حرية الفكر والتعبير ترصد القيود المفروضة على الإبداع في معرض الكتاب

أصدرت مؤسسة حرية الفكر والتعبير تقريرًا رصديًا عن معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته 54، بعنوان “الممنوع في معرض القاهرة الدولي للكتاب.. تقرير عن فعاليات النسخة الـ54 من المعرض”.

اعتمد التقرير على شهادات 6 كتاب وأصحاب دور نشر، شارك أغلبهم في معرض الكتاب في نسخته الـ54. كما اعتمد التقرير على قراءة التقارير والبيانات التي أصدرتها مؤسسة حرية الفكر والتعبير عن المعرض خلال السنوات الماضية، بالإضافة إلى قراءة في أهم الأخبار والتقارير التي تتناول المعرض.

يأتي التقرير للحديث عن جانب من القيود المفروضة على الأنشطة الثقافية في مصر فيما يتعلق بالنشر والكتابة والمشاركة بالمعرض، بحسب التقرير الرصدي.

تحدث التقرير عن جانب من المعرض  الذي انعقد  تحت شعار “على اسم مصر.. معًا نقرأ، نفكر، نبدع”، بمشاركة ما يقرب من 1047 ناشرًا مصريًّا وعربيًّا وأجنبيًّا، ووزارات ومؤسسات مصرية، وبمشاركة 53 دولة، من بينها دول تشارك لأول مرة: المجر، جمهورية الدومينيكان، وعدد من المؤسسات العربية.

وأشار التقرير إلى القيمة التاريخية للمعرض، إذا يعتبر الحدث الثقافي الأكبر في مصر منذ تأسيسه عام 1969، ولا يزال مقصدًا لمئات الآلاف من المثقفين سواء داخل مصر أو خارجها. ووصل عدد الزائرين في نسخته محل التقرير 3.5 ملايين زائر تقريبًا.

كما قارن التقرير المعرض في نسختيه القديمة والحديثة، وكيف آثرت هذه المقارنة على طبيعة المعرض وهويته، حيث كان يقام في نسخته القديمة في أرض المعارض بمنطقة مدينة نصر، وكانت تنتشر به السرادقات، الأمر الذي تمخضت عنه فعاليات حية، بينها حفلات التوقيع والمناظرات وفي بعض الأحيان الاحتجاجات، لكن الأمور تغيرت خلال السنوات الأخيرة، فمنذ قررت الحكومة المصرية في 2019 نقل المعرض إلى “مركز مصر للمعارض الدولية” التابع للشركة الوطنية للمعارض والمؤتمرات الدولية التابعة للجيش، بدلًا من مدينة نصر مكان إقامة المعرض خلال 20 عامًا، وألغيت الخيام والصالونات التي كانت تحتل شوارع المعرض، وحلت محلها قاعات في بنايات خرسانية فخمة، ما جعل نشاط المعرض مقصورًا على بيع وشراء الكتب.

وسلط التقرير الضوء على أصوات مكتومة ودور نشر مُنعت من المشاركة في الدورة 54 للمعرض، بما يمكن وصفه بأن المعرض أصبح مكانًا لتلقي إبداعًا لا يُغضب الدولة، حيث رصدت المؤسسة عددًا من الانتهاكات في المعرض تتعلق جميعها بحرية التعبير والحق في الإبداع، تعددت بين منع دور من المشاركة، أو الأمر برفع كتب من الأرفف أو منعها من المنبع بمنع إعطاء الكتب رقمًا للقيد.

ومن بين الأمثلة التي ذكرها التقرير عن عدم مشاركة بعض دور النشر، ما قاله الناشر محمد هاشم: “إن دار ميريت لن تشارك في الدورة القادمة من معرض القاهرة الدولي للكتاب، التي انطلقت يوم 24 يناير الماضي، بسبب تعثرها ماديًّا في سداد مديونيات متأخرة لوزارة الثقافة، رغم وعودها السابقة بالتسوية مقابل شراء بعض إصدارات الدار”.

كذلك استدل التقرير باستياء بعض الناشرين من ارتفاع إيجارات المساحات المخصصة للعرض بمعرض الكتاب من 1200 جنيه للمتر العام الماضي إلى 1350 جنيهًا هذا العام، أي بنسبة 12.5%، ما دفع وزيرة الثقافة نيفين الكيلاني، إلى إصدار قرار بتخفيض نسبة الزيادة إلى 5% فقط، مع طرح حلول لصغار الناشرين الذين لا يستطيعون إيجار جناح بأكمله في هيئة جناح مجمع بمساحة 45 مترًا يتسع لـ12 ناشرًا صغيرًا (3.5 متر للناشر الواحد).

وأيضًا أشار التقرير إلى إعلان  دار تنمية، عن عدم المشاركة في المعرض بدورته هذا العام أيضًا دون أسباب معلنة، وذلك بعد منعها من المشاركة في المعرض عامين على التوالي بعد القبض على مؤسسها خالد لطفي ومحاكمته عسكريًّا بالحبس خمس سنوات مع الشغل والنفاذ بتهمتي إفشاء أسرار عسكرية وإذاعة أخبار وبيانات ومعلومات كاذبة، وذلك لنشره كتاب المؤرخ الإسرائيلي “يوري بار جوزيف”، والمعنون في ترجمته إلى العربية بـ”الملاك: الجاسوس المصري الذي أنقذ إسرائيل”. بالاتفاق مع الدار العربية للعلوم في لبنان، صاحبة امتياز ترجمة الكتاب إلى العربية، بطبع نسخة منه في مصر ليكون سعرها في متناول القارئ المصري.

وأوضح التقرير، أن أجواء النزاع على الشرعية بين الحكومتين المتنافستين في ليبيا وصلت إلى معرض القاهرة الدولي للكتاب، فقد كشف رئيس اتحاد الناشرين الليبيين علي عوين في بيان تناقلته مواقع صحفية عدة، حقيقة ما تردد عن وقف مشاركة ليبيا في معرض القاهرة الدولي للكتاب. وبحسب البيان: “قرار المنع صدر من وزارة الخارجية المصرية، بعد تقديم وزارة الثقافة بالحكومة الموازية، طلب المشاركة بدلًا من وزارة الثقافة بحكومة الوحدة الوطنية”.

وخلال الأسبوع الأول في المعرض أعلن المؤلف الدكتور محمد مدحت مصطفى عبر صفحته على فيسبوك رفع كتابه الصادر عن دار المنتدى، والذي حمل اسم: “تاريخ الحركة الصهيونية وتنظيماتها” من جناحها في معرض القاهرة الدولي للكتاب دون أسباب واضحة، الأمر الذي علقت عليه الدار في بيان لها، بأن جهات أمنية طالبت برفع الكتاب دون أن يتلقَّ إخطارًا رسميًّا بالمنع، كما لم يقم من أسماهم البيان بـ”الجهات الرسمية” بمصادرة كتاب “تاريخ الحركة الصهيونية وتنظيماتها”، لكن الدار “تعرضت لمضايقات أمنية خلقت أجواء غير مريحة حوله، ولا نعرف السبب في ذلك خاصة أن الكتاب أكاديمي يؤرخ لتاريخ الجمعيات الصهيونية في مصر، وبدايتها وأدوارها في فترة ما قبل ثورة يوليو، من وجهة نظر حيادية تمامًا”، حسبما أوضح البيان.

وفي شهادته، وصف سيد صابر، مدير النشر في دار المنتدى التي صدر عنها الكتاب، ما حدث من مضايقات أمنية دفعت الدار إلى رفع الكتاب من العرض. وبعد عدة أيام أعلن مؤلف الكتاب مرة أخرى على صفحته عن عودة الكتاب للعرض في جناح الدار بالمعرض دون معرفة حقيقة ما جرى بالضبط، وكان مصطفى قد وجّه الشكر على صفحته الشخصية على فيسبوك إلى “من تضامنوا مع حرية التعبير حتى عودة الكتاب”، في إشارة إلى أن عودته إلى أرفف جناح الدار بالمعرض جاءت بفضل حالة التضامن على مواقع التواصل الاجتماعي.

وتحت عنوان الأصوات المكتومة بالمعرض، أشارت المؤسسة إلى رصدها انتهاكات أخرى، بينها ما حدث مع الكاتب السياسي أنور الهواري، الذي مُنع كتابيه “ترويض الاستبداد” و”الديكتاتورية الجديدة” من العرض خلال معرض الكتاب. وبحسب تعليق الهواري تم إنزال الكتابين عن الأرفف بقرار من جهة غير معلومة، لا سند له من القانون، فانتقلت الكتب من الأرفف المفتوحة إلى الكراتين المغلقة، رغم اتخاذ الكتابين دورهما في الإجراءات المعتادة لصدور أي كتاب وعرضه بالمعرض من مراجعة ليحصلا على رقمي إيداع بعد إرسال دار النشر كل التفاصيل.

وفي السياق نفسه، مُنع كتاب الدكتور خالد عبد الرحمن، أحد أعضاء حركة “أطباء بلا حقوق” سابقًا، من المشاركة في معرض القاهرة للكتاب هذا العام،  وقال: “بعدما اتفقنا مع الناشر وانتهينا من الكتابة وأصبح الأمر متوقف على رقم الإيداع ودخول المطبعة، إلا أن الناشر أبلغني منع الكتاب من الحصول على رقم إيداع دون إبداء أسباب من الرقابة، وهو ما كنا نتحسب حدوثه”، مرجحًا أن يكون سبب الأوامر برفع الكتاب عن الأرفف هو موضوع الكتاب أو اسم الكاتب، صاحب النشاط المعارض على السوشيال ميديا. ويعد منح رقم للإيداع إجراء اعتياديًّا يصاحب إصدار أي كتاب جديد، حيث أن دار الكتب هي المسؤولة عن منح تراخيص الكتب من خلال ما يعرف بأرقام الإيداع.

ويتناول الكتاب الذي حمل عنوان “42 شارع القصر العيني” نشأة نقابة الأطباء المصرية وتطورها وطريقة تفاعلها مع أنظمة الحكم المختلفة، بداية من الملكية مرورًا بعصر الرئيس جمال عبد الناصر ثم الرئيس أنور السادات، وصعود جماعة الإخوان المسلمين إلى مجلس النقابة، فضلًا عن نشأة حركة أطباء بلا حقوق ثم ثورة يناير والأثر السياسي على النقابة، ومن ثم  تراجع دورها بعد ٣٠ يونيو ٢٠١٣، ومحاولات إعادة إحيائها ونشأة رابطة العاملين بالصحة.

كما يشير الكتاب إلى إضراب الأطباء في أعوام ٢٠١١ و٢٠١٢ و٢٠١٤، وينتهي بأحداث الجمعية العمومية الحاشدة لنقابة الأطباء والتي عرفت بـ”يوم الكرامة” في ٢٠١٦، والتي انتهت قراراتها إلى لا شيء، ما أدى إلى فقدان الأطباء الأمل في الخلاص الجماعي وسيادة منطق الخلاص الفردي، فارتفعت معدلات استقالة الأطباء من وزارة الصحة والهجرة إلى الخارج بداية من هذا العام.

وصفت المؤسسة ما حدث مع كتاب “٣٤ القصر العيني” بأحد أنواع الرقابة السابقة على الأعمال الإبداعية، وهي الرقابة التي تتم على الأعمال الأدبية قبل النشر وتأخذ عدة أشكال: الرقابة الذاتية التي يمارسها الكاتب نفسه على نفسه، ورقابة دار النشر ومعايير قبولها للأعمال التي تقوم بنشرها، والرقابة الإدارية من أجهزة الدولة وقوانينها.

ولفتت مؤسسة حرية الفكر والتعبير إلى أن السلطات المصرية لم تكتف بمنع الكتب الصادرة عن دور نشر مصرية أو عن كُتاب مصريين، حيث منعت كتبًا غير مصرية تحمل رؤى مختلفة عن رؤية مصر في أمور عدة، على سبيل المثال، مصادرة كتاب “الهوميثولوجيا: جدل الهوية والأسطورة” للكاتب السوداني إيهاب عدلان، والذي تم رفعه في اليوم الثاني للمعرض، وقال إن السبب الذي تم إخباره به هو نسبة الكاتب الحضارة المصرية إلى السودان واعتبار المصريين الحاليين بقايا احتلال استمر إلى أكثر من ثلاثة آلاف سنة، وأن السودان هي أصل الحضارة والبشرية.

وفي الختام أكد التقرير أنه لا يمكن إغفال مقل هذه الانتهاكات المرتبطة بحرية الإبداع، والتي تتجاوز نصوص القانون والدستور، وهو ما يستوجب التطرق إلى أهمية التزام مؤسسات الدولة بحماية حرية الإبداع دون قيود كما ينص الدستور، والتوقف عن تقييد حرية الإبداع بدعاوى مطاطة وإجراءات بيروقراطية الهدف منها السيطرة على المحتوى الثقافي المنشور.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة