التنظير الذكوري يحرم النساء من حرية التعبير

من الشائع أن تجد رجلًا يوعظ النساء حتى يلبسن الحجاب، يغازل الرداء الطويل والحجاب الأندونيسي الشيك، ورجل دين كل حديثه عن شؤون النساء يتربح منها على اليوتيوب ويجمع آلاف اللايكات كلما زاد حديثه ذكورية، لن تجد أحدًا من أقرانه الرجال يستنكر عليه هذا الحق في الحديث عما يخص النساء، فالجميع هنا يشعر بملكية عامة لكل امرأة في محيطه، فما العجيب في حديث أحدهم عن كل كبيرة وصغيرة في حياتهن؟ بل العجيب حقًا من وجهة نظرهم هو حديثنا نحن النساء عما يخصنا!

نعيش في مجتمعات لا تعرف عن الحريات شيئًا سوى حق التدخل في حياة الآخرين تحت هذا الشعار، شوهوا مفاهيم حرية الرأي والتعبير ظنًا منهم أن هذا الحق يكفل لهم الفرصة في الحديث عما يخص الجميع وأولهم النساء، الحديث عما ترتديه كل أنثى وعما تعيشه وتختاره وتراه مناسبًا لحياتها، ثم أضافوا لهذا التعريف المزيف لحرية الرأي ما يحجب عن النساء حقهن في التعبير عن أنفسهن.

لا تستغرب أبدًا إن وجدت إحداهن تتحدث عن آلام الولادة لتجد رجلًا يستنكر عليها هذا الحديث ويتهمها بوجود «خلل» في فطرتها، بل ويتحدث هو عن حكمة الإله في وجوب تلك المشقة على كل أنثى، وعن سهولة الولادة وخداع الجميع لسنين طويلة في وهم اسمه آلام الولادة أصلًا، ولا تستعجب أبدًا إن تكلمت إحداهن عن رغبتها في عدم الزواج ثم تجد من يتهمها بالكفر لأنها تعارض سنة الحياة التي فرضت عليها ولا مجال للحديث فيها.

هذه الأمثلة البسيطة التي لا تناقش فيها النساء نص ديني أو حكم إلهي بل تعبر عن رغبتها في أمر ما، أو عن تجربتها التي عاشتها بنفسها وشعرت بألمها وتحكي عنه، فما بالك حين تتحدث النساء مثلًا عن الحجاب أو الدين أو عن أي قضية خلافية، فإن كانت حرية التعبير غير مكفولة للجميع في وطننا، تحرم منها النساء حتى في حياتها الخاصة واختيارتها البسيطة، بل والكلام عما فرض عليها في الدين أو المجتمع، مسلمات هي عند الحديث عما يخص النساء.

قليل من البحث حول أصل الموضوع، ستجد أن ما توارثه الأجيال من السلف هو أن النساء ناقصات عقل ودين، وهو ما فسره المجتمع لأجيال طويلة أن النساء لا يستطعن الشهادة عما رأوه بأعينهن، ويحتجن للتأكيد من امرأة أخرى أمام الدين والقانون، بل وانتشر خطاب يحرم النساء من دراسة الأمور الشرعية والمجالات العلمية، وحصرهن في دورهن داخل المنازل، مما رسخت هذه التفسيرات والفتاوى ضعف رؤية وعقلية النساء في نقاش أمورهن الشخصية أولًا، ثم حرمانهن من حقهن في إبداء رأيهن في الأمور العامة، لنجد تمثيل ضعيف جدًا للنساء في المشهد السياسي على سبيل المثال، أو حرمان النساء من اعتلاء المنصات القضائية، وغيرها من مظاهر التقليل من قدرة النساء على العمل أو التعبير عن ذواتهن وآرائهن كما يفعل الرجل.

أبرزت السوشيال ميديا طريقة تعامل المجتمع مع النساء كعقل مفكر أو كمواطن له الحق في الاختيار، أصبحت هناك مجموعات مخصصة للهجوم على أي أنثى تتحدث، تمارس حياتها الطبيعية، تختار ما تريده، تخلع ما ترفضه، هذا الهجوم تعيشه النساء في يومهن العادي بين زملائهن في العمل، أفراد عائلتهن، حتى في الشارع والمواصلات أو كما ذكرنا حتى في اعتلاء المناصب وحقوقهن الدستورية، ستجد هذه النظرة التحقيرية عندما تتحدث أي أنثى حتى عما يخصها، كما ذكرنا بحجة من الذي أعطاكِ الحق للحديث بهذه الثقة، ليبدأ هو الآخر في ممارسة ما يعرف ب ال mansplaining أو بتعريبه «التنظير الذكوري» وهو مَيْلُ الرجال إلى توضيح الأمور للنساء، وهو سلوك ليس جديدًا،، والكلمة مزيج من «Man» بمعنى رجل و«Explain» بمعنى يشرح. لم يظهر هذا المظهر إلا منذ سنوات قليلة ولكنه يصف ما تعانيه النساء اجتماعيًا وقانونيًا ودينيًا لسنين طويلة، ومعناها هو حديث الرجل إلى المرأة بطريقة تُظهر شعوره بالتفوق عليها، حتى مع احتمالية أن معلومات هذا الرجل في الموضوع محل الحديث قد تكون قاصرة، فإنه لا يتصور أن المرأة التي يوجه إليها كلامه ربما تكون أكثر إلمامًا به.

عادة يتعامل الرجل بشعور استحقاقية مسبق وحاجته للهبوط لمستوى المرأة حين يتحدث عن أي شئ اشتهر عالم الرجال بها كالكرة أو السياسة، حتى في الطبخ الذي توصم النساء به يتفاخرن بأن أشهر الطهاة رجال بمعنى تفوقهم على النساء فيه، حتى بعضهم قد يذهب إلى شرح أمور تخص النساء حصرًا، مثل الحمل والولادة، ولا يجد مشكلة في ذلك. وإن أخطأ أحدهم في الحديث عن أمر ما ستجد أريحية كبيرة للنقاش حول هذا الخطأ، أما إن كانت المتحدثة أنثى ستجد المسرح في انتظارها لنكرر مقاطع ساخرة منها ومن محدودية علمها فيما تتحدث عنه.

لن تجد سيدة أو فتاة لم تتعرض لذلك وتعاني منه بل وحرمت على نفسها حقها في التعبير عن رأيها حتى لا تتعرض للسخرية والتنمر أو تمنع بشكل صريح إن كان الرجال حولها لهم سلطة عليها كالأب أو المدير، وعلى الرغم من أن كل ما هو مطلوب هو احترام  كل طرف لمعتقدات ومعلومات الطرف الآخر الذي يتحدث معه، وإدراك أن رأيه صواب يحتمل الخطأ، ولا فرق في هذا بين رجل وامرأة،  مازالت النساء تعاني من التمييز حتى في حرية الرأي على مستوى الأفراد. ومع أننا جميعًا نعيش في وطن لا يعرف حق حرية التعبير، يظل ما تعيشه النساء مختلفًا، حتى على مستوى الأفراد والحياة اليومية.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة