يحتفل العالم اليوم بالمرأة، احترامًا وتقديرًا لإنجازات النساء ونضالهن، وهو يوم دولي أقيم أول احتفال وطني به في عام 1909 بالولايات المتحدة الأمريكية، واعتمدته الأمم المتحدة رسميًا عام 1975، بينما تستمر قضايا النساء في الغياب عن أجندة أولويات الحكومة المصرية، وتستمر النساء والفتيات في المعاناة ما بين قوانين تمييزية وأخرى غير مُفعلة، وجرائم عنف وتحرش وقتل وشرف وغيرها من الانتهاكات التي يُترك مرتكبيها بلا حساب.
وعلى الرغم من تحديد «الاستراتيجية الوطنية لمكافحة العنف ضد المرأة» - التي أصدرها المجلس القومي للمرأة في 2015- إصدار تشريع متكامل يتناول كل صور العنف الموجهة ضد النساء، ومطالبة البرلمان بالتعجيل بإصداره، كأهداف رئيسية لخطة عملها عامي 2015/2016، لم يخرج القانون للنور حتى اليوم، واستمرت البرلمانات المتعاقبة في تأجيل مناقشة كافة القوانين المقدمة لتجريم العنف على مدار السنوات الماضية، فيما تستنكر منظمات نسوية وناشطات غياب المراقبة والتقييم عن الاستراتيجية حتى اليوم، أي بعد مرور أكثر من 7 سنوات على انطلاقها.
من ناحية أخرى تتصاعد وتيرة العنف الممارس ضد النساء والفتيات في مصر بشكل يومي، ما انعكس فيما شهده الشارع المصري خلال العام الماضي من حوادث قتل مروعة لفتيات، بدأت بـ«نيرة أشرف» التي ذبحت أمام جامعتها بالمنصورة في يونيو الماضي، بسبب رفضها الزواج من القاتل.
ترى المدافعات والمؤسسات النسوية أن الجهود لا زالت محدودة وغير مؤثرة فيما يخص العنف الممارس ضد النساء في مصر، وذلك على الرغم من بعض التعديلات التشريعية التي أدخلت على قوانين مثل تزويج القاصرات وتغليظ عقوبات لجرائم التحرش والختان، وتعديلات أخرى خاصة بالطلاق والنفقة وقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات.
ورغم مرور 9 شهور على توجيهات الرئيس السيسي بإعداد مشروع قانون متكامل ومفصل للأحوال الشخصية، لا زلنا في انتظار انتهاء اللجنة القضائية المشكلة من وزارة العدل من إعداد المشروع الجديد، يصاحب ذلك تعتيمًا إعلاميًا واضحًا حول بنود هذا المشروع، في الوقت الذي تستمر فيه تصريحات المسؤولين والنواب في الوسائل المختلفة عن أهميته وفاعليته في حل قضايا الأسرة وحماية حقوق النساء.
وبحسب منظمات نسوية وحقوقيات تتلخص أبرز مشكلات قوانين الأحوال الشخصية الحالية في عدم تطورها منذ عام 1920، وعدم التفعيل والتطبيق للمواد التي توفر الحماية للنساء وتضمن حقوق الزوجات والأطفال، هذا بجانب وجود مواد أخرى تنتهك هذه الحقوق، بينها حرمان الأم من حضانة أطفالها حال زواجها مرة ثانية، وعدم إقرار القوانين لحق الأم المسيحية في الاحتفاظ بحضانة أولادها حتى 15 سنة أسوة بالأم المسلمة.
وبينما يقترح مشروع القانون الجديد - بحسب تصريحات رسمية- إنشاء صندوق لرعاية الأسرة، ووثيقة تأمين لدعمها ماديًا، بهدف دعم الأسر في حالات الانفصال والطلاق، أثارت محاميات وحقوقيات تساؤلات حول الفرق بين الصندوق الجديد وصندوق تأمين الأسرة التابع لبنك ناصر، وهل كان الأولى التوجه لإقرار صندوق جديد أم حل مشكلات الصندوق الموجود وتطويره، خاصة مع انخفاض الحد الأقصى للنفقة التي يصرفها الصندوق، والذي يتوقف عند مبلغ 500 جنيه فقط للأسرة كلها.
وبينما أشارت التصريحات إلى إقرار توثيق الطلاق كشرط لوقوعه، تقول حقوقيات إن توثيق الطلاق الشفوي لن يحل الأزمة، فالطلاق الغيابي - أحد أنواع الطلاق بالإرادة المنفردة للرجل- هو طلاق رسمي موثق، ورغم ذلك لا تحصل المرأة على حقوقها الشرعية والقانونية بمجرد توثيقه، وتقع عليها أعباء الذهاب للمحكمة والتقدم بطلبات للنفقة والمؤخر وغيرها.
وبالتزامن مع بداية الاحتفالات بمارس «شهر المرأة»، أحالت النيابة العامة ثلاث صحفيات من موقع «مدى مصر» إلى المحكمة الاقتصادية بتهم الإساءة لنواب حزب مستقبل وطن وإساءة استخدام وسائل الاتصال، بعد تقديم مئات البلاغات ضدهن بسبب خبر عن رصد أجهزة رقابية في الدولة تورط أعضاء بارزين في الهيئة العليا لحزب مستقبل وطن - التابع للحكومة - في مخالفات مالية جسيمة قد تتسبب في إبعادهم عن مناصبهم.
تواجه صحفيات «مدى مصر» تهمًا بنشر أخبار كاذبة من شأنها تكدير السلم العام وإلحاق الضرر بالمصلحة العامة، والإزعاج باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وسب وقذف نواب حزب مستقبل وطن، فضلًا عن الاعتداء على الحياة الخاصة، وإدارة موقع بهدف ارتكاب جريمة يعاقب عليها قانونًا، وذلك وفقًا لقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات الصادر في 2018. ووفقًا لبيان صادر عن الموقع قد تواجه الصحفيات في حالة الإدانة عقوبة حبس تبدأ من ستة أشهر بحد أدنى في التهمة الأولى، وسنتين بحد أدنى في الثانية، بالإضافة إلى غرامة مالية تتراوح بين 50 ألف و300 ألف جنيه.
وبجانب الزميلات من «مدى» تقبع صحفيات وإعلاميات مصريات في السجون، بينهن الإعلامية هالة فهمي، المحبوسة احتياطيًا منذ إبريل الماضي على ذمة بتهم الانضمام إلى جماعة محظورة ونشر أخبار كاذبة، على خلفية تضامنها ومشاركتها في احتجاجات العاملين بمبنى الإذاعة والتلفزيون (ماسبيرو) لصرف مستحقاتهم المالية.
وعلى خلفية الاحتجاجات نفسها ألقت قوات الأمن في إبريل الماضي القبض على الزميلة صفاء الكوربيجي، سكرتيرة تحرير في مجلة «الإذاعة والتلفزيون».وأمرت النيابة بحبسها على ذمة التحقيقات في القضية بعد أن وجهت لها اتهامات باﻻنضمام إلى جماعة محظورة والترويج لأفكارها وبث أخبار وبيانات كاذبة.
كذلك ألقت قوات الأمن القبض على الزميلة الصحفية منال عجرمة من منزلها في نوفمبر، وتقبع منذ ذلك التاريخ في السجن احتياطيًا على ذمة التحقيقات تواجه اتهامات بالانتماء إلى جماعة إرهابية وتمويلها، والتحريض على ارتكاب فعل إرهابي، والاشتراك في اتفاق جنائي الغرض منه ارتكاب فعل إرهابي، واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي في جريمة الترويج لفعل إرهابي.
جاء القبض على منال بالتزامن مع حملة موسعة شنتها الأجهزة الأمنية تحسبًا لدعوات النزول في 11 نوفمبر الماضي، بالتزامن مع انعقاد قمة المناخ التي استضافتها مصر في الفترة من 6 إلى 18 نوفمبر.
وإلى جانب الزميلات المحتجزات، اتسعت موجة القبض على «فتيات التيك توك»، والتي بدأت بالفتاة الجامعية حنين حسام التي لا زالت حتى الآن تقضي فترة حبسها متهمة بتهديد القيم الأسرية والتحريض على الفسق والفجور والإتجار بالبشر.
دخلت فتيات التيك توك دوامة الملاحقة والاستهداف منذ حوالي عامين، إذ تم القبض على عدد من البنات، بينهن مودة الأدهم، التي وضعت مع حنين حسام في القضية نفسها، ثم شريفة رفعت، المعروفة بـ«شيري هانم» وابنتها نورا هشام المعروفة بـ«زمردة»، ومنار سامي وريناد عماد وهدير الهادي وغيرهن ممن تم اتهامهن بتهديد القيم الأسرية.
استندت النيابة العامة في تحقيقاتها مع فتيات التيك توك إلى المادة 25 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018، والتي تنص على أن: «يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تجاوز مائة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من اعتدى على أي من المبادئ أو القيم الأسرية في المجتمع المصرى»، فيما يشير حقوقيون ومحامون إلى أن مصطلح «قيم الأسرة» يعد مصطلحًا فضفاضًا، كما لم يضع القانون تعريفًا محددًا وواضحًا لهذه القيم، مع الإشارة إلى مخالفة المادة لنصوص الدستور، بينها نص المادة 95 من دستور 2014 التي تقضي بأن «تحترم النصوص العقابية مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، بأن تكون النصوص القانونية واضحة ومحددة بطريقة لا يكتنفها أي غموض، وأن يستدل على أركان الجريمة من المضمون الظاهر للنص وليس من خلال التأويلات والتفسيرات المختلفة لأحكامه»، فضلًا عن إخلال المادة 25 من قانون الجريمة الإلكترونية بحرية التعبير عن الرأي التي يكفلها الدستور.
وبينما اتسعت رقعة الاتهامات من تهديد القيم الأسرية إلى الإتجار بالبشر كانت حنين حسام ومودة الأدهم هما أول من دفع ثمن هذا الاتهام، فرغم انتفاء التهم عن حنين وحصولها على البراءة، وإلغاء قرار الحبس والإبقاء على الغرامة لمودة، تم التحقيق معهما بنفس الاتهامات مجددًا بعد إخلاء سبيلهما بأشهر قليلة، مع إضافة تهمة الإتجار بالبشرـ لينتهي بهما الأمر بالحبس 6 سنوات.
وقررت محكمة النقض في فبراير الماضي رفض طعن مودة على حكم حبسها وأيدت الحكم الصادر ضدها، وذلك على الرغم من نفي مذكرة نيابة النقض التهم عنها، وتأكيدها على أن «الحكم جاء في عبارات عامة وصور مجملة، ولا يحقق الغرض الذي قصده المشرع من استيجاب تسبيب الأحكام بما لا يمكّن محكمة النقض من مراقبة صحة تطبيق القانون على الواقعة، كما لم يبين تفاصيل الوقائع والأفعال التي قارفها الطاعنون، والمثبتة لارتكاب جريمة الإتجار بالبشر، ولم يظهر عناصر الجريمة ومدى انطباق التعريفات والشروط الواردة بقانون الإتجار بالبشر، ولم يبين الأدلة ويكشف عن قيامها من واقع الدعوى». كذلك: «جاء قاصرًا عن بيان أركان الجريمة وعن بيان مؤدي أدلة الثبوت، وجاء أن عدم انطباق التعريفات والشروط الواردة بقانون مكافحة الإتجار بالبشر على ما حملته الأوراق وصورة واقعة الدعوى أثره القضاء بالبراءة». وانتهت نيابة النقض كذلك إلى نقض الحكم وإلغائه، بسبب اعتماده على تحريات الشرطة فقط.