الحوت الذي أعاد إحياء فريزر

“براندان فريزر” من منا لا يذكر هذا الاسم وإن كنا لا نذكره فصورته محفورة في أذهاننا، نجم أفلام الحركة الأول في التسعينات وبداية الألفيات الذي اختفى تمامًا عن الأضواء منذ ما يزيد عن ١٢عامًا، فبلاد الأحلام والأضواء لها جانبها السوداوي، فحماس “فريزر” وإصراره على تصوير مشاهد أفلامه الخطرة دون بديل، ما عرضه لإصابات خطيرة أدت إلى خضوعه للعديد من العمليات الجراحية، حيث قال إنه كان يتم تجميعه في كل مرة من جديد.

ثم جاء حادث تعرضه للتحرش الجنسي من الرئيس السابق لجمعية الصحافة الأجنبية بهوليوود “فيليب بيرك” ووصف شعوره حينها بأنه عاد إلى منزله كالطفل الصغير بحاجة إلى البكاء وكان يخشي الحديث إلى الإعلام لنفوذ الرجل، وهذا ما حدث بالفعل عندما تحدث عن الحادث حيث تم تكذيبه ووصمه ونبذه اجتماعيًا ووضعه على القائمة السوداء، ولم يعد مرحب به في أي تجمع أو احتفال وعزل عن كل المناسبات، واستغل “فيليب” كل نفوذه للقضاء على “براندان”, حتى زوجته لم تتحمل الأزمة وتركته بعد ٩ سنوات من الزواج، ثم جاء موت أمه لتتركه وحيدًا تمامًا فانعزل عن العالم وزاد وزنه و لم يعد يظهر أبدًا.

حتى هنا تبدو القصة قصة انهيار ونهاية وأفول نجم بعد سطوعه المبهر, تتكرر من حولنا طوال الوقت دون أن نندهش، وجل ما يمكن أن نقدمه هو التحسر والشفقة، ولكن “براندان” وحده استطاع أن يثبت أنه ذهب وأن الذهب لا يصدأ وأنه وحده ووحده تمامًا قادر على العودة إلى البريق بلا شي سوي إيمانه بذاته.

حين قرر المخرج “دراين أرنوفسكي” البحث عن بطل فيلمه الجديد ليؤدي دور “تشارلي” معلم اللغة الإنجليزية الذي يعطي دروس للطلبة من المنزل دون أن يراه طلابه لأنه يغلق الكاميرا دائمًا، ذلك لسمنته المفرطه بسبب اضطرابه السلوكي نحو الأطعمة غير الصحية ويعيش في وحده بلا أي أصدقاء أو تواصل مع العالم الخارجي، بخلاف ممرضته “ليز” التي تزوره من وقت لآخر لرعايته الصحية، وبعد معرفته أن أيامه في الحياة أصبحت محدودة بسبب ارتفاع ضغط الدم واضطراب القلب يحاول التقرب من ابنته بعد غيابه عنها لسنوات طوال منذ كانت في الثامنة من عمرها.

لم يغري هذا الدور معظم الممثلين، خاصة أن المخرج “دارين أرنوفسكي” مشهور بقسوته في تقديم أبطال أعماله، حيث يتعمد إظهار آلامهم النفسية والبدنية بشكل صادم، و لكن “براندان” كان له رأي آخر مختلف، فالتشابه بينه وبين تشارلي في الوحدة وآلام وقسوة التجربة الشخصية جعلته يتحمس للدور ويؤدي بكل خبرة السنوات وكل ألم التجربة.

حين عرض الفيلم كان أقصى طموح صناعه هو مجرد نجاح الفيلم بميزانيته المحدودة، لكن فور عرضه حقق أكثر من عشر أضعاف ميزانيته وأشاد الجميع بأداء “براندان” الأسطوري الذي أهله للفوز بجائزة الأوسكار، وتصفيق الحضور له لمدة خمس دقائق متواصلة في مشهد أسطوري يعوضه كل ما مر به على مر هذه السنوات العجاف.

كم منا لم تهزمه الخسائر والانكسارات وحدها بل وثقل النجاحات والانتصارات السابقة والشعور بعدم قدرتنا على تكرارها، ولكن من يعلم فالحياة على عكس الروايات والقصص لا تحترم القواعد و لا تلجمها توقعات.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة