لماذا لا نتقبل الرفض؟

لم يستوقفني هذا التساؤل يومًا ولم أعره أي اهتمام من قبل، رغم انفجار صندوق رسائل الـothers ليس الخاص بي فقط بل جميع من أعرفهم تقريبًا، رغم ملاحقة الشباب للفتيات بالسيارات والموتوسيكلات والتكاتك، ورغم استمرار محاولات الاتصال من أرقام مختلفة بعد مئات الـ”بلوكات”، إلى أن تفاقمت تبعاته ووضحت جلية كظاهرة اجتماعية متكررة الحدوث غير محمودة العواقب.

الرفض تجربة قد نمر بها جميعًا في مراحلنا العمرية المختلفة، تتسم دائمًا بأنها محرجة ومؤلمة، وبها بعض المشاعر السلبية الأخرى كالحزن والخذلان والإحساس بالفشل، لكن الأمر لا ينتهي بالرفض عند البعض للأسف، وأصبحت ردود الأشخاص تجاهه عنيفة جدًا، وكثرت بها الحوادث التي تجعلنا نضرب كفًا بكف.

كثيرات هن الفتيات اللاتي عانين من الانتهاكات التي تسبب بها رجال لمجرد رفضهن لهم، التشهير وتشويه السمعة يتربعان على رأس هذه الانتهاكات، التعدي بالألفاظ والشتائم والتحقير من شأن الفتاة وأهلها، المطاردة والملاحقة عبر وسائل التواصل أو حتى في الشارع، قد يصل الانتقام منها إلى التهديد بإيذائها، أو يتطور الوضع ويسوء أكثر لنشهد حالات خطف واغتصاب وتعذيب، وقد تنتهي إلى قتل كما حدث في واقعة فتاة الشرقية ونيرة أشرف العام الماضي.

لن أقصي النساء أيضًا من غضب الشعور بالرفض والمشاكل التي قد يحدثنها نتيجة هذا الشعور، إلا أن طريقة التعامل مع هذا الأمر مختلفة بين الجنسين لدرجة أن المقارنة ظالمة، فأغلبية النساء – بحسب دراسات- يكون رد فعلهن هو الصمت أو البكاء والدخول في نوبة من الاكتئاب، أو الانفعال والهجوم بالكلمات المهينة، وهذا عكس ما يحدثه بعض الرجال من ردود أفعال حادة ومؤذية ومدمرة لحياة الأشخاص.

هل يحدث هذا بسبب عدم احترام الطرف الآخر؟ أم أنه حب التملك؟ هل هو غرور الرجل أم استحقاق ذكوري؟

للرجل صورة نمطية متوارثة عن نفسه، وهي أنه الأقوى والأشجع والأحكم والأذكى والأعلى في كل شيء لأنه رجل، يستحق الحصول على ما يريد لأنه رجل وليس لأنه يستحق ذلك، لذلك يحدث الرفض شرخًا في هذه الصورة، بل وقد يحطمها أحيانًا في حالة كان هذا الرجل مليء بالكثير من عقد النقص، لأن شعوره بالرجولة لديه يعتمد على أنه لا يعيبه شيء ولديه كل الامتيازات فلماذا يُرفض؟ لماذا يخسر؟

عدم تقبله فكرة أنه تم رفضه أو أنه غير مناسب يشعره بأنه ليس ذو أهمية وغير كافٍ، ويصيبه هذا بالثورة والغضب التي تختلف من شخص لآخر، وقد تتطور لعداء وكراهية ورغبة ملحة في الانتقام لرجولته، حتى يستعيد كرامته وإحساسه بنفسه وقوته والانتصار بعد إيذاء الرافضين له.

لا يمكننا إنكار أن الرفض شعور مؤلم حقًا، فالدماغ – كما أكد باحثو علم النفس –  يستقبل ألم الرفض كأنه ألم جسدي، له نفس التأثير إلا أنه لا يمكن تعاطي دواء لعلاجه، وبالطبع جميعنا يريد أن يشعر بالقبول بين الأشخاص، أنه مرغوب ومحبوب ولا يرفض، لكن واقع الحياة يقول أننا سنتعرض للرفض بشكل أو بآخر، لذلك من الأولى ألّا ندع الحزن يتملكنا ولا أن يعمينا الغضب، لا يقلل الرفض من شأننا ولا يجعلنا نحقّر من ذاتنا، حري بنا قلب الدفّة لصالحنا وتحويل نقاط الضعف إلى قوة، قوة تجعلنا نركز على مواطن القصور في شخصياتنا وأوضاعنا، على إعادة التفكير في اختياراتنا وتوجهاتنا، قوة تمكننا من الوقوف أمام مرآتنا لنرى من نحن حقًا، وعلى السعي لنكون ما نريد أن نصبح حقًا، قوة تدفعنا للبدء من جديد.. لأن الرفض ليس نهاية العالم.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة