مثلي كمثل معظم البنات في مصر - وربما في كثير من الدول - نشأنا على خدمة الرجال في بيوت أهالينا ليلًا ونهارًا، بشكل تمييزي بحت دون أي عدل في تقسيم الأدوار أو بمعنى أدق تقسيم "الأعمال المنزلية".
فالأم كانت ترى أن الأب الذي يخرج من الصباح الباكر، ساعيًا إلى قوت يومه هو وأسرته يقوم بدوره كاملًا بإعالة هذا البيت بمن فيه، وعليه فإنها ترى أن باقي الأعمال الخاصة بالمنزل والأطفال يجب عليها وحدها أن تقوم بها، وبالتالي فهي تحمّل مسؤولية أي أعمال داخل المنزل للإناث فقط ودون نقاش.
بدءًا من الطبخ والكنس والمسح وغسل الصحون وترتيب الغرف وتلميع الزجاج وغسل الملابس وطيّها وكيّها، وانتهاءًا بـ"اعملي كوباية شاي لأخوكي"، جميعها أعمال نُجبر عليها ونُنهر على عدم القيام بها نحن "البنات" فقط، ولا يجوز و"عيب ومايصحش" أن يتعاون فيها رجال المنزل إطلاقًا، ولن أكون مبالغة - وأعلم أن كثيرات منكن سيوافقن على كلامي - إن قلت أن الأمر كان يصل للعنف والإيذاء النفسي والجسدي، إذا رفضنا القيام بشيء لأحد أخوتنا أو حتى طالبنا بتقسيم الأعمال بيننا وبينهم.
قد أتفهّم خدمة الأب من باب الامتنان وبر الوالدين، ولكني لم أتفهّم أبدًا لماذا عليّ أن أخدم أخي؟! لماذا لا يرتب سريره بنفسه أو يغسل صحنه؟ هذا المنطق الغريب - غير المنطقي - لدى الأهالي أنشأ أجيالًا من النساء المدفوعة إلى تقبّل فكرة خدمة الرجال، وأجيالًا أسوأ من الرجال الذين يعتبرون خدمتنا لهم حق مكتسب.
الأمر خرج عن مفهوم "التعاون" كوننا أسرة تتشارك في المعيشة تحت سقف واحد؛ جميعنا يأكل ويشرب ويلبس ويستهلك، ولكل فرد فيها التزامات نحو الآخر وحقوق عليه، وتحول إلى فرض عين على البنات باعتباره "شغل ستات عيب الراجل يعمله"، رغم أن تلك الأشغال نفسها عندما تحولت إلى وظائف، سقط منها مفهوم "العيب"، بل واستحوذ عليها الرجال!
رغم أن الطهي هو أبرز مهمة تحرص كل أم على تعليمها لبناتها في سن مبكرة، كجزء أساسي من أهميتها في الحياة، لا يخفى على أحد أن أشهر الطهاة في العالم هم رجال. كذلك مهنة غسل الصحون - والتي أكرهها أنا و99% من النساء - اقترنت بالرجال في معظم الفنادق والمطاعم على مستوى العالم.
أما مهنة كيّ الملابس مثلًا فهي من المهن القديمة جدًا والتي يشتهر بها الرجال أيضًا، رغم أنها مهمة النساء في معظم البيوت. وحتى أعمال الترتيب والنظافة -التي يتكبّر الرجل على القيام بها في المنزل- لم تعد مقتصرة على النساء كمهنة، بل دخل سوقها الرجال وتغلغلوا فيها، حتى استحوذوا على ثلثيّ نسبة العمالة بها في أغلب المنشآت.
وهكذا أصبحت الأعمال المنزلية مجالات عمل مفتوحة للجنسين، بل ويستحوذ الرجال على نصيب الأسد في معظمها، ما يجعلني استنكر قيام الرجال بها بمقابل مادي لصالح آخرين، واعتبار القيام بها عيبًا داخل منازلهم كمبدأ تربّوا عليه.
فإن كانت طريقة التربية تلك تصلح قديمًا - أقصد قديمًا جدًا - في عصور ما قبل الوعي المجتمعي بضرورة تعليم المرأة، عندما كانت تتعلم البنت "شغل البيت" لتصبح "ست بيت شاطرة"، متفرغة لخدمة زوجها وأبنائها في المستقبل، فقد تجاوزنا هذه العصور بعصور، وأصبحنا الآن في عصر ضرورة عمل المرأة تكافؤًا بالرجل، وارتفاع نسبة الرجال المستقلين - سواء داخل البلاد أو في الغربة - بل ودخولهم سوق العمل المعتمد على مهارات الأعمال المنزلية كما ذكرنا، ما يجعل تعلم شغل البيت ضرورة للجنسين، وأعتقد أنه يفرض إعادة النظر في فكرة "الستات مكانها المطبخ".