الجريمة الكاملة.. بين الحاضر والماضي فتاوى حرضت على أجساد النساء

في مصر، تعرضت ٩٢% من النساء والفتيات اللواتي تتراوح أعمارهن بين ١٥ و٤٩ سنة لشكل من أشكال ختان الإناث، ٧٢% منهن على يد أطباء. هذه الجريمة التي تتم على الأغلب في عمر الطفولة، بناءً على رغبة أحد أفراد عائلة الفتاة، وهو ما يجعلها جريمة كاملة يشترك فيها كل الأفراد المنوط بهم حماية الضحية.

وعلى الرغم من تغليظ عقوبة هذه الجريمة، لا تزال تقع حتى الآن بشكل يومي، حيث جاء تعديل مواد القانون في عام 2021 لـ «يُعاقب بالسجن مدة لا تقل عن 5 سنوات كل من أجرى ختانًا لأنثى بإزالة أي جزء من أعضائها التناسلية الخارجية بشكل جزئي أو تام، أو ألحق إصابات بتلك الأعضاء، فإذا نشأ عن ذلك الفعل عاهة مستديمة تكون العقوبة السجن المشدد مدة لا تقل عن 7 سنوات، أما إذا أفضى الفعل إلى الموت تكون العقوبة السجن المشدد لمدة لا تقل عن عشر سنوات»، و«تكون العقوبة السجن المشدد لمدة لا تقل عن 5 سنوات إذا كان من أجرى الختان المشار إليه بالفقرة السابقة طبيبًا أو مزاولاً لمهنة التمريض، فإذا نشأ عن جريمته عاهة مستديمة تكون العقوبة السجن المشدد لمدة لا تقل عن 10 سنوات، أما إذا أفضى الفعل إلى الموت تكون العقوبة السجن المشدد لمدة لا تقل عن 15 سنة ولا تزيد على 20 سنة». كما «يُعاقب بالسجن كل من طلب ختان أنثى وتم ختانها بناءً على طلبه على النحو المنصوص عليه بالمادة السابقة من هذا القانون، كما يُعاقب بالحبس كل من روج، أو شجع، أو دعا بإحدى الطرق المبينة بالمادة ١٧١ من قانون العقوبات لارتكاب جريمة ختان أنثى، ولو لم يترتب على فعله أثر».

ذكرت هذه المواد القانونية العائلة ومنفذي هذه الجريمة، سواء كانوا من الأطباء أو العاملين بالقطاع الطبي أو من غير العاملين به، كما أشارت لمروجي الخطاب التحريضي على ختان الإناث لأول مرة، بعد تحريض مستمر من جهات رسمية وغير رسمية على جريمة الختان، ما كان دافعًا رئيسيُا لعقود طويلة لانتشار هذه الجريمة.

حتى عامين ماضيين كان من غير المجرم أن تعتلي منصة ما وتطالب جموع الشعب بختان بناتهم، وتتحدث عن تهذيب شهواتهن وحمايتهن من الانحلال عن طريق تشويه أعضائهن التناسلية. واستمر هذا الخطاب خاصة في ظل تضارب الآراء في مسألة ختان الإناث بين التحريم و«التكريم»، ويُعد هذا أحد أهم أشكال هذا الخطاب التحريضي، وهو ما لم يعاقب عليه أحد بالتأكيد، لأنها كما ذكرنا لم تكن جريمة إلا منذ عامين فقط.

تمثلت فوضى الفتاوى التي شهدتها مصر منذ أن اشتعلت حدة الخلاف في السبعينيات فيما يخص حكم ختان الإناث في نقطتين: تسميته هل هو خفاض أم ختان،  وحكمه هل هو واجب أم سنة أم مكرمة، حتى أصدر مجمع البحوث الإسلامية بيانًا في 28 يونيه 2007 أكد فيه أنه لا أصل للختان في التشريع الإسلامي، وهو لم يقف عائقًا أمام دعوة رجال الدين لاستمرارية هذه الجريمة القاتلة، لكن بعد صدور هذا البيان هل تحمل العلماء مسئولية انتهاك أجساد النساء لسنين طويلة؟!

وفي 2001، على موقع «إسلامي سلفي» شهير صدرت هذه الفتوى: «وقد استدل الفقهاء على ختان النساء، بحديث أم عطية -رضي الله عنها- قالت: (إن امرأة كانت تختن بالمدينة، فقال لها النبي: لا تنهكي، فإن ذلك أحظى للمرأة، وأحب إلى البعل. رواه أبو داود. وجاء ذلك مفصلًا في رواية أخرى، تقول: إنه عندما هاجر النساء، كان فيهن أم حبيبة، وقد عرفت بختان الجواري، فلما زارها النبي، قال لها: يا أم حبيبة، هل الذي كان في يدك هو في يدك اليوم؟ فقالت نعم، يا رسول الله، إلا أن يكون حرامًا، فتنهانا عنه، فقال الرسول: بل هو حلال. وقال الرسول: يا نساء الأنصار، اختفضن (اختتن)، ولا تنهكن أي: لا تبالغن في الخفاض). رواه البيهقي في شعب الإيمان. وجاء التعليل بأنه أحظى للزوج، وأنضر للوجه، وهو لضبط ميزان الحسّ الجنسي عند الفتاة».

وتابعت الفتوى: «ويجب التنبه إلى أن الأحاديث الدالة على الأمر بختان النساء، ومنها ما قدمناه، مختلف في تصحيحها، ولكن ذلك لا يعني نفي استحبابه، فهو داخل في الختان، وقد ثبت في الحديث الصحيح أنه من الفطرة، وما رواه مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ومس الختان الختان، فقد وجب الغسل. فيه دليل على أن النساء كن يختتن على عهد الرسول».

لم تكن تلك الفتوى هي الوحيدة الصادرة عن هذا الموقع مثلًا، وحتى الآن لم يتراجع عن فتواه، هو وغيره من السلفيين الذين يروجون لهذه الجريمة من خلال قنوات اليوتيوب والدروس الأونلاين، بحجة اكتشاف العلماء الفرق بين الخفاض والختان، ويقولون الخفاض الإسلامي هو مقصدهم وغايتهم لتهذيب شهوات النساء، ولم يغفلوا الطب هذه المرة، بل يستخدموه كأداة في خطابهم، حيث يحرضون على انتهاك جديد بالكشف على الأعضاء التناسلية للفتيات بداية من عمر 9 سنوات، من قبل طبيب «مسلم موثوق» على حد قولهم، لتحديد حاجة كل فتاة على حدة لعملية تصحيح شكل البظر، وهو كلام غير علمي كما عهدناهم، فتلك هي النغمة الحديثة للخروج من مأزق تحريم الجهات الرسمية الدينية متمثلة في الأزهر ودار الإفتاء المصرية، ويظهر تأثيرهذه المجموعات مثلًا في التعليقات على صفحات الجهات الرسمية المذكورة في حالة تناولها أو تذكيرها بفتواهم عن تحريم الختان، وهي ما تعكس فقدان الثقة والترويج للفتاوى المستمرة في التحريض على الختان.

في رأيي، الدافع وراء استمرارية هذه الفوضى هو افتقادنا لشجاعة الاعتراف بالخطأ وعرض أسباب التراجع عن فتاوى سابقة لنفس الجهات والهيئات للعامة، بل ومواجهة الخطابات التحريضية الأخرى والتي تستند لنفس الأسباب، والتي كانت قديمُا الدافع وراء فتواهم. كما تظل هناك صعوبة كبيرة في تقديم بلاغات في كل فرد في الشارع المصري يؤمن بداخله أن ختان الإناث أو الخفاض الإسلامي هو مكرمة وسنة واجبة وعفة لا بد منها، واستمرار انغلاق الحلقة في هذه الجريمة الكاملة ما بين مقدمي الخدمة الطبية والأب أو الأم المتأثرين بتلك السموم، التي تبث يوميًا بين الحارات والشوارع المصرية وعبر الانترنت، وهم أصحاب القرار في جسد طفلتهم التي لا حول لها ولا قوة.

تلك الحلقة التي تحتاج إلى رقابة شديدة من وزارة الصحة، وحراك مجتمعي يرفض ويبلغ عن أي جريمة متوقعة أو خطاب تحريضي مباشر في الجوامع أو على الانترنت، كما على الجهات المعنية بالخطاب الديني أن تتولى مهمة تصحيح مسار حقيقي حتى تشارك في إصلاح ما ساهم فيه السابقين من انتهاك لنساء مصر في العيش بجسد محمي آمن منذ طفولتهن.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة