«الوصاية على المال والحفاظ على الهوية».. أولى جلسات المحور المجتمعي بالحوار الوطني

شهدت جلسات المحور المجتمعي بالحوار الوطني التي عقدت الخميس الماضي حضورًا كثيفًا ومشاركة متنوعة من مختلف التيارات والفئات والخبراء، لذين شاركوا بآرائهم في لجنتي الثقافة والهوية الوطنية والأسرة والتماسك المجتمعي.

وشهدت جلسات الحوار حضور 150 متحدثًا و250 مستمعًا و75 صحفيًا، و4 مندوبين أجانب، بالإضافة إلى حضور 479 فردًا، بواقع 4 جلسات امتدت لـ 14 ساعة.

مطالبات بتعديل ترتيب الوصاية في القانون

شهدت جلسة قانون الوصاية فى لجنة الأسرة والتماسك المجتمعى بالحوار الوطني مطالبات بتشريع جديد موضوعى وإجرائى للحفاظ على أموال اليتيم، ووضع آليات للمراقبة على أموالهم وتسهيل استثمارها، مع مراعاة النظر فى ترتيب الولاية، من أجل تحقيق المصلحة الفضلى للطفل، وأن تربط التعديلات المسئولية والواجبات بالحقوق والوصاية بعد وفاة الأب.

كما تضمنت الجلسة دعوات لإنشاء محكمة جنائية تختص بتبديد أموال القاصر، وبتطوير المجلس الحسبى وتطبيق منظومة التحول الرقمي في النيابة الحزبية، وإنشاء هيئة للولاية تضم جميع المشكلات سواء في الوصاية على المال أو الولاية على النفس.

بدورها، قالت مقرر لجنة الأسرة والتماسك المجتمعي، نسرين البغدادى، إن العلاقة بين الأسرة والمجتمع علاقة تكاملية، ومن أجل دعم وحماية الأسرة أرسى الدستور فى المادة العاشرة منه أن الأسرة قوام المجتمع وتحرص الدولة على تماسكها، إلا أن هناك بعض التحديات المنتشرة التى تعانى منها الأسرة كمشكلات بعد الطلاق والعنف الأسرى ضد المرأة.

واستعرضت نسرين البغدادي عددًا من العقبات الخاصة بالوصاية على المال، حيث أوضحت أن «المال الذى تتبرع به الأم للطفل يتصرف فيه الأب كما يشاء بصفته الولي على القاصر، والأم لا يتم تعيينها على أموال صغارها بعد وفاة الأب مباشرة، وإنما تنقل للجد الذي قد يعيق حياة القاصر بالتضييق على نفقاته، إما لصعوبة الحركة أو خشية إهدار المال أو أي اعتبارات أخرى، كما لفتت إلى أن الأم الحاضنة من باب أولى أن تتولى الأمور الحياتية للمحضون.

من جهتها قالت إلهام عيداروس الممثلة عن حزب العيش والحرية – تحت التأسيس، لا يمكن الحديث عن تماسك مجتمعي في ظل وجود الكثير من الأسر الممزقة بسبب غياب أحد أفرادها في السجون لمجرد ممارستهم حرية الرأي والتعبير وليس لجرم ارتكبوه، وتعرضهم لانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. أدعوكم للاطلاع على  حالات وسام صلاح (أب) ومروة عرفة (أم) ومعاذ الشرقاوي (ابن) لتعرفو كم المعاناة. هذا الموضوع بالطبع سيناقش في لجنة حقوق الإنسان لكن يجب التنويه عنه هنا لأنه يؤثر على تماسك الأسر ويخلق ضغائن في المجتمع تستمر لسنين.

وأضافت في كلمتها: «اسمحوا لي بالتحفظ على اختزال موضوعات اللجنة في أربع موضوعات فقط (الولاية على المال – الطلاق – العنف الأسري – المخاطر الإلكترونية) فرغم أهميتها هناك حاجة لتغيير شامل وجذري في منظومة الأحوال الشخصية لكل المصريين بعد أكثر من قرن على قوانين الأحوال الشخصية للمسلمين، وأقل قليلًا على لوائح الأحوال الشخصية للطوائف المسيحية، و75 عامًا على القانون المدني المصري الذي ما زال يفتقر لكتاب خاص بأحكام الأسرة».

وتابعت: بالنسبة لقضية اليوم الخاصة بالوصاية على المال استفاض الزملاء في توضيح الكثير من جوانب العوار والتغيرات الضرورية، لكن دعوني أتحدث عن المنطق الكامن خلف القانون الواجب تغييره. قوانين الأحوال الشخصية تفترض انفصال تام بين أدوار النساء وأدوار الرجال. فتعتبر أن الحضانة (ولاية التربية) هي مهمة النساء فقط، وأن الولاية على النفس والمال مهمة الرجال فقط. وهذا في الواقع لا يحدث فكثيرًا ما تتداخل الأدوار في الأسرة. مؤكدة على أن هذه المنظومة وهذا التقسيم الجامد بحاجة لتغيير شامل.

واستطردت: «الأسر الكافلة منظومة مهمة جدًا تمثل طوق نجاة لآلاف الأطفال اليوم، ومن حسن الحظ أنها صارت مقبولة أكثر فأكثر في المجتمع اليوم ويقبل عليها كثيرون من خلفيات متنوعة مسلمين ومسيحيين، ولكن هؤلاء الأهل يطالبوا بأن يتم اعتبارهم كالأهل البيولوجيين في الأمور المادية ويكون لهم ولاية اعتبارية على أموال أولادهم التي منحوها لهم سواء في البنوك أو العقارات وأيضًا المعاشات وغيرها».

وتابعت: الأموال التي تمنحها الأم لأبناءها يجب أن يكون لها القدرة على التحكم فيها. الأم تفتح حساب لابنها لكن لا تستطيع أن تسحب منه. في حالة العقارات تضطر الأمهات لعمل عقد رقبة وانتفاع لكي تعيش في المكان لحين وفاتها على أن يؤول لأولادها لاحقًا. أما الحسابات البنكية فلا حل فيها لأن البنك وبعض النساء تلجأ لفتح بوليصة تأمين وليس حساب (جاري أو إدخاري) حتى تستطيع التعامل مع المال بحرية.

واختتمت إلهام عيداروس كلمتها: كلمة السر في هذا كله الولاية والأهلية الكاملة للمرأة التي هي حق لها يجب التمتع به، لذلك نطالب بالولاية المشتركة للأبوين على الأبناء وتساو كامل بين مركزي الأب والأم أثناء الحياة الزوجية. هناك أمور يجب أن يتفق فيها الوالدان مثل السفر للخارج مثلًا وهناك أمور يمكن أن يفعلها أي منهما مثل فتح حساب بنكي والسحب منه مثلًا. وفي حالة وفاة أحد الطرفين يكون للطرف الآخر المستمر في الحياة مع الطفل ورعايته نفس الصلاحيات بدون تمييز بين الأب والأم.

وفي السياق أشارت النائبة إيمان الألفي عضو مجلس النواب عن تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، خلال كلمتها، إلى تقدمها بتعديل تشريعى يتضمن أن يحق للوصى استثمار الأموال بشهادات بنكية يصدرها البنك المركزي دون الرجوع للمحكمة، إلا فى حالة صرف العائد لتوفير سبل حياة كريمة للقاصر.

وأوضحت أن إدارة الملف المالي فى الأسرة تكون للأم، وبعد وفاة الأب تئول الولاية للجد، الذي يكون في أغلب الأحيان شخص غريب عن الأسرة، بمعنى عدم درايته بشئون ومجريات أفراد الأسرة ومن ثم لا يكون لديه إلمام بمتطلبات الأسرة، ولهذا فهو شخص غريب غن الأسرة ولهذا يحدث اضطراب فى الأسرة بعد وفاة الأب.

وواصلت: «مصر أسيرة للقانون رقم 19 لسنة 1952 بشأن أحكام الولاية على المال، مشددة على ضرورة أن يكون هناك تشريع جديد يراعي جميع الملاحظات الناجمة عن التشريع الحالي، يراعي ترتيب الولاية وليس الوصاية للتصرف وتقديم ما يفيد حسن التصرف فيما بعد، واستثمار أموال القصر، وتسهيل عملية الرقابة على أموال القصر، ووضع آلية للرقابة على مخرجات أموال القصر.

من جهته، طالب إبراهيم الصعيدى ممثل حزب الدستور، بتنفيذ الجهات الداعية للحوار تعهداتها بإطلاق سراح المحبوسين على ذمة قضايا الرأى. وتابع: «نحن بصدد قانون الوصاية على القصر وهدفه مصلحة القصر وهي مقدمة على كل شيء»، منتقدًا سيطرة البيروقراطية والروتين التي تعطل الإجراءات القضائية أو الانحيازات لأحد الوالدين وأحيانًا إضرار بحق الأطفال، وتأخر الإجراءات يؤثر فى بعض الأحيان على فقد حياتهم فى حالات الحوادث أو الحاجة لجراحات عاجلة.

وطالب ممثل حزب الدستور بتطوير الوصاية وإدارة أموال القصر من حيث التشريع وإجراءات ومستجدات القصر، وكذا تطوير المجلس الحسبى وتعديلات على القانون تربط المسئولية والواجبات بالحقوق والوصاية بعد وفاة الأب للحاضن، مؤكدًا أن من يراعي الأطفال أكثر من يعرف احتياجاتهم.

وأكد ضرورة إقرار الولاية التعليمية والرياضية للحاضن دون الحاجة لنزاع قضائي وسرعة إجراءات حق الوصاية وتوفير آليات رقابة ومتابعة لضمان تنفيذ القرارات القضائية وإدخال مبدأ الحالات الاستثنائية مع المجلس الحسبي التي تحتاج لتدخلات عاجلة.

أزمة الهوية على طاولة الحوار

ناقشت جلسة الهوية برئاسة الدكتور أحمد زايد، مقرر لجنة الثقافة والهوية الوطنية، إشكاليات تعميق الهوية والثقافة ورعاية الإبداع، والتحديات التي تواجه تلك الملفات في ظل الانتشار الواسع للإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعى.

بدوره قال الدكتور أحمد زايد، مدير مكتبة الإسكندرية ومقرر لجنة الثقافة والهوية الوطنية للمحور المجتمعي في الحوار الوطني، إنّ العولمة كانت عاملاً مهماً فى تفكيك وتشظي الهوية في كثير من المجتمعات، لأنها تعمل دائماً على أنها توحد العالم فى أطر اقتصادية ومستويات اقتصادية، لكنها تمزق العالم ثقافياً وتدفع العالم إلى عراك ثقافي كما كتب بعض منظّري العولمة.

وأضاف، خلال كلمته فى الجلسة: «كما ظهر تقدم هائل في وسائل الاتصال وطغيان عالم الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي التي فتحت الآفاق لفتح الحدود التى كانت مغلقة من قبل، حيث لم يكن الإنسان قادراً على تعدى حدود معينة، أما الإنترنت فقد فتح الأفق لتعدي الحدود وكسرها وفتح آفاق للحرية لم تكن متاحة أو معروفة من قبل».

وتابع: التفسيرات للدين والتفسيرات المختلفة للحداثة فى ظل العولمة تخلق اختلافات داخل المجتمع وتخلق قدراً كبيراً جداً من التشظي، وهذا كله يدفعنا دائماً إلى السؤال عن هويتنا ومصيرنا في العالم، فهذا السؤال طرح نفسه في المجتمع منذ أن ولج في إطار الحداثة المعاصرة.

وواصل أن الهوية الثقافية تتراكب وتتكون عبر فترات تاريخية مختلفة، وعند تناول الهوية المصرية نقول إن فيها مستويات وطبقات مختلفة تكونت عبر التاريخ وانصهرت في بوتقة واحدة وأخرجت هذا المجتمع الذي نعيش فيه بهويته المعاصرة، مشدداً على أنها تتشكل عبر الاشتراك في أمور كثيرة، من أهمها اللغة والدين والعادات والتقاليد والمعتقدات وكل أساليب وأطر الحياة، بالإضافة إلى الآمال والطموحات والتاريخ والمكان.

وأشار مقرر لجنة الثقافة والهوية الوطنية إلى أن الثقافة تدخل في كل المسارات والمحاور لأنها العمود الفقري للمجتمع، وتم وضع عدد من المحاور فيها، ورغم أن الثقافة لجنة فرعية داخل المحور المجتمعي، فإن القائمين على شئون الحوار يدركون أهمية الثقافة، لذلك تم وضع عدد من المحاور فيها، هي «الثقافة والهوية الوطنية والصناعات الثقافية والمؤسسات الثقافية والسياسات الثقافية وقضايا حرية الإبداع وأهمية تشجيع ودعم الإبداع».

من جهته شرح المخرج عمرو سلامة، خلال كلمته بجلسة الهوية الوطنية بالحوار الوطني، كيفية انتشار هوية كوريا الجنوبية حول العالم مقارنة بمصر متعددة الثقافات وصاحبة التاريخ الكبير، قائلًا: «عندنا نموذج شبهنا هو دولة كوريا الجنوبية من 20 سنة كانت بتمر بنفس ظروفنا وبرغم إمكانياتها الثقافية المحدودة في ظل لغة صعبة قدرت تتخطانا وتنشر ثقافتها في العالم بشكل كبير».

وأضاف سلامة: «كوريا وصلت إنها بتنتج أفلام بتاخد جوائز عالمية وبتعمل مشاهدات بالملايين، كمان الأغاني الكورية هي الأكثر استماعًا حتى في أمريكا مع انتشار ثقافة نوعية الطعام الكوري في العالم كل ده حصل في 20 سنة، مفيش حد في العالم ميعرفش العربية الكوري أو معندهوش جهاز كوري في البيت عملوا ثورة صناعية حقيقية، واحنا كمصر بكل إمكانياتنا ولغة بيتكلمها أكثر من مليار إنسان لسه زي ما إحنا».

وتابع سلامة: «احنا مش بس مش بننشر ثقافتنا لكن إحنا قافلين عليها بشكل كبير وبنحارب انتشارها في شكل غريب»، مطالبًا بالتوسع في تصوير أفلام أجنبية تمثل الهوية المصرية بجانب السماح بتسهيلات للأفلام والمسلسلات الأجنبية بالتصوير داخل مصر بعيدًا عن البيروقراطية.

في السياق حذر الفنان محمود حميدة، من غياب اللغة العربية عن التعليم الأساسي، مؤكدًا أن ذلك يمثل كارثة كبرى خلال الفترة الأخيرة، ما يؤثر بشكل سلبي على الهوية الوطنية للدولة المصرية وأبنائها، قائلًا إن اللغة العربية تعاني من سخرية وتنمر كبير يحتاج لوقفة حاسمة وصارمة تجاه كل الرؤى التي تنال منها، مع تعميق وجودها في التعليم على كافة المستويات.

وشدد حميدة، على أن التوافق على توصيات تدعم اللغة العربية من خلال الحوار الوطني يمثل ضرورة مهمة وكبيرة بما يعمل على إعادة وجودها فى كل مراحل التعليم مرة أخرى، خاصة أن من يتعلم باللغة العربية الآن يتعرض لسخرية وتنمر بجانب ما نراه من استعمال لغات أخرى يتم استخدامها فى التعليم أو كل التعاملات اليومية للمواطنين.

وأكد الفنان محمود حميدة، على أنه أثناء وجوده بالخارج يحرص على الحديث بكل وسائل الإعلام باللغة العربية رغم أنه يجيد الإنجليزية ولكن يحرص على الحديث باللغة العربية كلغة أم لنا كعرب ومصريين، مشيرًا إلى أن التوافق على توصيات داعمة لها ضرورة مهمة.

بدوره قال مصطفى محمد، عضو تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، إنَّ التحديات التي تواجه الهوية الوطنية تواجه أي مجتمع تتعلق بهويته الوطنية وليس في المجتمع المصري فقط، مشيرًا إلى ضرورة وضع آلية محددة عن كيفية تنفيذ الاستراتيجية الخاصة بالهوية الوطنية، حيث تكون رأس الحربة فيها وزارة الثقافة والمؤسسات التعليمية والدينية.

وأضاف، أنه من المهم جدًا ونحن نطرح الاستراتيجية، أن يكون هناك بندًا متعلقا بالجهات المختلفة التي تتحدث عن الهوية الوطنية، ولا بد أن يكون هناك تقسيم زمني على السنوات وما هو مستهدف في كل سنة، حتى إذا حدث أي خلل يعرف المؤسسة المسؤولة عنه.

وواصل: «يجب تدشين مؤشرًا لقياس الهوية الوطنية، ونحتاج التنوع والانفتاح الفكري لكن يوجد خطًا ثابتًا عن الهوية الوطنية وماذا نريد عن الشخصية المصرية وكيف تكون. نريد الشخصية المصرية بشكل محدد ومشتركات أساسية نتحدث عليها، وأي استراتيجية تنجح عندما يتوفر لها آليات نجاحها، ولذلك على المؤسسات المسؤولة أن يكون لديها اكتفاء ذاتي ويكون لها مقدرات مالية لتنمية الهوية المصرية».

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة