عزيزي سانتا..

أتمنى أن تكون بخير، هذه أمنيتي لهذا العام. قسمًا لست أسخر منك، أعلم أنك لم تنفذ لي أية أمنية في العام الماضي – في الحقيقة كنت أملك واحدة لكن لم أخبرك، أيضًا ربما لم تستقبل رسالتي ليلة رأس السنة قبل الماضية، لقد كنت بسجن القناطر للنساء، ولست واثقة من أنك تعرف العنوان، لكن في الأعوام التي سبقتها أيضًا لم تحقق لي أمنيتي. وفي العام الذي سبق كل هذا كان قد أصابني حزن شديد، وكنت وحيدة ومريضة في شقتي بالقاهرة. أتعلم أني بت ليلتي باكية حتى كاد أن ينقطع مني الوتين؟ رجوت صباح ليلتها ألا أقضي ليلة رأس سنة بهذه القسوة مرة أخرى.

في العام السابق كنت أتحسس الخطى في متاهة تزداد اتساعًا، وكنت أقف على حافة الطريق أتسائل عن جدوى الاستمرار في الحياة.

أعتذر أعلم أنك تعرف كل شيء فأنت شخص ساحر، لكن أقصد إن كنت تمكنت من سماع صوتي هناك، تدري أنني كنت ممنوعة من الكلام مع أي شخص، كنت وحيدة جدًا. تعلم أنني أيضًا كنت ممنوعة من الكتابة أو القراءة، لكن على أية حال اليوم أصبحت حرة، أو بالأحرى أصبحت خارج السجن، لذلك أمنيتى هي ذاتها التي طلبتها منك في أعوامي السابقة كلها، نعم هي نفس الأمنية منذ علمت بوجودك من أفلام الكارتون.

أنت تعلم أني مسلمة أليس كذلك؟ لذلك أنا لم أعلم بوجودك من أسرتي، وكنت أدرس في مدارس حكومية، وفي زمني لم نكن نحتفل بالكريسماس، وكانت مدرسة اللغة العربية تنهرني لصداقتي مع المسيحية الوحيدة في الفصل، يوستينا صديقتي أتذكرها؟ أتمنى أن تكون بخير هي الأخرى. هل وجدت أحد حقيقي بخير؟!

سحبني الكلام كالعادة، لكني ممتنة أني هذا العام أستطيع أن أكتب، وليس هذا فحسب إنما أستطيع أيضًا أن أنشر وأشارككم كلماتي، وهذا أمر مهم جدًا لي لو تعلم. عذرًا مرة أخرى أظن أنك تعلم.

كنت أفكر هذا العام في كم العناء الذي تجده في مهنتك، أتعلم مهنتك نوعًا ما تشبه مهنتي؟ أقصد الكتابة، فهي أيضًا مهنة خيالية تحفها المخاطر. لا أدري إن كان لك راتب مستقر ومدير عمل عاقل، ستكون تلك مزايا يصعب أن نجدها في مهنتنا، حتى أني أفكر في التراجع عن تلك الجملة لكي أحصل على ناشر، لكني سأتركها على أي حال. هي رسالة إلى العزيز سانتا، فما الضرر في أن أكون صريحة؟! ولتعتبرونني مجنونة.

أحيانًا أتمنى هذا. أقصد أن يعتبرني الناس مجنونة، فحينها لا حرج علي أليس كذلك؟

أنا ليست مشكلتي مع الحرج، لكن مع العقوبة. لقد عوقبت بقسوة في العامين المنصرمين على مشاعري، مشاعري تجاه بلدي وتجاه من أحببت وما أحببت، عوقبت على المحبة بقسوة شديدة، وأظن أنك ربما تعلم هذا، لو كنت سمعت رسالتي الماضية التي تلوتها عليك في سري وأنا هناك. على كل، كما كنت أخبرك لقد كنت أفكر فيك في هذا العام، أتسائل عن حالك، كيف تبلي بعد سماعك لكل هذا الأنين في الأمنيات؟ لهذا القدر من العشم الذي لا تستطيع أن تحققه؟

أعذرني فأنا أرى أنك تجمع الأمنيات لكن لا تحقق منها شيء، على الأقل في السنوات العشر الماضية، وليس في بلدي فحسب، لكن انظر إلى المنطقة، كم طفل حزين؟ لن أسألك عن الحزن،، لكن أتخيل فحسب ترى كم طفل يتألم ويسألك أن تسكن ألمه؟ كم طفل جائع يسألك الطعام؟ كم رجل يُنتهك يسألك الموت؟ كم امرأة تُعذب سألتك الكرامة؟ وكم رأيت من آلام؟

أه كأنك المسيح معلق على صليبه، يتحمل الألم ليحمل عنا خطايانا، لكن ألم نعلق كلنا على الصلبان؟

كلما حاولت أن أقترب من النقطة التي أفكر فيها هذا العام سحبني القلم لأفكار أخرى بعيدة، هل هي بعيدة؟ أنا أفكر في سؤالك عن حالك بعد كل ما سمعته من ألم، من تجده يدعمك؟ هنا كان سؤالي. كل عام تسمع الكثير من الأمنيات. أنا لا أعرف ما إذا كنت تتمكن من تحقيق أمنيات باقي العالم أم لا، وربما الأمور أسهل في بعض نواحي أوروبا مثلًا، أو بأغلب مناطق أمريكا.،هناك جوعى ومرضى ومجروحين، وكذلك بالطبع محطمين، فأينما وجد بشر وجد محطمين وحطام. أليس كذلك؟

لكني لا أتحدث عن سماع أمنيات حول إحضار عجلة أو فستان جديد، لكني كما قلت لك أتحدث عن أمنياتنا المستحيلة، ألا تسقط قذيفة على منزلنا خلال العام لو كنت في سوريا أو في فلسطين مثلًا، أو أن يتسع القيد قليلًا عن يد فتاة في مكان مجهول، أو أن تسمع صراخ شاب من جراء التيار الكهربائي، هذا يحدث كثيرًا تعلم، رغم أن هناك أزمة كهرباء في منطقتنا، فقد تجد أيضًا سيدة تعبت من انقطاع الكهرباء المتكرر في لبنان في الوقت نفسه.

هذه الأمنيات التي أصفها هنا هي التي أتحدث عنها، التي يبدو جليًا أنك عاجز لسبب ما عن تحقيقها، فترى كيف تتعايش مع كل هذه الإحباطات؟ كل هذه الخيبات؟!

حدثتك عن الحطام الذي يخلفه البشر دائمًا حولهم، ليس فقط حطام البيوت والمصانع الذي أتحدث عنه، لكن حطام القلوب والأرواح، وحطام الأحلام. هذا الحطام ألا يؤلمك؟ أنا الحطام يوجعني جدًا.أذكر في يوم وأنا بنت السابعة عشر في بدايات اهتمامي بالعمل الصحفي وكنت أقوم بتغطية صحافية لعمارة سقطت في المندرة بالإسكندرية، لا تقلق لن أحكي لك تفاصيل كثيرة عن القضية، لا زلت أذكرها فهذا التقرير حولته بنشاط لتحقيق شامل عن المباني بدون تراخيص ومسؤولية الدولة والمنطقة الموبوءة بتجار المخدرات، والذين هم أنفسهم من يقومون ببناء العمارات بدون تراخيص، والتي سقطت إحداها. أظن أني حكيت القصة رغم أني وعدتك، لكن سأتوقف هنا.

كنت فقط أريد أن أقول لك أنه عند اقترابي من العمارة الساقطة، وكانت الأنقاض ترتفع أمتارًا، وما زال رجال الإسعاف والشرطة يحاولون إخراج ما بقي سليم من احتياجات، ويبحثون عن ناجين أو جثث القتلى، في تلك اللحظة رأيت الحطام، حطام أحلام وأموال ومستقبل وماضي، حطام المبنى وحطام عشرات البشر. كنت أتخيل أني أسمع صوت الحطام، كيف أصفه؟ يشبه الصفير الخفيف المستمر بعد انقطاع جهاز النفس، وسكون غرفة العناية المركزة بعد خروج المريض منها ميت، هذا السكون الصامت يشقه في أذنيك صفير مستمر باهت، لا يسمعه سواك إن كنت موجودًا مع المريض قبل أن يموت. على أية حال، هذا الحطام يؤلمني، ولقد رأيته بعدها كثيرًا، وربما تعلم أني أنا أيضًا قد تحطمت أجزاء مني، أحلام وأيام ومعهم قلبي.

سأضع حدًا لهذا الاسترسال، أظن أني أفقد اهتمامك وأصيبك بالملل، صدقني كانت رسالتي فقط هدفها الاطمئنان عليك. أشعر بالشفقة عليك، كيف حالك؟ نعم هذه أمنيتي لهذا العام، أتمنى أن تكون بخير.

ملحوظة: عزيزي سانتا، هل تسمح لي فقط أن أذكرك بأمنيتي كل عام منذ سنوات والتي لم تحققها بعد، الحرية.

1 تعليق

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة