ورقة بحثية لـ«حرية الفكر والتعبير» عن حظر ظهور مجتمع الميم في الإعلام المصري

أصدرت مؤسسة حرية الفكر والتعبير ورقة بحثية عن حظر ظهور مجتمع الميم في الإعلام المصري، اعتمدت على مجموعة من التقارير والدراسات الحقوقية التي تناولت وضع مجتمع الميم في مصر، والانتهاكات التي تمارس ضدهم، وعلى دراسة تحليل خطاب إعلامي لأداء الوسائل الإعلامية خلال تغطية تبعات رفع علم الفخر، كما اعتمدت على أخبار وتقارير صحفية للفترة من 2005 وحتى الآن.

ووفقًا للورقة التي حملت عنوان: «ليس لهم وجود!.. عن حظر ظهور مجتمع الميم في الإعلام المصري»، واجه مجتمع الميم عين في مصر انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، تصل إلى تهديد الحق في الحياة وسلامة الجسد والتعبير بكافة أشكاله وصوره. ويعد التناول الإعلامي لأفراد هذا المجتمع واحدًا من أبرز هذه الانتهاكات، إذ يمثل الإعلام مقياسًا مهمًّا لوضع حقوق الإنسان في أي بلد؛  لتأثيره الكبير في تشكيل الرأي العام وبناء الوعي تجاه مجموعة من القضايا والأفكار، فيما يعبر التعامل الإعلامي الرسمي المصري تجاه قضايا مجتمع الميم عن عداء شديد من منطلق سلطوي اجتماعي وأخلاقي وديني تجاه حقوق مجتمع الميم، وهو ما انعكس بشكل واضح على تمثيله إعلاميًّا.

لفتت الورقة إلى أن الحراك الاجتماعي الذي صاحب ثورة 25 يناير أدى إلى تواجد وتمثيل أفراد من مجتمع الميم في الإعلام الرسمي وغير الرسمي، إذ تمتع الإعلام في هذا التوقيت بهامش من حرية التعبير.

وبحسب «حرية الفكر» تكثف وتشكل التعامل الإعلامي مع أفراد مجتمع الميم عبر واقعتين مفصليتين، حادث الكوين بوت عام 2001 خلال عصر المخلوع مبارك، وواقعة رفع علم قوس قزح خلال حفل مشروع ليلى في 2017، وقد مثلت الواقعتان مجمل تعامل الإعلام الرسمي مع الأشخاص غير النمطيين جنسيًّا، فمن السماح بالتواجد والظهور في الإعلام بشكل يحمل إدانة وإساءة، إلى الإخفاء المتعمد مع قرار المجلس الأعلى للإعلام بحظر ظهور المثليين في وسائل الإعلام أو أي تمثيل لهم.

انقسمت الورقة إلى خمسة فصول، الأول عن المثلية في إعلام ما قبل 2011، والذي تناول واقعة اقتحام الشرطة المصرية ملهى ليليًّا على مركب في النيل يسمى «كوين بوت» في 2001، وإلقاء القبض على 52 رجلًا قدموا إلى المحاكمة أمام محكمة أمن الدولة وفقًا لقانون الطوارئ المصري، لاتهامهم بـ«ممارسة الفجور».

وبحسب الورقة، فبرغم عدم الإدانة الإعلامية التي صاحبت الواقعة، والتي دفعت المتهمين إلى إخفاء وجوههم بصنع أقنعة من ملابس السجن خلال جلسات المحاكمة، فإن حقوقيين ومراقبين يرون أنه خلال السنوات الأخيرة من حكم مبارك تمتع المثليون والمثليات بقدر من الحرية اعتمد بشكل أساسي على البقاء في الخفاء وعدم الإعلان عن الهوية.

وأشار الفصل الثاني إلى إطلاق السلطات المصرية في سبتمبر 2017 حملة إعلامية وأمنية غير مسبوقة ضد مجتمع الميم، وذلك على خلفية رفع جمهور حفل موسيقي لمشروع ليلى علم قوس قزح، والذي يرمز الى التنوع والاختلاف وقبول مختلف ميول وهويات النوع الاجتماعي. كذلك أصدر المجلس الأعلى للإعلام قرارًا يحظر ظهور المثليين في وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، ويحظر كذلك الترويج لشعارات المثليين أو نشرها، وذلك لاعتبارات أخلاقية واجتماعية ودينية، بحسب بيان المجلس الأعلى للإعلام.

تتابع الورقة: «يمثل هذا القرار إشكالية ليس فقط من ناحية كونه قرارًا تمييزيًّا تحريضيًّا ضد مجموعة من الأفراد، أو من ناحية كونه قرارًا رقابيًّا نابعًا من سياسة المنع والحجب التي يلاحق بها المجلس الأعلى وسائل الإعلام المختلفة، ولكن من ناحية توقيع عقوبات سالبة للحرية بموجب هذا القرار، حيث أصدرت إحدى المحاكم المصرية حكمًا على الإعلامي محمد الغيطي بالحبس سنة، وكفالة 3 آلاف جنيه، عام 2018، على خلفية بث حلقة من برنامجه (صح النوم)، استضاف فيها أحد المثليين، وتجاوزت العقوبة المفروضة من المجلس حد حبس المذيع، لتصل إلى وقف بث قناة (LTC) الفضائية، المذاع عبرها البرنامج لمدة أسبوعين.

وتناول الفصل الثالث توضيح ما الذي يعنيه قرار حظر ظهور المثليين، وما يمثله من اعتداء على الدستور المصري، وانتقاص للمعاهدات الدولية التي وقعت عليها مصر، كما يضع قيودًا على حرية الإعلام ويضيق على عمل الصحفيين.

وفي الفصل الرابع تطرقت المؤسسة إلى الدور الهام الذي لعبته وسائل التواصل الاجتماعي خلال ثورة 25 يناير، سواء على مستوى الحشد أو التواصل أو التوعية. ووفقًا للورقة في أعقاب ثورة 25 يناير ازدادت بشكل ملحوظ الصفحات العامة الداعمة لمجتمع الميم، والتي أصبح بعض منها يشبه منصة إعلامية أو خبرية، تنقل وتناقش قضايا هذا المجتمع، وتنقل أصوات أعضائه، وتمكنهم من تطوير هويتهم عبر التواصل والنقاش. وعلى مدار السنوات الماضية انتشرت حملات إلكترونية عالمية ومحلية للدعوة إلى الحب والقبول بين مختلف الأفراد، دون أية  اعتبارات.

وعلى الرغم من هذه الحلول المفتوحة تشير مؤسسة حرية الفكر والتعبير إلى أن وسائل التواصل الإجتماعي لا تزال وسيلة نخبوية، لا تصل إلى الجميع، لاعتبارات الوضع الاقتصادي والبنية التحتية وغيرها، كما أن أغلب القائمين على هذه المنصات يعيشون خارج مصر، نظرًا إلى حجم الخطر الأمني الهائل، الذي قد يواجهونه من خلال قوانين، مثل: الجريمة الإلكترونية، والمادة الخاصة بالأسرة المصرية، أو اتهامات، مثل: نشر الفجور المضمنة في قوانين العقوبات والدعارة.

وفي الفصل الخامس بعنوان: «نحو إعلام يحترم التعددية ومعايير حقوق الإنسان» أكدت المؤسسة أن التناول الإعلامي يؤثر بشدة في تعاطي المجتمع مع القضايا بشكل عام، وأن سياسة الإخفاء لمجتمع الميم تشكل تمييزًا على أساس الجندر. كما تمثل انتهاكًا بعدم الاعتراف والتمثيل من الأساس وأساسه هوياتي، كذلك يساهم هذا الإخفاء في تعميق صورة نمطية معادية لمجتمع الميم وأفراده، كفزاعات أو أعداء غير مرئية.

وخرجت الورقة بمجموعة من التوصيات، بينها ضرورة إلغاء قرار المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام بحظر ظهور المثليين في وسائل الإعلام المصرية، وبمراجعة سياساته فيما يتعلق بأفراد مجتمع الميم، والسماح بتمثيل مجتمع الميم في الإعلام  دون تمييز، وأن يراعي بشأنهم المعايير والأكواد المهنية والأخلاقية التي يجب مراعاتها، والتي تتعلق بعدم التمييز وضمان الخصوصية، وإعطاء مساحة حرة للتعبير دون قيود، ودون خوف من معاقبة القانون.

كما أوصت الورقة بإعادة النظر في المواد 294 و296 و178 من قانون العقوبات، والمواد 1 و2 من قانون مكافحة الدعارة والفجور، والمادة 25 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، وبوقف الاحتجاز التعسفي القائم على الميول والهوية الجندرية.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة