تنتشر عملية الختان بين مجتمعات وثقافات وديانات مختلفة في عدد من البلدان بأفريقيا وآسيا، وترتبط بمعتقدات بشأن العفة، تغذيها العادات والتقاليد والعرف المجتمعي المبني على أفكار مغلوطة من جيل إلى جيل.
تعتبر مصر من أكثر الدول التي تنتشر بها عمليات الختان، ورغم الجهود التي بذلتها الدولة على مدار سنوات عديدة منذ منتصف الثمانيات تقريبًا، تشير الإحصائيات إلى أن أغلب الأسر لا زالت تمارس هذه العادة، فوفقًا لدراسة صادرة من منظمة الأمم المتحدة للطفولة عام 2017 تحتل مصر المركز الرابع عالميًا والثالث على مستوى الدول العربية، من حيث عدد النساء اللاتي تعرضن لعمليات ختان
وبحسب الإحصائيات الرسمية لمعدلات الختان في 1995 و2022، بلغت نسبة النساء اللاتي تعرضن للختان 97%، وأصبحت النسبة في السنة الثانية 86%، بمعدل تحسن بلغ 11%.
ترى لمياء لطفي مديرة البرامج في مؤسسة المرأة الجديدة، أن نسبة التحسن في عمليات الختان رغم الجهود المبذولة من الدولة على مدار 27 عام قليلة، لكنها تقول إن التعامل مع الأرقام بهذه الطريقة مضلل، مع التشديد على ضرورة وجود مسح طبي يصدر عنه إحصائيات جغرافية مفصلة، إذ تعتقد أن القاهرة والإسكندرية والمدن الكبرى نسبة التحسن فيها في مكافحة الختان مرتفعة مقارنة بريف وصعيد مصر.
تعتقد لمياء أن جهود الحكومة لم تتوجه بشكل صحيح من البداية، وأن جهود المجتمع المدني لم تكن كافية لإنهاء قضية الختان في المناطق الريفية، نظرًا لوجود حالة من المركزية في العمل على القضايا الكبرى في حقوق النساء، سواء التزويج المبكر أو الختان او العنف الأسري أو غيرها من القضايا. مشيرة إلى أن نسبة انتشار ظاهرة الختان في الأقاليم ما زالت مرتفعة جدًا، وأن المجتمع المدني لم يبن كوادر قوية في مواجهة مثل هذه الظواهر في الريف والصعيد.
وأوضحت مديرة البرامج في المرأة الجديدة، أن الفئة العمرية التي يغطيها المسح كبيرة جدًا، وفي حالة تقليص الفئة العمرية والعمل على مساحة عمرية أصغر سنجد أن الجهود المكثفة للدولة والمنظمات غير الحكومية تركت أثر.
تختم لمياء حديثها قائلة: «ولكي يكون هناك تحسن أكبر في الإحصائيات خلال السنوات القادمة لابد من وجود آلية لمواجهة تطبيب الختان، أي الأطباء الذين يقومون بهذا الفعل، كما لابد من قياس تأثير القانون الذي تم تعديله في 2021 حول الختان، من تغليظ عقوبات وغلق منشآت، ليس فقط في تقديم الجناة للعدالة لكن أيضًا في وعي الأطباء والمواطنين».
يعني «تطبيب الختان» إجراءه عند أحد العاملين في المجال الطبي- ويعدّ الأكثر شيوعًا في مصر، إذ خضعت له 80% من المصريات اللاتي أجرين عمليات ختان. وتفيد الإحصائيات بأن هذه النسب هي التغير الأساسي في عملية الختان، لأنه بمقارنة الأمهات بالبنات سنجد أن 37.9% من الأمهات خضعن للختان على يد مهنيين طبيين، مقارنة بـ81.9% من البنات، وفقًا لمنظمة اليونيسيف.
كانت عملية الختان قبل عام 2008 غير مجرمة قانونًا في مصر، لكن في هذا العام بدأ رسميًا تجريم ختان الإناث في مصر، عندما أقر مجلس الشعب المصري قانونًا لعقاب مرتكبي الجريمة بالغرامة والسجن الذي يتراوح بين ثلاثة أشهر وسنتين.
وفي إبريل 2021، وافق مجلس النواب المصري على تعديلات تشريعية تقضي بتغليظ العقوبة على كل من يجري ختانًا لأنثى. وتراوحت العقوبات المقررة في التعديل الجديد بين خمس سنوات وعشرين عامًا، وذلك على خلفية تكرار وقائع وفيات لفتيات أثناء إجراء العملية.
ترى الناشطة النسوية أية منير مؤسسة مبادرة «سوبر وومن»، أن الختان جريمة جميع أطرافها متواطئة. موضحة أن ضحايا الختان وقت هذه الجريمة في الأغلب كن غير قادرات على اتخاذ موقف أو رد فعل، مع تواطؤ من المجتمع وبخاصة في القرى والصعيد تجاه هذا النوع من الجرائم، بالإضافة إلى أن التوعية لا تصل إلى هؤلاء بنسبة كبيرة، نظرًا لعدم وجود برامج توعية حقيقة، وحتى الدراما المصرية لا تناقش مثل هذه الجرائم بشكل كبير.
أكدت أية على ضرورة اتخاذ الدولة المزيد من الخطوات لمواجهة هذه الظاهرة التي لا زالت منتشرة رغم الجهود، ومن ضمن تلك الخطوات وجود رقابة ومتابعة ولجان تفتيش في المدن والقرى والمحافظات، وبخاصة على المناطق التي تنتشر فيها عملية الختان، بما فيها العيادات الخاصة وعيادات «بير السلم»، بالإضافة إلى ضرورة وجود ضبط للخطاب التحريضي ضد النساء، بداية من الدعوات غير الرسمية الدينية إلى المساجد والزوايا وغيرها، ووصولًا إلى التواصل مع منصة اليوتيوب للتوضيح أن الحديث عن الختان يعتبر خطاب تحريضي وعنيف ضد النساء حتى يتم منع انتشاره.
وفي سبتمبر من عام 2021، شهدت محكمة جنايات شبرا الخيمة حكمًا تاريخيًا يعد الأول من نوعه، بعد تغليظ عقوبة ختان الإناث، إذ قامت المحكمة بتطبيق الحد الأقصى من عقوبة الجنحة على الأب، حيث حكمت المحكمة غيابيًا على أب بالسجن 3 سنوات مع الشغل، والممرض بالسجن المشدد 10 سنوات، وذلك لقيامهما بختان المجني عليها ابنة المتهم الأول في القضية، ومخالفة القانون المصري، لما تسبب به في إحداث عاهة مستديمة لابنته.
تقول المحامية انتصار السعيد رئيس مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون، إنه حتى عام 2008 لم يكن هناك قانون يجرم الختان في مصر بشكل صريح، وكان لدينا نصوص قوانين تتحدث عن العاهات المستديمة والوفاة في قانون العقوبات، لكن ابتداء من 2008 ومع نص قانون الطفل المصري صدر أول قانون يجرم الختان، وأجريت عليه تعديلات تشريعية عام 2021.
أضافت انتصار: «لدينا مطالبات بخصوص الختان، على رأسها أن تصبح جريمة الختان لا تسقط بالتقادم، وضرورة فتح نقاش مجتمعي من أجل ضمان نفاذ القانون، الهدف منه إقناع الأفراد والأسر بمضار ختان الفتيات على صحة وسلامة وكرامة الفتيات والنساء، مما يجعل المجتمع يتحمل مسئولية جماعية للإبلاغ عن ختان الفتيات والحد من وقوعه».
وتابعت: «كنا نطالب بإنشاء مفوضية منع التمييز التي نص عليها الدستور المصري في المادة 53 لسنة 2014 من أجل ضمان تصدي أكثر للتمييز، وتوفير وضمان حماية الشهود والمبلغين في وقائع ختان الإناث قبل وأثناء و بعد التحقيقات، فضلًا عن تشجيع النساء البالغات على التقدم ببلاغات ضد جريمة ختان البنات إعمالًا بنص المادة 99 من قانون العقوبات، والتي ترسخ على أن حق التقاضي في الجرائم المرتبطة بالاعتداء على حرمة الجسد لا يسقط بالتقادم، وأخيرًا إصدار قانون موحد لتجريم العنف ضد النساء».
واختتمت رئيسة مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون بأن: «هناك بعض الشيوخ يشيعون بين المواطنين أهمية الختان دينيًا، مستدين إلى أحاديث ضعيفة، لكن رغم ذلك السعودية لا يوجد بها ختان ودول الخليج بأكملها لا يوجد بها ختان، والختان جريمة قانونية ومحرمة شرعيًا، رغم مزاعم بعض الشيوخ بدليل فتوى دار الإفتاء التي أصدرت مؤخرًا عن حرمانية الختان».
وكانت دار الإفتاء المصرية قد أكدت في فتوى لها على أن «الممارسة المعروفة بـ "ختان الإناث" محرَّمة شرعًا ومُجرَّمة قانونًا، ولا يجوز الإقدام ولا الإعانة عليها بحال؛ لثبوت ضررها الطبِّي والنفسي والاجتماعي الجسيم؛ ومن ثم يحْرُم الإقدام على ممارستها من قِبل الطبيب أو غيره أو الإعانة عليها».
وينص الدستور المصري في المادة 80 على إلزام الدولة برعاية الطفل وحمايته من جميع أشكال العنف والإساءة وسوء المعاملة والاستغلال الجنسي والتجاري، كما يلزم الدستور المصري الدولة في المادة 11 منه بحماية المرأة ضد كافة أشكال العنف.