«حرية الفكر والتعبير» ترصد في تقريرها السنوي انتهاكات حرية التعبير خلال 2022

تحت عنوان «انتهاكات تطغى على وعود الإصلاح» أصدرت مؤسسة حرية الفكر والتعبير تقريرها السنوي عن حالة حرية التعبير في مصر ٢٠٢٢، واعتمد التقرير على قراءة وتحليل السياسات العامة للسلطات المصرية، بمختلف أجهزتها، تجاه الحق في حرية التعبير بصوره المختلفة، خلال عام ٢٠٢٢.

اعتمد التقرير على عرض أبرز أنماط الانتهاكات في ملفات حرية التعبير المختلفة، بينها حرية الصحافة والإعلام، حرية الإبداع والتعبير الفني، الحرية الأكاديمية والحقوق الطلابية والحقوق الرقمية، إضافة إلى الحق في التظاهر والتجمع السلمي خلال عام ٢٠٢٢.

وأوضح التقرير أن هناك تغيير ملموس في الخطاب السياسي للسلطات المصرية منذ منتصف عام ٢٠٢١، وتحديدًا بعد الانتقادات الدولية الواسعة التي واجهتها السلطات المصرية على خلفية بيان الدول الأعضاء بمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة على هامش دورته الـ٤٦ في مارس ٢٠٢١.

وحثت الدول الحكومة المصرية في بيانها على ضمان مساحة للمجتمع المدني ورفع القيود المفروضة على وسائل الإعلام والمنصات الرقمية، ووقف سياسات حجب المواقع الإعلامية المستقلة والإفراج عن جميع الصحفيين المحبوسين، وضمان حرية عمل المدافعين عن حقوق الإنسان دون خوف من الترهيب أو المضايقة أو أي شكل من أشكال الأعمال الانتقامية، بما يشمل رفع قرارات حظر السفر وقرارات تجميد الأموال الصادرة ضدهم.

وأشار التقرير إلى أنه منذ ذلك التاريخ سارعت الحكومة المصرية من أجل تحسين صورتها فيما يتعلق بملف حقوق الإنسان، وتحديدًا على المستوى الدولي، بهدف تخفيف حدة الضغوط الدولية التي تتعرض لها، وتعظيم فرص الاستدانة الخارجية التي ارتفعت معدلاتها بشكل لافت في السنوات الأخيرة.

تحدث التقرير عن أنماط انتهاكات حرية التعبير التي شدتها مصر خلال عام 2022، فقد رصدت المؤسسة 101 حالة انتهاك للحقوق الرقمية في عام 2022، بالمقارنة مع عام 2021 الذي رصدت خلاله المؤسسة 70 انتهاكًا. بذلك شهد عدد الانتهاكات زيادة بأكثر من 44% عن العام الماضي. ويشير ذلك إلى مزيد من القيود على حق الأفراد في التعبير واستخدام الفضاء الإلكتروني، وتكثيف متصاعد ومستمر للإجراءات والممارسات التي تقوم بها السلطة والتي تهدف إلى محاصرة صناعة المحتوى وتبادل المعلومات في الفضاء الإلكتروني.

ووفقًا للتقرير، تعد الانتهاكات الأمنية وحجب المواقع أكثر الانتهاكات شيوعًا فيما يخص الحقوق الرقمية في 2022، فقد رصدت المؤسسة 76 حالة قبض بواقع 76% من الحالات التي رصدت هذا العام. وبالمقارنة بالعام 2021 نجد أن حالات القبض زادت من 35 حالة إلى 76 حالة، أي أن عدد حالات القبض قد زاد بأكثر من الضعف، وهو ما يشير إلى زيادة نشاط الأجهزة الأمنية في ملاحقة وترصُّد مستخدمي تطبيقات التواصل الاجتماعي، ومزيد من التضييق الذي يشهده الفضاء الإلكتروني. وقد تنوعت تلك الوقائع ما بين القبض بسبب نشاط معارض للحكومة مثل نشر فيديو أو منشور على فيسبوك ويوتيوب، أو نشر محتوًى على تيك توك، أو الانضمام إلى مجموعة على الفيسبوك تدعو إلى التظاهر- بحسب التقرير.

جاء بعد الانتهاكات الأمنية استخدام سلاح الحجب من قبل المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، والتي مثلت 12% من الانتهاكات. حيث تم حجب 12 موقعًا متنوعًا بدعوى نشر أخبار كاذبة أو الدعوة والتحريض على العنف والكراهية أو التمييز والعنصرية ضد المواطنين، أو  الطعن في أعراض الأفراد والسب والقذف لهم، أو ازدراء الأديان والعقائد السماوية.

أما فيما يتعلق بجهة الانتهاك، تصدَّرت الجهات الأمنية قائمة الجهات المعتدية على الحقوق الرقمية للأفراد، حيث سجلت المؤسسة ارتكاب الأجهزة الأمنية ما لا يقل عن 76 انتهاكًا خلال 2022، بما يمثل 76% من الانتهاكات، يليها المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، الذي سجلت المؤسسة 14 انتهاكًا ارتكبه، ثم الانتهاكات القضائية، والتي سجلت المؤسسة فيها 8 حالات انتهاك، ثم النقابة العامة للأطباء، وقد سجلت حالتي انتهاك، وأخيرًا غرفة شركات ووكالات السفر والسياحة التي سجلت حالة واحدة بإصدار قرار منع النشر.

كما برز خلال عام 2022 مدى توسيع أجهزة الأمن دائرة استهداف الصحافة، فبحسب التقرير لم تكتفِ الأجهزة الأمنية بتضييق الخناق على عمل الصحفيين، بل اضطلعت باستهداف مواطنين قاموا بنشر ڨيديوهات عن تعذيبهم داخل أحد أقسام الشرطة في محافظة القاهرة، بعد نشر جريدة الجارديان البريطانية تقريرًا تناول محتوى تلك الڨيديوهات. وبدلًا من فتح تحقيقات قضائية جادة حول الوقائع الواردة في مقاطع الڨيديو، جرى تقديم كل من ظهر في تلك المقاطع إلى نيابة أمن الدولة العليا باتهامات نشر أخبار كاذبة قبل أن تأمر بحبسهم احتياطيًّا، ليحصلوا فيما بعد على أحكام قضائية وصلت إلى السجن 15 عامًا، ما يزيد من دائرة استهداف الصحافة عبر استهداف المصادر.

وبشكل عام فقد رصدت مؤسسة حرية الفكر والتعبير ما لا يقل عن 63 انتهاكًا تعرَّض لها المجتمع الصحفي والإعلامي خلال 47 واقعة مختلفة في 2022، كان على رأسها حالات القبض على الصحفيين، أو مصادر صحفية، والتي وصل عددها إلى 23 حالة على الأقل، منها 9 حالات لأشخاص كتبت عنهم الصحافة. ويليها  القرارات والإجراءات القضائية الصادرة ضد الصحفيين بواقع ثماني حالات، في اثنين منها تم الحكم على صحفيين بالسجن في قضايا تتعلق بالنشر، وذلك بالرغم من منع المادة 71 من الدستور توقيع أية عقوبة سالبة للحرية في «الجرائم التي ترتكب بطريق النشر والعلانية».

كما رصد التقرير أبرز أنماط انتهاكات حرية الصحافة والإعلام خلال 2022، وتصدرت تلك الانتهاكات  حالات القبض والاستيقاف؛ فخلال عام 2022 وثقت مؤسسة حرية الفكر والتعبير القبص على ما لا يقل عن 14 صحفيًّا، بالإضافة إلى تسعة مواطنين، على خلفية نشر الجارديان تقريرًا عن فيديوهات تُظهر تعذيب بعضهم في قسم شرطة السلام.

وتلى ذلك استمرار ملاحقة الصحافة المستقلة، فقد رصدت مؤسسة حرية الفكر والتعبير خلال 2022 استدعاء السلطات القضائية أربعة من صحفيات موقع مدى مصر: لينا عطالله، بيسان كساب، رنا ممدوح، وسارة سيف الدين، للتحقيق في اتهامهن بـ«نشر أخبار كاذبة من شأنها تكدير السلم العام وإلحاق الضرر بالمصلحة العامة، وسب وقذف نواب حزب مستقبل وطن في البرلمان، والإزعاج باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي»، في حين وجهت تهمة إضافية إلى رئيسة تحرير الموقع لينا عطاالله، بإنشاء موقع دون ترخيص، قبل أن تصدر أمرًا بإخلاء سبيل الصحفيات الأربع بكفالة قيمتها 20 ألف جنيه لرئيسة التحرير وخمسة آلاف جنيه لكل من الصحفيات الثلاث الأخريات، وفق شهادة محاميهم.

بالإضافة إلى اصدار أحكام مشددة على الصحفيين، فعلى سبيل المثال قضت محكمة جنايات أمن الدولة العليا طوارئ بحبس المذيع بقناة الجزيرة مباشر مصر، أحمد طه القاضي، غيابيًّا بالسجن المشدد 15 عامًا، في اتهامه بنشر وإذاعة أخبار وبيانات كاذبة من شأنها الإضرار بالمصالح القومية بالبلاد في القضية رقم 1059 لسنة 2021 جنايات أمن الدولة طوارئ التجمع الخامس، والمقيدة برقم 707 لسنة 2021 كلي القاهرة الجديدة، والمتهم فيها رئيس حزب مصر القوية، عبدالمنعم أبو الفتوح، ونائبه محمد القصاص، فضلاً عن حظر النشر، ومنع تناول قضايا بكافة وسائل الإعلام.

إلى جانب هذا استمرت المجالس الإعلامية في فرض مزيد من القيود على حرية الصحافة والإعلام تحت دعاوى فضفاضة واتهامات تندرج تحت حرية التعبير، حيث رصدت المؤسسة قرارين لكلٍّ من نقابة الإعلاميين والهيئة الوطنية للإعلام ضد اثنين من المذيعين. حيث أصدرت نقابة الإعلاميين قرارًا عاجلًا بإيقاف مقدم برنامج «الماتش» على قناة صدى البلد، هاني حتحوت، ومنعه من الظهور على الشاشات المصرية إلى حين التحقيق معه، ما جاء عقب تصريحات لحتحوت خلال برنامجه ينتقد فيها رئيس نادي الزمالك مرتضى منصور ويرد على هجومه عليه.

كذلك أصدرت الهيئة الوطنية للإعلام في 8 فبراير 2022 قرارًا بإيقاف المذيع حسام حداد، ببرنامج صباح الخير يا مصر، المذاع على القناة الأولى، عن العمل وإحالته إلى التحقيق لما بدر منه في إحدى حلقات البرنامج تعقيبًا على مشاركة النادي الأهلي في كأس العالم للأندية، حيث عبَّر عن أن النادي الأهلي لا يمثل مصر في تلك البطولة بل يمثل نفسه ثم ينسب إلى مصر، كما أضاف متسائلًا هل يجب على جمهور الزمالك تشجيعه؟ قبل أن يجيب بالرفض. وهو الأمر الذي صنفته الهيئة على أنه يغذي التعصب الكروي.

كما قررت الهيئة الوطنية للإعلام إيقاف ٨ إعلاميين بقطاع القنوات الإقليمية بسبب تظاهرهم داخل مقرات العمل تضامنًا مع زملائهم المفصولين عن العمل واعتراضًا على الظروف الحالية داخل القنوات، بالإضافة إلى إيقاف ٤ عاملين من القناة الثامنة عن العمل احتياطيًّا لمدة ٣ أشهر إلى حين انتهاء التحقيقات معهم مع صرف نصف أجورهم، بالإضافة إلى 4 آخرين بالقناة السادسة لنفس الأسباب، والذين تم مد فترة إيقافهم ثلاث شهور أخرى إلى حين البدء في التحقيقات بدون وجود إثبات كتابي لذلك، بحسب ما صرحت به المذيعة ناني عبداللطيف للمؤسسة.

أما عن الحريات الطلابية والأكاديمية، فقد رصدت مؤسسة حرية الفكر والتعبير 7 حالات انتهاك في ملف الحقوق الطلابية، و9 حالات في ملف الحرية الأكاديمية خلال عام ٢٠٢٢. وتصدرت إدارات الجامعات قائمة جهات الاعتداء بواقع 4 انتهاكات على 4 من أعضاء هيئات التدريس بجامعات مختلفة، و3 انتهاكات ضد طلاب.

أما عن حرية التظاهر السلمي، فقد سجلت مؤسسة حرية الفكر والتعبير ما لا يقل عن 624 حالة قبض، على خلفية دعوات 11 نوفمبر التي أطلقها المقاول محمد علي. إذ بدأ استهداف المواطنين على خلفية تلك الدعوات بداية من النصف الثاني من شهر أكتوبر 2022، واستمر ظهور المقبوض عليهم أمام نيابات أمن الدولة حتى نهاية العام. ووفقًا لتقرير المؤسسة انتشرت حالات القبض في محافظات القاهرة، الجيزة، الإسكندرية، القليوبية.

واختتمت المؤسسة تقريرها بأن كل التحركات من قبل السلطات المصرية خلال عامي 2021 و2022 ليست كافية لإبراز جدية السلطة الحالية في الحوار من أجل إصلاحات سياسية حقيقية تساهم في معالجة الوضع الحقوقي والسياسي المتردي الذي وصلت إليه مصر.

ودعت المؤسسة لجنة العفو المشكَّلة من قبل رئيس الجمهورية إلى إعلان المعايير التي من خلالها تقوم بعملها. كما طالبت الأجهزة الأمنية التوقف عن استهداف المواطنين على خلفية تعبيرهم عن آرائهم أيًّا كانت صورها، ودعت المؤسسة رئيس الجمهورية إلى العفو عن جميع من صدرت عليهم أحكام من قبل محكمة أمن الدولة العليا طوارئ على خلفية تعبيرهم عن آرائهم. كما طالبت  السلطات المصرية التوقف عن حجب المواقع الصحفية ومنع القيود التي تُكبِّل المواقع المستقلة.

بالإضافة إلى ذلك طالبت المؤسسة النائب العام بإخلاء سبيل جميع المحبوسين احتياطيًّا على ذمة قضايا الرأي والتوقف عن استهدافهم قضائيًّا، وإلغاء الأحكام القضائية ضد صانعات المحتوى، والتوقف عن ملاحقة مستخدمي تطبيقات التواصل الاجتماعي لأسباب سياسية أو أخلاقية، إلى جانب إلغاء قرارات نقابة المهن الموسيقية بوقف عدد من مطربي المهرجانات عن الغناء، ورفع الحجب عن المواقع الإلكترونية والتي وصل عددها إلى 559 موقعًا ورابطًا من بينها 130 موقعًا إخباريًّا على الأقل جرى حجبها بداية من مايو 2017 وإلى الآن.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة