول أحمد، مدير المكتبة إن الإقبال الضعيف هذا العام على شراء الكتب الخارجية، يعود لتكافل أولياء الأمور ومبادرات تبادل الكتب التي انتشرت عبر مواقع التواصل، وبرغم الوعي المجتمعي الذي يراه أحمد، محمودا للخروج من الأزمة بأقل الخسائر، إلا أن مكتبته قد شهدت خسارات كبرى بسبب هذا المبادرات، ويضيف لـ "فكر تاني": نادرًا ما يأتي زبون يشتري المجموعة كاملة للمواد في أي صف من الصفوف، الإقبال الأكثر على مواد الرياضيات والعلوم، واللغات، لكن بقية المواد، يتبادلها أولياء الأمور فيما بينهم.

يشير أحمد إلى الخصومات التي يقدمها لعملائه، يقول يضيف أحمد:" الخصم يأتي من نسبة ربحه"، الشركات لا تقدم لنا خصم سوى 10%، وأضطر أن أقدم خصمًا 20% من نسبة الربح نظير أن أحفز الزبون على الشراء، لكن مع ذلك تبقى الخسارة قائمة مقارنة بالمواسم السابقة"
تصوير الكتب الخارجية سبيل آخر للخروج من الأزمة، ففي محاولة لرأب الصدع بين فروقات الأسعار ومدخول الأسر البسيطة، يتكاتف الطلبة معاونين بعضهم بعضا بحسب محمد يوسف، 15 عامًا، والذي كان له الحظ في الفوز بنسخة كاملة من الكتب الخارجية ، اشتراها له والده في مطلع أغسطس، لكن يوسف لم يتردد في حمل المجموعة كاملة مع زميليه المقربين إلى الفجالة لتصويرها لزملائه بطباعة "نظيفة" حسب وصفه وبتكلفة أقل بكثير، يقول يوسف لـ "فكر تاني" : لم أتردد في مشاركة أصدقائي كتبي بعد أن طلبت أم صديقي من أمي ذلك، لأنه كان يرفض مصارحتي بالأمر خجًلا، لكني فاجأته بأن ذهبت إليه بالكتب وأخبرته أني أصورها لقريب وحينها طلب مني نسخة له كذلك، فبادرته بموافقتي على الفور.
يقول يوسف:" لا مشكلة في الأمر، فنحن نتشارك كل شيء معا حتى حسابات الألعاب الإلكترونية ومواقع المشاهدة التلفزيونية، ماذا يضيرنا من مشاركة الكتب المدرسية؟.