كأس العالم.. أمل يتحقق

ليست هذه هي أول مشاركة للمغرب في المونديال، ولكنها المشاركة الأبرز.

ما الذي جعل العالم يتكلم اليوم عن فريق أفريقي هو أول من مثل القارة السمراء والعالم العربي في المربع الذهبي؟ وما الذي جعل الناس في مختلف أرجاء العالم تبحث عن هذه الدولة التي تقع في شمال أفريقيا وتود أن تعرف عنها أكثر؟

كانت أول مشاركة للمنتخب المغربي في كأس العالم المنظمة بالمكسيك سنة 1970، حيث مثل أفريقيا التي لم تحظَ في هذه الدورة سوى بمقعد واحد. وصحيح أن أول مشاركة لم تخل لأسود الأطلس سوى التعادل في مباراتهم ضد بلغاريا، وبالتالي الإقصاء وعدم الصعود إلى دور ربع النهائي- حيث كان عدد الفرق المشاركة في كأس العالم آنذاك 16 فريقًا- إلا أن منتخبنا الوطني عاد إلى المكسيك سنة 1986 ليوقع واحدة من أجمل المشاركات الأفريقية في المونديال.

وقع المغرب في مجموعة ضمت كلًا من بولندا وإنجلترا والبرتغال، واستطاع أن يتصدر المجموعة بتعادلين في المباريتين الأوليين، وينتزع الفوز من البرتغال بثلاثة أهداف مقابل هدف واحد. وضجت الشوارع المغربية آنذاك باحتفال الشعب المغربي لصعود فريقه إلى ثمن النهائي، وردد الناس «الزاكي ووليداته تا فرقة ما غلبته»، نسبة إلى قائد الفريق الوطني بادو الزاكي. وقد كانت هذه هي المرة الأولى التي تشهد وصول فريق عربي وأفريقي إلى دور الـ 16، وحتى مغادرته البطولة فقد كانت مشرفة جدًا، إذ هُزم من ألمانيا الغربية بهدف وحيد سُجل في الدقائق الأخيرة من المقابلة.

وتوالت مشاركتنا في سنوات 1994 و 1998 و 2018، إلى أن صعدنا إلى كأس العالم 2022 إثر الفوز على منتخب الكونغو الديمقراطية ذهابًا وعودة، ولكن أجرأ ما في مشاركة المغرب في مونديال قطر هو اختيار المدرب وليد الركراكي قبل ثلاثة أشهر فقط من انطلاق المسابقة الأهم كرويًا، في مجازفة لم نكن للأمانة كمتفرجين ندرك قيمتها، بالرغم من تألق الركراكي كلاعب في صفوف المنتخب الوطني سابقًا، ثم كمدرب.

صعد الركراكي بفريق الفتح الرباطي إلى أعلى إنجازات حصل عليها في تاريخه كفريق مغربي، حيث فاز بكأس العرش والدوري المغربي، وانطلق بعدها لتدريب الدحيل القطري ومنحه لقب الدوري، ثم أخيرًا الوداد البيضاوي الذي توج بالدوري المغربي ودوري أبطال أفريقيا.

اختار الناخب الوطني تشكيلة كانت مفاجئة بعض الشيء، فقد استطاع إقناع ثلاثة لاعبين غابوا عن صفوف المنتخب الوطني لسنوات بالعودة واللعب بقميص الفريق، وهم مهاجم نادي اتحاد جدة السعودي حمد الله، ونجم نادي تشيلسي زياش ومدافع بايرن ميونيخ مزراوي، كما ضم قائمة متميزة حفرت أسماء بونو وحاكيمي وأمرابط في أذهان الجماهير.

آمن المنتخب الوطني بحلمه، وفي تصريحاته قبل انطلاق المباريات أكد الركراكي أننا جئنا إلى قطر لا لنمثل المغرب تمثيلًا مشرفًا ولكن للفوز بالكأس. وبهذه الروح استطاع المغرب أن يتصدر مجموعته، متفوقًا على كرواتيا وصيف النسخة الماضية، وتخطى الغريم الإسباني محافظًا على نظافة شباكه، ثم هزم البرتغال محطمًا حلم الدون رونالدو في حمل كأس العالم. ومثلما أسعد سعيد عويطة ونوال المتوكل الشعب المغربي بأن كانا أول عدائين عربيين وأفريقيين يفوزان بالميدالية الذهبية في الأولمبياد، فقد أسعدنا المدرب وليد الركراكي ورفاقه بأن كنا أول منتخب عربي وأفريقي يصل إلى المربع الذهبي في بطولة كأس العالم.

ولكن الأجمل من وجهة نظري، أن تفوق المغرب لم يقتصر فقط على الجانب الرياضي، بل أوضح للعالم كله صورة عن المجتمع المغربي الذي ما زالت تميزه روابط الأسرة والفخر بالأهل، وخصوصًا الأم، وأكدت مساندة الجماهير المغربية وتشجيعها الذي ضرب به المثل جملة من نشيدنا الوطني: «هب فتاك، لبى نداك». والأروع هو حمل الفريق بعد كل فوز علم فلسطين.

إنها حقًا دورة استثنائية بكل المقاييس، الحلم لم يكن مغربيًا فقط، بل قطريًا من البداية، مازلت أذكر تقديم ملف قطر «حان الوقت لمنح منطقة الشرق الأوسط شرف تنظيم كأس العالم»، وقد كان من أروع التنظيمات وأكثرها دقة واحترافية.

أمل تحقق، وخُتم اليوم برفع قائد فريق التانجو الكأس مرتديًا العباءة العربية.

شكرًا لمنتخبنا المغربي. وشكرًا قطر.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة