تخيل معايا كدة إن الإنسان بدل ما يمرن نفسه على شيء مفيد، زي إنك تحاول تكون بني آدم نشيط وتصحى بدري تمشيلك ساعة رياضة، أو تروح الجيم عشان تحافظ على الشكل السليم والصحي لجسمك، ده المفترض يعني، تبقى في الحقيقة بتمرن نفسك على إنك تكون على غير طبيعتك، على غير فطرتك، بتتمرن تكون حد تاني غير نفسك، ما هو مفيش مجال ولا وقت إنك تكون زي ما خلقك ربنا! صدقني هتتعب كتير.
كل ده بقى ليه؟ ويا ترى إيه الضريبة الحياتية يا اخوانا؟! بقيت بتتجرد كليًا من كونك إنسان سليم، وبقيت حد تاني مش أنت، ومهما تقول أنا بقيت أنا مش ضدي مش عكسي، فات الأوان خلاص، هتبص حواليك هتلاقيك بتتعايش مع أشباهك من بقايا الناس!
خطر على بالي مشهد بين اتنين ماشيين مع بعض على كورنيش المعادي، ببص على أيديهم لقيتهم مخطوبين، الرومانسية ورصيد الحنية بيسبقهم بخطوتين، فجأة بعد ما كانوا ماسكين إيد بعض وقفوا، ويبدو إنه هتحصل مشكلة. واحدة واحدة الصوت بيعلى، بعدت وشي بعيد عشان ما يحسوش إني براقب في صمت، عشان تقريبًا مكنش في المكان حد غيري، المهم لقيت الشاب مرة واحدة وبأقوى ما في عزمه نزل على وش البنت بقلم، تقريبًا إلى الآن لم يقع على أذني صوت مثله. مشهد مش هشوف زيه حتى لو قاعدة في الصف الأول وبتفرج على أجعصها فيلم في السينما.
للحظة جسمي قشعر وتوهت، حسيت إنها أنا، وإني عايزة أجري بسرعة أديله نفس الكف المتعسف، الكف اللي يوجع سنين، بس لقيتني زيي زي أي حد بتفرج من بعيد. البنت وقفت متنحة، وفضلت باصاله في حدود الدقيقتين، وبعدين بقت تجري بشكل مرعب، وهو يجري وراها، لحد ما اختفوا من قدامي.
إلى الآن ومع كل المواقف الحياتية اللي بمر بيها دايمًا بلاحظ جبروت الراجل، اللي هو في الأصل كائن ضعيف، أيوه ضعيف! ضعيف لشهواته، لغرايزة، ضعيف النفس، وطبعًا ضعيف الإيمان أيًا كان المعتقد السماوي اللي بينتميله. أنا مش ضد الراجل بالعكس، بس ما بقتش قادرة أشوف الشكل الآدمي لفطرة الراجل اللي ربنا خلقه بيها، أو اللي المفترض يكون عليها.
بقول من وقتها كأننا في ميدان، وكأن الثوار ما بقوش بيهتفوا غير بيلا ننسى فطرتنا، يلا ننسى الود، يلا ننسى الرحمة، يلا ننسى الإنسانية، يلا ننسى قيمنا الدينية، يلا ننسى حيواتنا ونكون ناس تانية، نكون أشباه ناس. ناخد الحيطة والحذر من كل شيء. يلا نتعجب من أي إنسان طيب وجميل، وناخد معانا شوية معتقدات ومبادئ لا تمت للآدمية بصلة!
كدة ارتحنا؟ كدة بقينا تمام؟ كده بقينا إحنا؟ بقينا زي ما وصانا ربنا؟! يا رب تكونوا مبسوطين، ويا رب تكونوا مرتاحين إننا بقينا شبهكم، بقينا مسخكم. كان نفسي أكون إنسان، بس اتفرض علينا أننا نكون بقايا إنسان.