السودان الجريح.. إلى أين؟

بالرغم من المساعي الدولية لتهدئة الأوضاع في الشارع السوداني، إلا أن الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع تستمر للأسبوع الثالث، دون أيّ بوادر على إيقاف هذا النزيف. وبالرغم من إعلان الطرفين الهدنة للمرة الخامسة، فهناك تقارير عن اشتباكات متقطعة، وخاصة في العاصمة الخرطوم، التي لا يزال دوي الانفجارات والمدفعية يهز أرجائها.

في ظل هذه الأوضاع المتصاعدة من الطرفين، تبحث جميع الأطراف عن إجابة لسؤال، هل يمكن أن يتحول الصراع إلى حرب طويلة الأمد، نظرا لصعوبة حسم هذه المعركة، من كلا الطرفين المتقاربان في القوي والدعم؟

في 23 فبراير 2022، وبعد أربعة أشهر فقط من الانقلاب الذي أطاح بالحكومة الانتقالية في السودان، وجعل محمد حمدان دقلو «حميدتي» أحد الشخصيتين الأقوى في البلاد، كان زعيم قوات الدعم السريع – المجموعة شبه العسكرية التي قاتلت المتمردين المناهضين للحكومة في أطراف البلاد من قبل – يتأهب لتعزيز صعوده السياسي، بعد أن أحكم إعداد أوراقه السياسية.

وبعد  اندلاع التوتر بين الخصمين علنًا، إذ اشتعلت اشتباكات بين قواتهما في شوارع الخرطوم، وفي مختلف أنحاء البلاد، منذ أيام ماضية، يتنافس الجانبان على احكام السيطرة على المواقع الاستراتيجية، إلا أن التفوق الجوي للقوات المسلحة يمثل ميزة كبيرة حتى الآن. حيث نجحت القوات المسلحة في طرد قوات الدعم السريع من المناطق الرئيسية في الخرطوم. من جانبه، قام حميدتي بتصعيد خطابه الإعلامي في الأيام التالية، وخرج ليصف البرهان بالمجرم الذي ستتم ملاحقته ويدعو إلى التدخل الأجنبي للإطاحة بالجنرال، الذي وصفه بأنه «إسلامي».

اقرأ أيضا: السودان.. صداقة دامت أكثر من 20عاما تنتهي بالمواجهة المسلحة

القوي المتقاربة

للوهلة الأولى بالنظر على هذا الصراع، قد يرى البعض أن القوة العسكرية للجيش السوداني تميل الكفة لصالحه، إلا أن ما يحدث على أرض الوافع، يؤكد تكافؤ موازين القوى وتقاربها بنسبة كبيرة، حيث يتفوق الجيش السوداني عدديا على قوات الدعم السريع، ولكن قوات الجيش ليست جميعها قوات قتالية فمنها الخدمي والفني.

أما عن التسليح، فإن الجيش السوداني يمتلك التسليح الثقيل، سواء من طيران أو مدفعية ثقيلة، وهذا لا يميل كفة الجيش، فالمعركة تدور داخل المدن والشوارع “حرب عصابات”، واستخدام الطيران والمدفعية الثقيلة داخل الشوارع يسبب خسائر وخيمة، ويزيد من سخط الشارع، وعلى العكس، فإن تسليح قوات الدعم السريع من الأسلحة الخفيفة وعربيات الدفع الرباعي، التي تتميز بسرعة الحركة، يعطي ميزة نسبية أكبر لقوات الدعم في معارك الكر والفر.

كذلك عامل التدريب، فقد حظيت قوات الدعم على تدريب من شركة فاغنر الروسية، المتخصصة في مجال حرب المدن ومكافحة العصابات، مما جعل لقوات الدعم أسبقية في السيطرة على شوارع العاصمة، ولكن سلاح الطيران في الجيش السوداني، استطاع ان يقطع عنها موارد الإمداد من محاور عدة، لذلك لا نستطيع التكهن بأن أي من اطراف النزاع يستطيع أن يحسم الصراع لصالحه.

اقرأ أيضا: اقتتال وتخوف من حرب أهلية.. ماذا يحدث في السودان؟

التجربة العراقية والسورية

حققت قوات الدولة الاسلامية “داعش”، في سوريا والعراق، مكاسب سريعة خلال معاركها الأولى مع الجيشين السوري والعراقي. وتمكنت الميليشيا من احتلال عدة مدن واحكام السيطرة عليها. ثم استطاعت الجيوش النظامية في كلا البلدين من حصار تلك المدن والمناطق، وحققت تقدم بطئ، حتى نجحت في اعادة السيطرة على كافة المناطق.

وقد أثبت نجاح الجيوش النظامية، أن الميليشيا خفيفة الحركة والتسليح، قادرة على احتلال المدن السكنية والأحياء، ولكنها غير قادرة على احكام السيطرة عليها لمدة طويلة.

لذلك فمن المتوقع أن تحقق قوات الدعم نجاحات كبيرة في الأسابيع الأولى من المعارك، مما يضع القائد “حميدتي” في موقف قوي على طاولة التفاوض، ولكن في حالة مد أمد الصراع لشهور وربما سنوات، لن تكون النتيجة النهائية لصالح “الدعم”.

حصاد الصراع

أسقطت الحرب اكثر من ٥٢٨ قتيلا و ٤٥٩٩ جريحا، وفق آخر إحصائية أعلنتها وزارة الصحة السودانية، ومن المرجح أن تكون الأعداد أكثر من ذلك. كما نزح ما يقرب إلى ٧٥ ألف سوداني، إلى دول الجوار، مصر وإثيوبيا وتشاد وجنوب السودان، وفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية.

في السياق ذاته، أعرب الأمين العام للأمم المتحدة “أنطونيو غوتيريش” عن أسفه لاستمرار القتال فيما “ينهار البلد”، بحسب ما قال في تصريح لقناة “العربية” الإخبارية السعودية، ضمن مساعي دولية مستمرة لإجلاء الرعايا من المنافذ البرية والبحرية والجوية.

في حين يعاني السكان المحاصرين بسبب القتال، من صعوبة في الحصول على الغذاء والمياه والوقود، ويتوقع برنامج الاغذية العالمي، أن يواجه الملايين من السودانيين الجوع، بحيث كان ثلث السودانيين البالغ عددهم ٤٥ مليون نسمة، بحاجة الى مساعدات غذائية، قبل اندلاع الحرب. خاصة مع تزايد أعمال النهب، وإضرام الحرائق، بما في ذلك مخيمات النازحين، بحسب منظمة أطباء بلا حدود التي اضطرت إلى وقف جميع أنشطتها بغرب دارفور.

جدير بالذكر أنه تم الإطاحة بالبشير في عام 2019 ،  بعد ما يقرب من ثلاثة عقود تعرض فيها السودان للنبذ دوليًا. وفتح النظام الجديد الباب أمام إعادة العلاقات مع الغرب وإعادة بناء اقتصاد مزقته العقوبات والفساد. مع هذا الانفتاح، ظهرت فرص للعديد من الجهات المحلية الفاعلة، التي بدأت تقدّم نفسها باعتبارها مسؤولة سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا أمام الخارج، الذي يتطلع إلى تأمين النفوذ في بلد يتمتع بموقع استراتيجي على البحر الأحمر، ويُعد بوابة إلى حزام الساحل الإفريقي، ويضم احتياطيات كبيرة من الذهب والمياه والنفط.

اقرأ أيضا: مطالبات بتفعيل اتفاقية “الحريات الأربع” والسماح بدخول السودانيين مصر بدون تأشيرة

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة