الأشخاص ذوي الإعاقات.. نحن هنا بجانبكم

شهدت السنوات الأخيرة تطورًا ملحوظًا في مجال الإعاقة بمصر، وتواكب ذلك مع صدور الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وانضمام مصر لها 2007. وتعد الاتفاقية بداية ظهور الحركة الاجتماعية للإعاقة بمصر، تلك الحركة التي بدأت من مجموعات قليلة من الاشخاص ظهروا للمرة الأولي بالشارع مطالبين بحقهم في المساواة مع الجميع في 2010، والاعتراف بحقوقهم كفئة فاعلة بالمجتمع، وخاضت الحركة منذ ذلك الوقت معاركًا عديدة مثل معركة إصدار قانون الإعاقة، والحق في الممارسة السياسية، وغيرها مما سنتناوله تباعًا في مقالات لاحقة، فقبل تناول حركة الإعاقة منذ نشأتها، وتطورها، ومشكلاتها الذاتية والموضوعية التي أدت لخفوتها خلال السنوات القليلة الماضية، علينا أولًا تناول المفاهيم الأساسية بهذا المجال خاصة مفهومي الإعاقة، والأشخاص ذوي الإعاقة كمقدمة منطقية لابد منها.

ماهي الإعاقة؟ أغلبنا حتي الآن حتى على المستوى الرسمي ينظر للإعاقة كمعطى قدري، أو ابتلاء إلهي يحتاج صاحبه للدعم الخيري، فهي كما تقول الدراسات القديمة والقوانين (حالة عجز كلي أو جزئي)، ويبدو هذا التعريف منطقيًا للوهلة الأولى، فنحن بالفعل نشاهد الشخص الذي لا يبصر ونرى المشكلة في عينيه، وينطبق ذلك على الشخص على كرسي متحرك، فالمشكلة  في قدميه، وهكذا الأمر لباقي الفئات. تلك الصور التي انطبعت في عقولنا عبر التاريخ الطويل، وشكلت رؤيتنا للإعاقة وموقفنا منها ليست صحيحة على الإطلاق، فهي صورة مشوهة تهدف لرفع المسئولية المجتمعية عن الإعاقة، وتجاهل حقوق ملايين البشر بضمير مستريح، هي الصورة التي جعلت أغلبهم يختفوا من الحياة بحيث لم نعد نراهم.

دعونا نحاول رؤية الصورة من زاوية أخرى، لو رأينا مثلًا شخص ذو إعاقة بصرية يريد أن يرسل رسالة إلي جهة ما، ووضعنا أمامه جهاز كمبيوتر عادي، ماذا سيحدث؟ لن يتمكن بالطبع من إرسال الرسالة، لكن نفس الشخص الحاصل على قدر معقول من التعليم، والتدريب، ووضعنا أمامه جهاز كمبيوتر مزود بالبرامج الخاصة بالإعاقة البصرية، نفس الشخص سيقوم بإرسال الرسالة التي يريد، كما سيتصفح الفيسبوك، وسيجري بحث على جوجل لو أراد.

دعونا نري معنا صورة أخرى لشخص من ذوي الإعاقة السمعية، وسأختار هذه المرة حالة واقعية تمامًا لمحامية مصرية من ذوي الإعاقة السمعية، تقوم المحامية بالتعامل مع المحاكم يوميًا، تقيم الدعاوي، وتستخرج الأوراق الرسمية، وتترافع في القضايا، لكنها كل يوم يجب أن تخبر كل موظف بالمحكمة أن ينظر إليها عندما يتكلم لتتمكن من قرءة شفتيه لتعرف ما يقول، وعليها أن تقنع القاضي أنها تعلمت الكلام بشكل جيد رغم أنها لا تسمع، بالإضافة بالطبع لمواجهة حالات لا تحصى من السخرية المقيتة. دعونا الآن نتخيل أن بالمحكمة موظفًا محددًا ومدربًا للتعامل مع ذوي الإعاقة، ببساطة ستتعامل صديقتنا، وغيرها من ذوي الإعاقة بالمحكمة مع موظف يجيد لغة الإشارة، ويعرف جيدًا كيفية التعامل السليم مع فئات الإعاقة المختلفة.

والأن نسأل من جديد ماهي الإعاقة؟ وسنجدها في عشرات الحواجز المجتمعية والبيئية التي على الأشخاص مواجهتها يوميًا، سنرى الأن الطرق غير الممهدة، والمباني التي أقيمت بتجاهل الاحتياجات المختلفة للناس، وعدم الاعتراف بلغة الإشارة، سنرى الجهل بفئة اجتماعية متنوعة تبلغ على أقل تقدير عشرة مليون شخص يعيشون معنا لكننا نتجاهل رؤيتهم.

وكما رأينا الإعاقة سنرى الشخص ذو الإعاقة، فهو بالتأكيد ليس مجرد شخص يعاني من عجز، فالحقيقة أن كل منا يعاني من عجز ما، كما أن أغلبنا يعاني من عجز مؤقت أو دائم خلال مراحل العمر، فالطفولة ليست كالشباب الذي يختلف بالتأكيد عن الشيخوخة. إن العجز حالة بشرية تجعلنا جميعًا كائنات اجتماعية يحتاج كل منا للآخر، أما الشخص ذو الإعاقة فهو الشخص الذي يواجه الحواجز، والعقبات التي تتجاهل وجوده.

والآن علينا أن نوضح إصرارنا على تكرار مصطلح الشخص ذو الإعاقة، وهو المفهوم المستقر دوليًا منذ 2007 لكن يتم تجاهله غالبًا حتى على المستوى الرسمي والإعلامي، حيث يفضل كل مسئول أو إعلامي مفاهيم أخرى مثل متحدي الإعاقة أو ذوي الاحتياجات الخاصة، ويعود ذلك في الحقيقة للجهل بمجال الإعاقة، فاختيار الأشخاص ذوي الإعاقة هذا المفهوم المركب للتعريف بهم لم يكن صدفة، حيث يرتبط بالصورة الذهنية التي تتكون لدينا من المفهوم، بمعني أدق علينا وضع كلمة «شخص» دائمًا قبل ذوي الإعاقة ليري الآخر أن هناك شخص أولًا قبل أن يرى الجسد.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة