اقتتال وتخوف من الانزلاق في حرب أهلية.. ماذا يحدث في السودان؟

استيقظت المدن السودانية السبت على حالة من الكر والفر وتصاعد كبير في الأحداث، واقتتال بالأسلحة الثقيلة والدبابات والطيران الحربي بين الجيش وقوات الدعم السريع.

ويأتي هذا التصعيد بعد أيام من توتر الأحداث بين عبد الفتاح البرهان، قائد القوات المسلحة والرئيس الفعلي للبلاد من جهة، ونائبه قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو المعروف بحميدتي، بعدما اختلفا على مسار الاتجاه الذي تسير فيه البلاد وعلى مقترح الانتقال إلى حكم مدني.

وأسفرت المعارك بين الجيش وقوات الدعم السريع شبه العسكرية في السودان عن مقتل 56 مدنيًا على الأقل وعشرات العسكريين، وإصابة نحو 600 شخص آخرين، كما ذكرت نقابة الأطباء صباح الأحد. وقالت لجنة أطباء السودان المركزية، المنظمة المستقلة والمؤيدة للديموقراطية، إن «إجمالي القتلى المدنيين بلغ 56». وتحدثت أيضًا عن «عشرات الوفيات بين العسكريين» لا تشملهم هذه الحصيلة، وأشارت إلى أن العدد الإجمالي للجرحى بلغ 595 «من بينها إصابات لعسكريين، منهم عشرات من الحالات الحرجة».

وأوضحت أن هذه الحصيلة تتضمن «إجمالي عدد القتلى والمصابين الذين تم حصرهم من المستشفيات والمرافق الصحية»، مشيرة إلى «إصابات ووفيات بين المدنيين لم تتمكن من الوصول إلى المستشفيات والمرافق الصحية بسبب صعوبة الحركة». وكانت حصيلة سابقة تحدثت عن «مقتل 27 شخصًا» بينهم اثنين في مطار الخرطوم وجرح 170 آخرين.

ويعتبر البرهان الرئيس الفعلي للبلاد منذ عزل البشير عام 2019، فيما يترأس حميدتي قوات الدعم السريع التي شكلت عام 2013.

وتعود أصول قوات الدعم السريع إلى ميليشيا الجنجويد التي قاتلت المتمردين في دارفور عام 2013، ومنذ ذلك الحين، بنى الجنرال دقلو قواتًا قوية تدخلت في صراعات في اليمن وليبيا، وهي تسيطر على بعض مناجم الذهب في السودان.

ومنذ تشكيل هذه القوات وهي تتبع لهيئة العمليات بجهاز الأمن والمخابرات السوداني، ثم قرر البشير لاحقًا من خلال البرلمان بإجازة وضعها تحت إمرته باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة في 2017. واتهمت هذه القوات بارتكاب انتهاكات ضد حقوق الإنسان، بما في ذلك مجزرة قتل لأكثر من 120 متظاهرًا في يونيو 2019، كما ينظر لها على أنها القوة خارج إطار الجيش ما يساهم في عدم استقرار البلاد.

وبحسب خبراء ومحللين فإن هذه القوات استدعاها البشير للخرطوم عام 2019 للاستعانة بها في محاولة قمع الثوار، ومن يومها لم تغادر العاصمة بل عززت وجودها العسكري فيها. ومنذ الإطاحة بنظام البشير وتولي القيادة العسكرية الحالية زمام السلطة أدخلت تلك القوات إلى حلبة الصراع على السلطة، وسعت للاستقواء بها في المواجهة مع المكون المدني.

وتأتي  أعمال العنف التي يشهدها السودان بعد أيام من التوتر مع إعادة نشر قوات الدعم السريع لعناصرها حول العاصمة، في خطوة رأى فيها الجيش تهديدًا. وذلك بعد أن فشل الحوار بين البرهان وحميدتي في التوافق حول مسار البلاد.

وحتى الآن لا يوجد دليل واضح حول من بادر بإطلاق النار صباح يوم السبت، إذ يتبادل البرهان وحميدتي الاتهامات، فيما ادعى كل طرف سيطرته على مطار الخرطوم ومنشآت عسكرية وحيوية أخرى. في المقابل هناك مخاوف من أن يؤدي ذلك إلى تفاقم الوضع المتوتر بالأساس.

وكانت مصادر عسكرية قد قالت لرويترز إن قوات الدعم السريع بدأت في إعادة نشر وحدات في العاصمة الخرطوم وأماكن أخرى وسط محادثات جرت الشهر الماضي.

وتصاعد التوتر الخميس الماضي، بعد نقل بعض قوات الدعم السريع بالقرب من مطار عسكري بمدينة مروي في شمال البلاد، في خطوة قال الجيش إنها اتُخذت دون موافقته.

سلط التطور الضوء على خلافات قائمة منذ فترة طويلة، ويتخوف محللون وباحثون من استمرار القتال بين قوات الجيش والدعم السريع في السودان، إذ قد يؤدي هذا إلى المزيد من الاضطرابات ومن ثم تتفاقم الأزمة السياسية في البلاد، وهو ما سيصعب على الدبلوماسيين الذين لعبوا دورًا حاسمًا في الحث على العودة إلى الحكم المدني إيجاد طريقة لإقناع الجنرالين على خوض محادثات جديدة، وهو ما يعني دخول السودان مرحلة جديدة أكثر صعوبة.

وتأتي المواجهات الحالية بعد سلسلة من الأزمات التي أعقبت الإطاحة بالرئيس عمر البشير من سدة الحكم في عام 2019، بعد أن شهدت البلاد موجة من الاحتجاجات الكبيرة في شوارع البلاد للمطالبة بإنهاء حكمه الذي دام لنحو ثلاثين عامًا،  لتنتهي مسيرته بعد قرار الجيش بالانقلاب عليه.

في المقابل واصل المدنيون المطالبة بدور في مشروع الانتقال إلى حكم ديمقراطي، والتخلص من الحكم العسكري للبلاد، وتشكلت حكومة مشتركة من المدنيين والعسكريين، لكنها أسقطت لاحقًا بعد انقلاب عسكري آخر في تشرين الأول/أكتوبر 2021. ومنذ ذلك الحين، تصاعدت حدة التنافس بين البرهان وحميدتي.

وقد شهد الربع الأخير من العام الماضي خلافًا بين الطرفين بعد إعلان حميدتي وبشكل منفرد تأييده لمشروع دستور انتقالي أعدته نقابة المحامين السودانيين، ينص على إبعاد المؤسسة العسكرية عن الحكم، ودمج كل القوات الأخرى في الجيش السوداني، في عملية إصلاح أمني وعسكري شامل، تنتهي بقيام جيش مهني واحد وبعقيدة عسكرية واحدة.

وفي السياق نفسه، اتهمت قوى الحرية والتغيير، وهي التحالف الرئيسي المؤيد للديمقراطية في السودان، «فلول» نظام الرئيس السابق عمر البشير الذي أُطيح به في انقلاب عام 2019، بتأجيج الخلاف بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع، مما يقوض الانتقال إلى حكومة مدنية.

وقالت «قوى الحرية والتغيير»، وهي ائتلاف مكون من أحزاب مؤيدة للديمقراطية، في بيان: «المخطط الحالي هو مخطط لفلول النظام البائد يهدف لتدمير العملية السياسية».

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة