بي بي سي: كيف تصطاد الشرطة المثليين في مصر؟

كشف تحقيق مصور نشرته «بي بي سي نيوز» كيف تستخدم عصابات إجرامية تطبيقات التعارف ومواقع التواصل للعثور على أفراد مجتمع الميم عين على الإنترنت، وكيف يقومون بسرقتهم وتصويرهم وابتزازهم من أجل المال. وبينما تحصد مقاطع الفيديو ملايين المشاهدات، وغالبًا ما يتم إرسالها إلى أسر الضحايا وأصدقائهم، لا يستطيع الضحايا اللجوء للشرطة، فعلى الرغم من عدم وجود قانون ضد المثلية الجنسية في مصر، تُستخدم تهمة التحريض على الفجور أو مخالفة ثوانين الآداب العامة لمقاضاة أفراد مجتمع الميم عين.

ينشر التحقيق الذي حمل عنوان «المثليون في مصر تحت التهديد» شهادات لضحيتين لفيديوهات انتشرت في مصر قبل بضع سنوات لإخدى العصابات، يجبران فيه على التعري والرقص، بينما يتعرضان للضرب والإيذاء. ثم يُجبران باستخدام السكين على إعطاء أسمائهما الكاملة والاعتراف بأنهما شواذ. وصف الضحيتان ما تعرضوا له من عنف وتهديد وابتزاز، ويقول أحدهم إن محاميه نصحه بعدم إبلاغ الشرطة بعد تعرضه للابتزاز، رغم عدم عمله بالجنس، لما سيقع عليه من ضرر. كذلك أشار التحقيق إلى شهادات عدد من الضحايا لديهم أدلة على كيفية اعتقالهم والإساءة لهم بعد أن أبلغوا الشرطة عن تهديدات العصابات، لكنهم رفضوا الكشف عن هوياتهم.

تظهر مقاطع الفيديو بوضوح وجوه اثنين من أفراد عصابة، ويمكن سماعهما وهما يبتزان ويُسيئان معاملة الضحايا قبل أن يقوموا بتحميل المقاطع على الوسال المختلفة، وتمكنت «بي بي سي» من الوصول لهوياتهم وأماكن إقامتهم بسهولة، وتمكن صحفي الشبكة بالفعل من مقابلة أحدهم في فندق ويدعى «يحيى»، حيث يقومون بنشر المقاطع وأرقام التواصل وتحويل الأموال وغيرها من البيانات على وسائل التواصل والتطبيقات.

تلفت «بي بي سي» إلى وجود عشرات الهجمات من هذا القبيل – نفذتها عدة عصابات، فيما لا يوجد سوى عدد قليل من التقارير عن اعتقال مهاجمين. وأكد التحقيق أن الحكومة المصرية رفضت التعليق على التحقيق.

وأشار التحقيق إلى أدلة حول كيفية استخدام الشرطة المصرية لوسائل التعارف والتطبيقات الاجتماعية لرصد واصطياد أفراد مجتمع الميم عين. وتحدث أحد أفراد مجتمع الميم عين ممن سبق اعتقاله وحبسه عن تعرفه على شخص عبر أحد تطبيقات التعارف، وعند لقائه اكتشف أنه عنصر بالشرطة، وتم حبسه بتهم ممارسة الفجور والتحريض على الفسق والآداب.

كذلك نشر التحقيق تصريح لمساعد وزير الخاريجة لأمن المعلومات أحمد طاهر لصحيفة «أهل مصر» في 2020، قال فيه إنه: «تم اللجوء إلى تجنيد المصادر الإلكترونية في العالم الافتراضي لكشف جموع الشبكت الفضائية العنكبوتية، واختراق حفلات الجنس الجماعي وتجمعات الشواذ جنسيُا».

كيف تبدأ الشرطة محادثات نصية مع أهدافهم؟

وكشفت الشبكة عن وثائق رسمية حصرية تابعة للشرطة حصلت عليها تثبت كيفية العثور على أفراد مجتمع الميم عين واعتقالهم. وذكر التحقيق أن النصوص المقدمة في تقارير الضبط لدى الشرطة توضح كيف يتظاهر الضباط عبر الإنترنت للبحث – وفي بعض الحالات يُزعم اختلاق أدلة ضد – الأشخاص المثليين الذين يبحثون عن المواعدة عبر الإنترنت.

وقد أوضح التحقيق أن بي بي سي قد اطلعت على محادثات بين ضباط أمن سريين وبعض مستخدمي تطبيقات المواعدة، وفي محادثة نصية بين ضابط شرطة سري وشخص ما يستخدم أحد تطبيقات التواصل الاجتماعي والمواعدة – قالت الشبكة إنه قد تم القبض على هذا الشخص لاحقًا-  كان الحوار كالتالي:

الشرطة: هل نمت مع رجال من قبل؟

مستخدم التطبيق: نعم

الشرطة: ماذا لو نلتقي؟

مستخدم التطبيق: لكني أعيش مع أمي وأبي

الشرطة: تعال يا عزيزي، لا تخجل ، يمكننا أن نلتقي في الأماكن العامة ثم نذهب إلى شقتي.

وعادت بي بي سي إلى التأكيد أن هناك المزيد من الأمثلة لمحادثات مشابهة، ولكن لا يمكن نشرها.

وذكر التحقيق أن الملاحقة لا تستهدف المصريين وحدهم، ففي أحد محاضر الاتهام وصفت الشرطة هوية أجنبي، أطلقوا عليه «مات»، على تطبيق مواعدة مثلي شهير، ثم أجرى مخبر شرطة محادثة مع مات، و يقول نص المحضر: «اعترف مات بانحرافه واستعداده للانخراط في الفجور مجانًا، وأرسل صورًا له ولجسده». فيما قال «مات» لـ«بي بي سي» إنه اعتقل فيما بعد ووجهت له تهمة الفجور وتم ترحيله في نهاية المطاف.

واستدرك التحقيق أنه في بعض محاضر الاتهام يبدو أن الشرطة تحاول الضغط على الأشخاص الذين يسعون ببساطة للحصول على مواعدة أو صداقات جديدة للموافقة على ممارسة الجنس مقابل المال. وأكدت «بي بي سي» أن أحد هؤلاء الضحايا، الذين وجدت الشبكة بياناتهم من خلال المحاضر، كان رجلًا مثليًا أسموه ليث، تم التواصل معه من رقم هاتف أحد أصدقائه، طلب منه في رسالة لقائه لتناول مشروب، لكن عندما وصل ليث لمقابلته لم يكن صديقه في أي مكان وبدلاً من ذلك قابلته الشرطة التي اعتقلته وألقته في زنزانة تابعة لعنبر الآداب وحكم عليه بالسجن ثلاثة أشهر بتهمة اعتياد الفجور، وخفف الحكم إلى شهر عند الاستئناف. وذكر التحقيق على لسان ليث زعمه أن أحد رجال الشرطة أطفأ سيجارة على ذراعه، وأكد صحفي «بي بي سي» أنه قد رأى الندبة بنفسه.

ثم نقل التحقيق عن ثلاثة أشخاص آخرين أن الشرطة «أجبرت» أو «زورت» الاعترافات المتعلقة بقضاياهم أيضًا، فيما يقول ليث إن الشرطة حاولت أيضًا إقناعه بالإبلاغ عن المثليين الآخرين الذين يعرفهم: «قال [الشرطي]: يمكنني اختلاق قصة كاملة عنك إذا لم تعطيني أسماء».

وذكرت «بي بي سي» أنه قد تم حظر تغطية أي من هذه القضايا داخل مصر منذ عام 2017، عندما فرض المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في البلاد تعتيمًا إعلاميًا على تمثيل مجتمع الميم عين إلا إذا كانت التغطية «تقر بحقيقة أن سلوكهم غير لائق».

ونقلت «بي بي سي» عن مكتب الكومنولث الخارجي البريطاني والتنمية في المملكة المتحدة، إنه لم يتم توجيه أي تمويل من المملكة المتحدة لتدريب الشرطة المصرية في الأنشطة ذات الصلة بالادعاءات الواردة في هذا التحقيق.

من ناحيتها، قالت النائبة البريطانية «أليسيا كيرنز» رئيسة لجنة الشؤون الخارجية لـ«بي بي سي» إنها تريد بذل المزيد من الجهد لتحذير المسافرين المثليين من المخاطر في دول مثل مصر ، حيث قد يتم استخدام حياتهم الجنسية كسلاح ضدهم. وحثت الحكومة المصرية على وقف جميع الأنشطة التي تستهدف الأفراد على أساس ميولهم الجنسية.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة