كل سنة وأنتم طيبون

عيد الفطر تلك المناسبة العظيمة التي ينتظرها المسلمون بفارغ الصبر بعد تمام واجب الصيام والتعبد طيلة الشهر الفضيل، هو مكافأة ويا لها من مكافأة تمتزج فيها مشاعر الفرح والخير والاستبشار والأمل في مغفرة وعفو الله عز وجل، وللعيد طابعه الخاص في توحيده للمسلمين روحيًا في كل دول العالم، ناهيك عن تشابه العادات والتقاليد بين مختلف الأقطار وخاصة العربية منها. كما للعيد نكهته الخاصة وتقاليده الجميلة في صعيدنا المصري الحبيب، وأردت أن أشارككم بعضها في هذه السطور.

العيد.. تغير الشكل لكن المضمون قائم 

وأنت تسارع للذهاب إلى المسجد تتسارع خطوات الأطفال كما الكبار وهم محملين  بعلب كرتونية أو بلاستيكية  مليئة بأصناف الحلويات اللذيذة التقليدية منها والعصرية، ولا ضرر إن كانت بعض الحلويات منقولة أو مستوردة من مواقع إلكترونية متخصصة من هنا وهناك، لتوضع تلك العلب في مكان مخصص لها في المسجد حتى يستفيد منها لاحقًا كل محتاج من دون أن يحس بالإحراج أو الدونية، كما يمكن لكل مرتادي المسجد الاستفادة من هاته الحلويات بعد فراغهم من الصلاة، فالكل متساوون في حضرة العيد، إذ تزول كل الطوابق الاجتماعية بين الأفراد ولا تسمع من أفواههم إلا كل سنة وأنت طيب، ولا ترى في وجوههم إلا ابتسامات عريضة زادتها تباشير العيد احمرارًا وإشراقًا.

الترمس والنابت وغيره..

إن تتوجه إلى البيت حتى يبادرك أهل البيت بالمعايدة والسلام، لتقوم أنت بدورك بتهنئتهم وتوزيع عيدية العيد على أطفالك من أبناء وأقارب وأبناء جيران، ثم تهم بالانصراف إلى المضيفة أين تجد الترمس والنابت والرز باللَّبن، فعلى الرغم من غزو أصناف جديدة من الحلويات إلا أن هذه الأطباق التقليدية لا تزال سيدة المائدة لما تعنيه لنا نحن المصريون من قيمة ولكونها أطباق طبيعية غنية بالفوائد الغذائية والصحية.

العيد.. حب

العيد أيضًا رسالة حبيب واطمئنان حبيبة، هناك من تصنع معايدتك له فارقًا كبيرًا في حياته، وهناك من ينتظر اتصالك بفارغ الصبر، وهناك أيضًا من ينتظر منك همسة فقط تجعل أيامه كلها عيد. أن تصلك رسالة صباحية بمجرد أن تفتح هاتفك مضمونها «كل سنة وأنت طيب» فهذا في حد ذاته عيد.

دائما ما يُشاع أن وسائل التواصل الاجتماعي قضت على حميمية العلاقات الاجتماعية، لكن لي رأي خاص في أنها عمَّقت تلك العلاقات، وحافظت على التواصل الدائم بين الأحبة والخلان، فلا تكن بخيلًا في مشاعرك على من تحب، فلطالما أثبت الكلمة الطيبة فعاليتها في تهدئة النفوس ومداواة القلوب.

العيد.. بداية أفراح

آه، قبل أن أنسى جرت عادة عندنا في الصعيد أن تُؤجَّل العديد من المناسبات لدى العديد من العائلات خاصة ما تعلق بالزواج والأفراح، فدائمًا ما نسمع فلان خطب وسيتزوج بعد العيد، أو فلانة جايين يخطبوها بعد العيد وهكذا، وكأن العيد مرحلة حاسمة وتقويم جديد في حياة من يخططون للزواج، ليكون العيد بداية أفراح المصريين وتعلو الزغاريد بيوت العائلات.

العيد.. صل رحمك

إن كان للعيد معنى آخر فهو وصل الرحم، إذ تحرص العائلات في الصعيد كغيرها من محافظات مصر على تبادل الزيارات بين الأقارب والأهل والجيران، وحتى التنقل لمسافات بعيدة بغرض الاطمئنان على الأحبة والخِلان، ولا تستبعد أن يلتقي الأحبة بعد فراق طويل أو يتصالح المتخاصمون بعد عداوات وشجارات فقط لأنه عيد الرحمة والمغفرة، ينسى فيه الناس أحقادهم ويخلفونها وراء ظهورهم، ليبدأوا صفحة جديدة من النقاء والصفاء.

العيد صفاء

العيد لمن يدرك كنهه، فهو صفاء للروح وسمو للنفس وعلو للأخلاق، فمن صام رمضان وأفطر مستحضرًا عظمة هاتين المناسبتين جاز لنا أن نقول أنه أدرك المغزى الحقيقي لهما، ومن ألفت نفسه طعم الطاعات والعبادات في هذا الشهر الفضيل فالأكيد أنه لن يجد بُدًّا في جعلها سنة حياتية.

ليبقى العيد مناسبة دينية تعكس مدى صمود موروثنا الحضاري والثقافي والديني على مر الأجيال في وجه سيول العولمة الجارفة، التي وإن أهدتنا العلب البلاستيكية والكرتونية لتوزيع الحلوى فأنها لم تقضِ على طبق الرز واللبن، النابت.. وغيره.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة