في مصر أجساد النساء «تحت الوصاية»

بمجرد نشر «البوستر» الدعائي الرسمي لمسلسل «تحت الوصاية» الذي تُشارك به النجمة المصرية منى زكي في الموسم الرمضاني المقبل، أُثيرت ضجة واسعة وردود فعل غاضبة حوله، فقط  لظهور منى في شخصية سيدة محجبة يبدو من مظهرها انتمائها للطبقة المتوسطة بالمجتمع، بملابس فضفاضة وحجاب مصري، من دون مكياج وبحاجبين عريضين، كأم عزباء بالمجتمع المصري، إلا أن هذه الدعايا الأولية كانت كافية لإصدار الأحكام المسبقة على بطلة العمل من جماهير السوشيال ميديا، والتي دارت جميعها بين الانتقاد والاتهام بمحاولة تشويه الدين والحجاب، وكل ذلك قبل عرض العمل.

يدور العمل بحسب ما تم نشره حول  قانون الوصاية على الأطفال بعد وفاة الزوج، والذي تأتي فيه الأم في مرتبة متأخرة في الوصاية على أبنائها،  فبحسب القانون المصري في حالة وفاة الأب تنتقل الولاية للجد والد الأب، ولا يمكن للأم الحصول عليها إلا بتنازل الجد وبموافقته، باعتبار أن الولاية «الطبيعية» انتقلت من الأب للجد، وذلك وفقًا للقانون رقم 119 لسنة 1952، الذي تعامل فيه المشرع مع الأم كوعاء للأبناء فقط.

وانطلاقًا من اسم المسلسل الذي فرضت حوله  الضجة يمكن الإشارة إلى كيفية فرض المجتمع وصايته على النساء، وتحديدًا فيما يتعلق بحرية  الجسد، فالهجوم على منى زكي نبع في الأساس من مظهر حاجبيها العريضين، فانطلق الذكور يسردون سيناريو للمسلسل تقوم فيه البطلة بخلع الحجاب فيتحول مظهرها للأفضل، وكأن هناك أجندة ممنهجة لتشويه صورة المحجبات ووصفهن بالقبح على عكس غير المحجبات، حتى وإن كان المسلسل لا يتعلق بقضية الحجاب من الأساس.

المجتمع نفسه قرر العام الماضي أن يهاجم زكي لأبعد مدى، حتى أن البعض أرسل تعليقات ورسائل لزوجها الفنان أحمد حلمي يطالبونه بتطليقها، على خلفية ظهورها في فيلم «أصحاب ولا عز» الذي اعتبره المجتمع فيلمًا خليعًا، وصورت منى فيه مشاهدًا اعتبرها البعض جريئة، وذلك من منطلق الوصاية المجتمعية على المرأة، التي وصلت إلى حد الاستحقاق في مطالبة زوجها بتطليقها.

يظهر حجم التناقض في المجتمع المصري، إذ يُسمح للمجتمع وللقانون نفسه بالوصاية على أجساد النساء ومعاقبتهن وسجنهن، كما حدث مع الطفلة موكا حجازي، وسبقها عدد لا بأس به من الفتيات المعروفات إعلاميًا بـ «فتيات التيك توك»، لإفسادهن وتهديدهن لقيم الأٍسرة المصرية، ضمن حملة استهداف للنساء على خلفية استخدامهن لمواقع التواصل الاجتماعي.

تم القبض على الفتيات بعد بلاغات قدمها رجال يدركون جيدًا حجم القوة الممنوحة لهم لكونهم ذكور في المجتمع المصري،  وبالتالي القدرة على محاصرة مساحات النساء داخل الواقعين الفعلي والافتراضي بمنظومة قيمية تبالغ في الانتهاك، حتى أن المحتوى الذي ينشره عدد كبير من هؤلاء الذكور يعتمد بشكل أساسي على إعادة نشر فيديوهات النساء وتهديدهن على الملأ بالإبلاغ عنهن لمواجهة نفس «فتيات التيك توك» تحت عنوان «حملة تطهير المجتمع»، فيحصد مئات الآلاف من المشاهدات ويضمن مكاسب الإعلانات على أجساد النساء.

كذلك لم تتوقف وصاية المجتمع على النساء على شكلهن، حيث يتواجد الرجال في كل التفاصيل، حتى أن بعض الدعوات التي ظهرت خلال السنوات الأخيرة من قبل نساء  لترك خصلات شعرهن بلونها الطبيعي، أو تقبل طبيعته سواء كان مجعدًا أم انسيابيًا، طويلاً أو قصيرًا، قوبلت بسيل من التهكم والاتهامات للنساء بالكسل والإهمال، بينما في المقابل يتم مدح الرجال لتركهم للشعر الأبيض، ويوصفوا بالـ«شوجر داديز».

من ناحية أخرى، تخضع النساء في مصر لعمليات الإجهاض غير الآمن، والتي  تُشكل ثُلث أسباب وفيات الأمهات حول العالم، وفقًا لتقارير منظمة الصحة العالمية، وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تحديدًا، نظرًا لتجريم القوانين للإجهاض.

وعلى الرغم من مطالبة الجمعيات الحقوقية والناشطات النسويّات بحق النساء في قراري الإنجاب والإجهاض عند الحمل غير المخطّط له، تبقى القوانين في البلدان العربية كما هي من دون تغيير، ما يعود

إلى فلسفة القوانين التي تتحد جميعها في الوصاية على أجساد النساء، باستثناء تونس، وهي الدولة الوحيدة في المنطقة التي تسمح بالإجهاض من دون تقديم تبرير، شرط ألا يتخطّى عمر الجنين 24 أسبوعًا. وبالطبع ما يسري على قوانين الإجهاض يسري على بقية القوانين، مثل تزويج القاصرات والاغتصاب الزوجي وغيرها.

وبينما تُجرم 50% من الدول في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإجهاض بشكل كلي، تُشرعه بقية الدول في حالات معينة، كما هو الحال في مصر ولبنان وتشريعهما للـ«إجهاض العلاجي» إذا كان الحمل يُشكّل خطرًا على حياة  المرأة الحامل، وفي الكويت، يُشرّع الإجهاض إذا كان الجنين مشوهًا. وتبقى المعضلة أن 45% من النساء في منطقة الشرق الاوسط وشمال أفريقيا غير قادرات على الوصول لوسائل منع الحمل، نتيجة ضعف التثقيف الجنسي لدى النساء وعدم معرفتهن الشاملة بهذه الوسائل، وبخاصة في المجتمعات المهمشة من اللاجئات و العاملات المهاجرات، فضلًا عن أسعارها المرتفعة في بعض الدول، بحسب أرقام منظمة الصحة العالمية.

ورغم تغليظ العقوبات، تستمر جريمة الختان ومرتكبيها في انتهاك أجساد المصريات. ووفقًا للمسح السكاني الصحي في 2014، غالبية الفتيات في مصر (75%) خضعن للختان في عمر 9-12 سنة، وحوالي 14% منهن قبل سن السابعة من العمر. ويشير المسح إلى أن ما يقرب من 92% من النساء المتزوجات اللاتي تتراوح أعمارهن ما بين 14 إلى 49 سنة خضعن للختان.

ولا يزال هناك تأييد واسع لهذه الممارسة بين الذكور والإناث، فأكثر من نصف السيدات المصريات (58%)، وحوالي نصف الرجال المصريين (50%) يؤيدون استمرارية هذه الممارسة، كما يؤيد غالبية الشباب المصريين استمرارية إجرائه، وفقًا لبيانات المسح الأخير للنشء والشباب في مصر في عام 2015، التي كشفت أن  70.7% من الفتيات و 68.6% من الشباب الذكور ممن شملهم المسح ينوون ختان بناتهم في المستقبل.

بالإضافة إلى ما سبق لا يعترف القانون المصري بجرائم مثل «الاغتصاب الفموي» أو «الشرجي»، رغم سلسلة من التعديلات التشريعية، في ظل خطاب رسمي يصرح بأنه داعم لحقوق النساء، وخصص عامًا للاحتفاء بالمرأة، كما تتضافر الظروف الاجتماعية مع العوامل التي تؤثر سلبًا في حصول النساءعلى حقوقهن. 

نهاية تظل أجساد النساء أكثر عرضة للهجوم في كل الأوقات، بداية من السخرية من شكل أجسادهن – بناءً على تصورات نمطية عن جسد الأنثى- مرورًا بالإساءة لهن بسبب شكل الملابس، ووصولًا إلى التحرش اللفظي.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة