بين رمضان وعيد الأم.. هل تُكرم الأمهات بالفعل؟

يتزامن بدء شهر رمضان هذا العام مع عيد الأم، وهي مناسبة نكرم فيها الأمهات على جهودهن معنا طوال العام، ستجد أحدهم يهادي أمه بكلمات يعبر فيها عن قوة تحملها وتفانيها وتضحياتها لإسعاد أولادها، وستجد الآخر يحكي عن دور أمه في تغيير شكل حياته وكيف قدمت له الرعاية والاهتمام لسنوات طويلة من دون أن تنتظر مقابل، لتحظى في هذا اليوم بهدية معتبرة حتى تنال من التكريم ما تستحقه. فهل الأمهات يكرمن فعلًا بهدايا عيد الأم؟

فمثلًا، في شهر رمضان يتغنى الجميع باللمة الحلوة واللقمة الطيبة، ونستمتع فيه جميعًا بأشهى وأطيب المأكولات ولحظات الاسترخاء بعد امتلاء بطوننا بما نحب وننتظره كل عام، وفي الكواليس تعيش الأمهات مأساة حقيقية يوميًا طوال الشهر من أجل تحضير مائدة شهية لا ينقصها شيء، حتى ترى على الوجوه تلك السعادة التي نتغنى بها، ثم تتوالى فقرات تنظيف المنزل والمطبخ وتقديم الحلويات وتبدأ في تحضير السحور، وتدور نفس العجلة كل يوم حتى نهاية الشهر الكريم.

ما تعيشه الأمهات من أزمات في مجتمعنا المصري تتجاوز التضحيات التي يحكي عنها الأبناء، مثال بسيط عن شهر رمضان في بداية حديثنا أوضح ما تعانيه النساء في مناسبة نشعر جميعًا فيها بالسعادة إلا الأمهات، كأنه حكم بالأشغال الشاقة لمدة 30 يومًا، حتى في الأعياد يتم الحكم عليهن بالطبخ والتنظيف واستكمال تلك الأشغال الشاقة، لتنعم العائلة أيضًا باستمرار الجمعة الطيبة، ونلتقط فيها صورة جماعية الجميع فيها يستمتع بالمناسبة إلا الأمهات.

وتعاني الأمهات في مصر من أزمات اجتماعية كالأعباء المنزلية التي تقع على عاتقهن وحدهن، ومن دون مقابل، بل والتنميط الاجتماعي وحصرها في هذا الدور، حتى أصبحت المرأة تنظر لنفسها في المرايا منذ الصغر كأم وربة منزل فقط، وخلال عمرها تعامل كل رجل في دائرتها أنه غير مكلف بذلك، وأن هذا العبء هو من نصيبها فقط، بل تدلل أبناءها وتسعى في استمرار التنميط بعد ذلك داخل بيوتهم، إلى جانب ما تعانيه من أعباء قانونية تنزع عنها مواطنتها لتعاملها كخادمة للأطفال يقتصر دورها  على الأمومة، وتقوم بهذا الدور بموجب القانون لا كحق تستمتع به كامل كما هو الحال في التعامل مع الآباء في القانون المصري، حيث تجد القانون مثلًا يحتفظ بالولاية القانونية للأب في حالة الطلاق، ويلزم الأم بخطوات إجرائية طويلة للحصول عليها، وذلك على الرغم من إلزام الأم برعاية الأطفال وتوفير النفقات لهم، والتي لا يلبيها الرجل في ظل قوانين مجحفة تحكم للأطفال بأرقام لا تسمن ولا تغني من جوع. 

كذلك تعاني الأمهات من التهميش والتقليل المجتمعي والقانوني، حيث يتجاهل قانون العمل ما تعانيه النساء من رفض وإقصاء بسبب كونهن أمهات، ويكتفي بما وفره من إجازات وضع تحرمها أحيانًا من استكمال مسيرة عملها، بسبب رفض صاحب العمل توظيف أو الاستمرار في توظيف شخص له الحق في الحصول على 3 أشهر مدفوعة بلا عائد أو منفعة، وهو قانون قاصر لا يرى الواقع كما هو. وحتى عند تعديل النص الخاص بتوفير حضانة لأطفال الموظفين، خص القانون بذلك “الشركات التي تعمل بها 100 موظفة”، ويتجاهل أولًا أن الرعاية يجب أن تكون مشتركة، كما يضع سببًا جديدًا لإقصاء الأمهات، ما يزيد الفجوة ويقطع طريق التمكين الاقتصادي للنساء.

أزمات قانونية أخرى تحرم النساء من حقهن في الحصول على حقوقهن الاقتصادية مقابل الأعمال غير المدفوعة من رعاية الأبناء وخدمة أفراد المنزل، حيث تقتصر الحقوق المكفولة لهن في حالة الطلاق فقط على مؤخر تختفي قيمته مع التعويم، وقائمة منقولات أشبه بالكراكيب، وبعض النفقات للأطفال لا يساوي مجموعها معًا شيئًا، والحكم فيها يكون سنويًا، بمعنى أنه على الأم التي نكرمها كل عام أن تذهب إلى المحكمة كل سنة لتحصل على نفقة أولادها للمدارس والكسوة صيفًا وشتاءً وغيره.

تعاني الأمهات لكونهن نساء أيضًا من واقع معنف، يأتي العنف النفسي فيه في المرتبة الأولى، حيث تُمنع النساء أمهات المستقبل بعد الزواج من الحق في الحياة الخاصة، ومن ملكية قرارها في شئونها واختياراتها وجسدها، وهذا بموجب القانون والشرع. ليست فقط الحياة الخاصة، فالقانون يكفل للزوج أو “أبو الولاد” حق حبس وتأديب الزوجة أو “أم الولاد”، كما يحرمها من فرصة للعيش حياة كريمة في حالة الطلاق بحرمانها من فرصة العمل، وحصر دورها بين أربعة جدران بحجة التكريم، لتصطدم بحقيقته من فترة الحمل قبل أن تحصل على اللقب، فتأتي هي في ذيل قائمة الأولويات، ثم في الولادة تتعرض للتقليل من آلامها وتركها وحدها تمر بحزن ما بعد الولادة غير مهتمين بما تشعر بها، ونجدها تتألم من الرضاعة ولا أحد يهتم، لا تنام بشكل كافي ولا تحصل على حقها في الراحة، ويبقى الجميع صامتين مؤكدين أن هذه هي الأمومة، هذا هو التكريم، لا لتقصير أحدهم.

ولا يقتصر ما تمر به الزوجات والأمهات في حياتهن على العنف النفسي، فتعيش النساء أيضًا عنفًا بدنيًا وجنسيًا من الشريك، بموجب القانون والدين أيضًا، اللذان كفلا حق تأديب الزوج للزوجة – أم المستقبل – بدنيًا إذا ثبت نشوزها، أي عدم طاعتها له، كما هو الحال في الاغتصاب الزوجي الذي لا يعترف به القانون أصلًا كجريمة، فهو حق أصيل، وتحويل عقد الزواج إلى عقد نكاح وتمكين الرجل من وطء زوجته – أم الولاد- وقتما شاء.

هذه هي نبذة عن أوضاع الأمهات اللاتي يكرمن في عيد الأم قانونيًا واجتماعيًا بغطاء شرعي، فهل هناك أمل أن نرى نوعًا آخر من التكريم يحسن من حياتهن ويوفر لهن فرصة لحياة أفضل؟ حياة خارج إطار كونهن أمهات مضحيات فقط، وكأنه طوق حديد يلتف حول رقاب النساء ليحرمهن من حقهن في الحياة للأبد، حتى أصبح الشعار المناسب في عيد الأم هو “الحرية لهؤلاء الأمهات” اللاتي ضاعت أعمارهن بلا ولاية ولا حقوق ولا عائد ولا حتى حماية، الحرية للأمهات اللاتي يعشن القهر كل يوم في صورة مثالية مسمومة عن الأمومة تنتزع عنهن إنسانيتهن وتفقدهن الفرصة الوحيدة للعيش بكرامة لا بتكريم زائف.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة