تقول نوال السعداوي إن المرأة مضطرة للحفاظ على زوجها بأي شكل كان، حتى وإن كان سكيرًا، عربيدًا، زير نساء، أو يضربها كل يوم بالسوط، لأنه لو تركها تنتهي حياتها الاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية والنفسية. وبرغم إدراك المرأة لهذا المصير التعيس تدرك أيضًا أنه المصير الوحيد المقبول.
تعد ظاهرة الطلاق في مصر من الظواهر التي لها تأثير الصاعق الكهربائي على الجسد البشري بالنسبة لأهل الزوج والزوجة، ولا يمكنهم قبول قرار مثل الطلاق بهذه السهولة، فعندما يأخذان القرار و يعلنان عنه تنهال على المرأة الأحكام والأسئلة، وكأنها هي وحدها المتسببة في مثل هذا القرار. وأحيانًا ينهال على الرجل- خاصة في حالة وجود أطفال- كلام مثل «راعي بيتك» أو «عايز بناتك يتربوا من غير راجل»، وكأن المجتمع يزيد من الطين بله، ويوصم المرأة التي تربت على يد امرأه فقط وكأنها «بلا رباية»، غير مكترثين بالمرأة التي تعبت وعانت من أجل إخراج ابن أو ابنه أسوياء إلى هذا المجتمع.
ولا تستطيع المرأة التي تريد الطلاق هي الأخرى رد ركلات المجتمع إليها، وللأسف دائمًا يكون السلاح مصوب إليها من امرأة مثلها، بل وهي الأقرب إليها، وهي الأم، فالأم عندما تدرك أن ابنتها في بداية خوض معركة الطلاق تبدأ بإلقاء الدروس عن كيف تحافظين على زوجك في ٦٠ خطوة، ولا يمكن لأي عبقري أن يفرغ جعبة الأم من الأسباب والحيل الكثيرة التي تملكها، ويكون أكبر سلاح لديها لمواجهة مصير الابنة هو المجتمع «أنتي عارفة بيتقال إيه على الست المطلقة؟».
حقيقي سؤال لم نعرف إجابته حتى وقتنا هذا، سؤال مجهول الهوية أصدره المجتمع وتوارثه عبر أجيال، ويحمل في طياته كل الظنون السيئة لهذه المرأة المنبوذة والموصومة مجتمعيًا، وماذا فعلت؟ طلبت فقط حقًا من حقوقها، وهو الحرية من حياة زوجية لا في استطاعتها ولا قدرتها أن تستكملها وهي بقوى نفسية سليمة، فتُصّدر للمجتمع أبناء يعانون من أبوين لم يهنئا أو يسعدا في حياتهما معًا يومًا، فما بالك بتربيتهما لأبناء وهما مهزومين نفسيًا بهذا العبء!
كلمة الوصم في اللغة العربية تعني العيب، ووصم الشيء عابه، والوصمة العيب في الكلام، أما الوصم بالنسبة للمرأة المطلقة في مجتمعنا فيعني إلحاق العيب والعار بها، فعندما تفقد المرأة عنصر الزواج الذي كان يمنحها التقدير والاحترام أمام المجتمع وتصبح ثيب ينقلب العالم ضدها، وتبدأ هي في مواجهة اتهامات ليس بيديها حيلة أمامها. والمرأة الثيب هي امرأه فقدت عذريتها بالزواج، وإن كانت قبل الزواج أعين المجتمع عليها في تصرفاتها وشكلها الظاهر للعامة ومستوى احتشامها، تستطيع القول أن هذه الأعين ترافقها ألسنة كثيرة تلقي بأحكامها من دون أي حكمة أو خجل.
الطلاق في المجتمع هو قرار ناتج عن اختلافات واضطرابات بين الزوجين، نتيجة مشاكل ومشاحنات بينهما، وعندما تصل الأمور للذروة يكون الطلاق هو النتيجة الطبيعية لذلك، فكل فرد مقبل على الزواج تكون في مخيلته بعض الآمال والتصورات والاحتياجات، ووهم الاستقرار أحد هذه التخيلات، ولكن في عصرنا هذا، ومع سوء الاقتصاد، تصبح المشاكل المتسببة بالطلاق بين الأزواج أكثر منطقية، ونتيجة طبيعية لوضع اقتصادي صعب.
و الأصعب دائمًا هي فكرة الوصم، أن يعيب فردًا غيره لمجرد الاختلاف، ومن هنا حدد «أرفنج جوفمان» تعريف الوصم، فهو يرى أن الوصمة هي الصفة التي تجعل الفرد مختلف عن الآخرين، ويتم تقويمه في عقولنا من شخص كامل وعادي إلى شخص ملوث وخصم، فالوصم صفة تشوه السمعة، وبالنسبة لـ«جوفمان» تشمل الوصمة مفاهيمًا سلبية متجذرة عن الأفراد الموصومين، بناء على المعاني الاجتماعية للفرد.
وفي عصر وصلت فيه المرأة لمناصب قاضية وكابتن طيار ورئيسة دولة ورئيسة وزراء، عصر أصبحنا نتعامل فيه بالعملة الرقمية، وأصبحت فيه القيمة للمعرفة والمعلومة، لا زال يتم وصم المرأة بناء على وضعها الاجتماعي، فإن كانت مطلقة يتم وصمها، وإن تأخرت في الزواج تأخذ نفس النصيب من الوصم، فكيف لفرد أن يعيب على فرد آخر لمجرد أنه لم يلتحق بنفس العجلة الاجتماعية الروتينية؟ ولماذا يكون دائمًا الاختلاف أو التغيير هو «بعبع» الدول العربية القائمة على تقاليد بالية قديمة الأزل؟!
المرأة ليست مجرد مسميات وألقاب أطلقها المجتمع ليرضي عجلة التقاليد والأعراف التي يرتاع خوفًا من أن يكسرها الوقت والزمن وتمرد النساء، لأن المرأة ليست مطلقة وعانس وبنت بنوت وعاقر، ولا يمكنك دائمًا الحكم عليها من الجانب الجسدي، لأن إهانتها ووصمها من إهانة كل أخت وزوجة وابنة وأم، وفي الآخرة هي التي تحت أقدامها الجنة، فلماذا لا نضعها فوق رؤوسنا في الدنيا؟