تراجع في الإنفاق وأزمة في المعلمين.. كيف أصبح حال التعليم في مصر؟

يعاني التعليم في مصر من عدة أزمات، أبرزها النقص الشديد في أعداد المعلمين. وتراجع الدولة في الإنفاق على التعليم يضاعف من هذه الأزمات، ويهدد مستقبل العملية التعليمية في مصر بشكل أكبر.

وبحسب تقرير صادر عن البنك الدولي في نهاية ديسمبر الماضي، تضم مصر أكبر عدد من الطلاب في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، معظمهم في المرحلة الابتدائية. ويوجد حاليًا أكثر من 24 مليون طالب في مراحل التعليم ما قبل الجامعي في البلاد، نحو 90% منهم في المدارس الحكومية، ما يقرب من نصفهم في المرحلة الابتدائية.

كما تضم مصر نحو 60 ألف مدرسة حكومية، لكن العدد لا يتناسب مطلقًا مع أعداد الطلاب، فيما ترجع وزارة التعليم نقص المنشآت إلى عجز الإمكانات المالية. في المقابل خصص نحو 92% من موازنة التعليم للرواتب، التي تعد منخفضة وغير كافية بالنسبة للمعمليم والموظفين في قطاع التعليم.

من ناحية أخرى، تعاني المدارس الحكومية في مصر من نقص في عدد المعلمين جراء وقف التعيينات الجديدة، وتشهد المدارس في المقابل تزايدًا كبيرًا في أعداد طلاب السنوات الابتدائية. وتقدر الأرقام الرسمية أزمة نقص المعلمين بنحو 320 ألف مدرس، وقد توصل  تقرير «فقر التعلم» الصادر من البنك الدولي عام 2019 إلى أن نحو 70% من الطلاب في سن العاشرة لا يستطيعون قراءة وفهم جملة بسيطة.

كما رصد التقرير الأخير للبنك الدولي تراجع مستمر في الإنفاق على التعليم في مصر، على الرغم من الزيادات الكبيرة في القيمة الاسمية في السنوات الأخيرة، بالتوازي مع ارتفاع قيمة أقساط الديون، متوقعًا أن تسدد مصر خلال السنة المالية القادمة وحدها نحو 42.3 مليار دولار، في صورة أقساط وخدمات الدين الخارجي، مقارنة بـ 26.3 مليار دولار خلال عام 2021/2022.

ويعد التعليم حق أساسي من حقوق الإنسان التي أقرها الدستور المصري، حيث تنص المادة رقم (19) على أن: «التعليم حق لكل مواطن، هدفه بناء الشخصية المصرية، والحفاظ على الهوية الوطنية. وتلتزم الدولة بمراعاة أهدافه فى مناهج التعليم ووسائله، وتوفيره وفقًا لمعايير الجودة العالمية. والتعليم إلزامى حتى نهاية المرحلة الثانوية أو ما يعادلها، وتكفل الدولة مجانيته بمراحله المختلفة في مؤسسات الدولة التعليمية، وفقًا للقانون. وتلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومى للتعليم لا تقل عن 4% من الناتج القومى الإجمالى، تتصاعد تدريجيًا حتى تتفق مع المعدلات العالمية. وتشرف الدولة عليه لضمان التزام جميع المدارس والمعاهد العامة والخاصة بالسياسات التعليمية لها».

وبينما يلزم الدستور الحكومة بتخصيص نسبة من الإنفاق على التعليم لا تقل عن 4% من الناتج القومي الإجمالي- تتصاعد تدريجيًا- كشف التقرير انخفاض نسبة الإنفاق على التعليم من 2.8% في موازنة 2015/2016 إلى 2% في الموازنة الحالية.

وكانت الأموال المخصصة للتعليم في الموازنة العامة للدولة للعام المالي (2022/2023) بلغت نحو 131 مليار جنيه، بينما كانت 117 مليار جنيه خلال العام المالي  (2021/2022)، فيما كانت 109 مليار جنيه خلال العام المالي (2020/2021). لكن تقرير البنك الدولي أكد أنه رغم ارتفاع معدل الأموال المخصصة للتعليم في الموازنة في السنوات الماضية، فإنها تنخفض مقارنة بالناتج المحلي للبلاد.

وفي بحث بعنوان «أزمة التعليم في مصر بين الواقع والمأمول»  ذكرت الباحثة نجلاء محمد أن المنظومة التعليمية لا تمتلك رؤية متكاملة مرنة، ما يتضح في التذبذب الواضح للسياسة التعليمية، فالواقع التعليمي الحالي هو نتاج سياسات قامت على الترقيع المستمر، لذا فهي منظومة غير مستقرة لا تستوعب المستجدات العالمية وثقافة الشعب ومطالبه وطموحاته.

وأوضحت الباحثة أن أزمة كورونا أظهرت أوجه الضعف المؤسسي المسيطر على أداء منظومة التعليم قبل الجامعي، أهمها انخفاض الموازنة المخصصة للتعليم، وبالتالي لن يكون هناك أى تطوير فعلي لمنظومة التعليم، وأضافت أنه برغم زيادة مخصصاته بنحو 15 مليار جنيه، لم تصل إلى نصف الحد الأدنى الذي نصَّ عليه الدستور، إلى جانب عدم تنفيذ آلية التعلم عن بعد بالشكل السليم.، والتكدس الطلابي الزائد، وضعف القدرة الاستيعابية للمدارس، وغياب رؤية التعامل معه، واتساع الفجوة بين التعليم الحكومي والخاص، وضعف رواتب العاملين في المنظومة، وبالأخص المعلمين، والذي يعد أحد الأسباب الرئيسية في ضعفها، فضلًا عن ضعف منظومة التعليم الفني والتدريب المهني بما يؤثر سلبًا على الصناعة، وضعف الاستعدادات الصحية بالمدارس، وتراجع دور هيئة ضمان الجودة بالرغم من أهميتها.

وأوضحت الباحثة أن أزمة كورونا كشفت عن افتقار المؤسسات التعليمية إلى مقومات البنية الأساسية التكنولوجية للتحول الرقمي، وأهمها الافتقار إلى نظم إلكترونية لإدارة العملية التعليمية ككل، والافتقار إلى مستودعات رقمية مؤسسية Repository Digital Institutional تتيح توفير المعارف والموارد التعليمية بطريقة رقمية وسهلة.

كما كشفت عن أنه بين أهم الصعوبات التي تقف حائلًا أمام سير خطوات الإصلاح الاتجاه إلى تسييس التعليم، وهي سياسة تم اتباعها منذ ثورة يوليو 1952 واستمرت حتى الآن، مع العلم بأن نظام التعليم الصحيح يجب أن يعنى ببناء الشخصية الوطنية القادرة على التفكير والنقد أيًا كان النظام الحاكم وتوجهه.

وكان الجهاز المركزي للإحصاء قد أشار إلى أن مستوى التعليم هو أكثر العوامل ارتباطًا بمخاطر الفقر، حيث تتناقص مؤشرات الفقر كلما ارتفع مستوى التعليم، فبلغت نسبة الفقراء بين الأميين 35.6%، مقابل 9.4% لمن حصل على شهادة جامعية، في 2019/2020، وبلغت نسبة الفقراء بين حاملي الشهادات فوق المتوسط 15.2%، وبين من حصلوا على شهادة ثانوية 17.4%، كما بلغت بين الحاصلين على شهاد تعليم أساسي 33.1%.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة