هو الحوار على إيه؟

في أبريل ٢٠٢٢ تم الإعلان عن تكوين ما أطلق عليه «لجنة العفو»، وبداية ما أطلق عليه «الحوار الوطني». خطوات ومراحل كثيرة، تمخض الجبل فلم يلد فأرًا في الحقيقة لكن حيوان آخر شبيه، مجموعة من الأرانب.

قبل أن أدخل في الموضوع أود توضيح بعض المعلومات المهمة عن الأرانب، الأرنب حيوان أليف، وتحتاج تربية الأرانب إلى عناية خاصة، ذلك أنها من الحيوانات شديدة الحساسية للأمراض والظروف البيئية المختلفة، وهي من الحيوانات التي في غاية الحذر والهرب السريع إذا تطلب الأمر. ومن الجدير بالذكر أيضًا أن الكثير يشتهي لحم الأرانب.

أما الأرانب البرية فهي في الغالب تقع صيدة للصقور. وتسكن الأرانب في جحور تحفرها في الأرض وهي تتشعب لعدة أنفاق، وعادة ما يكون لها عدة مخارج لتساعدها على الهرب عند أي هجوم.

نرجع لمرجوعنا.. تمخضت الدعوة عن بروز عدة شخصيات وأحداث ومحاولات مختلفة، كلها ليست الأمر الذي نريد أن نخوض فيه هنا، لأن هذه التفريعات هي بالضبط ما أكتب الآن ضده. السؤال الواضح الذي يسأله هذا المقال: «هو الحوار على إيه؟».

وعلشان نفتكر كويس الحوار على إيه، علينا أن نتذكر أمر مهم، هو الحوار اتعمل ليه؟ بصيغة تانية تم الإعلان عن الحوار ليه؟

خليني أفكركم وأفكر نفسي، وأفكر قيادات الحركة المدنية والأحزاب السياسية وكل اللي بيشاركوا في الحوار الوطني.

نحكي الحدوتة باختصار..

في ٢٠١٩ حصل هجمة أمنية مرعبة، بعد خروج مئات في القاهرة والسويس والإسكندرية في مظاهرات، وعشرات متفرقة في مناطق أخرى، مظاهرات لشباب غير مسيس، ولم يقدها أي من القوى المعروفة، إنما حشدها تدهور الوضع الاقتصادي وغلق المجال العام، الذي جعل العطش الشديد لأي صوت مخالف لأبواق الكذب الإعلامية مقبولًا، وكان هذا الصوت هو المقاول محمد علي.

بأسلوب شعبي بسيط، لا دقن ولا فزلكة التيار المدني ولا تعاقيد المثقفين. اتهامات لها علاقة بالاقتصاد بشكل أو بآخر، ممزوجة بسخرية تشفي وجع من طول الصمت والكذب. فوقعت الواقعة.

أو إن صح التعبير «نسمة خفيفة عدت ع السور»، منقدرش نقول نُفخ في السور حتى.. المهم بسبب النفخه الخفيفة دي، النظام فعل سياسة الإجراء الاحترازي بشكل مضاعف، والإجراء الاحترازي بتاعه هو «لملي العيال بتوع يناير دوول».

العيال دوول بقوا في التلاتينات والأربعينات، وفاتحين بيوت وعندهم مسؤوليات وأمراض، بس كمان عندهم التجربة وعندهم الذكرى. تجربة هدم نظام قمعي، وذكرى النصر.

وبدأت الحملة، مراحل مراحل. ودخلنا كلنا السجن.

وبعد السجن؟

عدت ٢٠٢٠، ولغاية يناير ٢٠٢١ اتغير النظام. طبعًا مقصدش المصري بعد الشر عنا، لكن أقصد الأمريكي. «ترامب» بحزبه سلموا لـ«بايدن» وحزبه، واختصارًا لتفاصيل معروفة ومكررة رجعت تاني لبانة «حقوق الإنسان» من النظام الأمريكي، وبابا «بايدن» بقى زعلان علشان الحريات السياسية في مصر والمعتقلين، طبعًا مش موضوع خلافات خالص لها علاقة بقضايا استراتيجية ولا ضغط لمصالح في المنطقة وإنقاذ للاقتصاد، لكن طبعًا علشان فعلًا زعلان من التعذيب والحبس السياسي ومعتقلي الرأي في مصر.

قصره.. عملنا مجموعة الحوار الدولي، مجموعة شيك وذكية وحاطين عينين على بعض، ومشكورين ساعدوا في إطلاق سراحنا مجموعه ورا التانية، بعدين هوب دبل كيك! السادات اللي كان رأس حربة في المجموعة اتغضب عليه، واتقتل كمان واحد من حزبه «أيمن هدهود»، ودخلت الأمور في منحى مليان إشاعات منطقية وواردة ومحتملة، عن صراعات وجبهات وضرب تحت الحزام.

بس مش موضوعنا.. موضوعنا إن حصل إفطار الأسرة المصرية، وشوفنا لقطة السلام الحميمي مع حمدين صباحي، اللي تلاها صباحًا صورة حضن الصحفي حسام مؤنس له وهو خارج من بوابة السجن، وطبعًا مننساش صورة الصحفي خالد داوود السجين السابق وهو جنب لوا داخلية على ما أذكر الرتبة.

وكلاهما صباحي وداوود لهما تجاربهما اللي تحترم، وتعرف تختلف معاهم بشياكة وأنت واثق على الأقل إنك مش هتتسجن.. المهم كان كمان في شوية وشوش تانية مقبولة من أطراف مختلفة.

وبسم الله الرحمن الرحيم وهنبدأ الليلة..

وبدأ العرض، وفي فقرات كانت كلها تصفيق حاد، والفقرات دي كانت بتاعت خروج سجناء الرأي من السجون. وكان في فقرات بايخة بتاعت الساحر العبيط «بص العصفور بص العصفورة ها راح فين الحوار!»، وكان في فقرات صمت وستار مقفول ظاهر من وراه خناقات ودوشة، وتتفتح الستارة تاني، وفقرة واحدة مستنينها احنا – المحبوسين السابقين بلاش المعتقلين بتزعلهم- مع كل قفلة وفاتحة.. هي فقرة بس اللي لها وزن عندنا، فقرة خروج المعتقلين، معلش اسمحوا لي بحب أسمي الأشياء بمسمياتها. مش قادرة.. موضوع عفو ودمج ومسجونين وحوار، كلها مسميات لحاجة واحدة: حل الأزمة المتعلقة بحرية الرأي والتعبير واللي على أساسها حصلت الليله دي كلها.

حرية الرأي والتعبير اللي كتمت الناس وخلتهم يرموا ودانهم لأي حد يقول كذب محتمل بدل كذب مؤكد في وشهم ليل ونهار.

فلو مش هيخرج الناس من السجن، زمايلنا وأصدقائنا والناس اللي مش معروفة، وكل اللي متورطش في عنف بجد مش بتقارير الأمن الوطني اللي مطلعانا كلنا إرهابيين! وكمان نوقف اعتقالات جديدة، ده اللي خرج دخل تاني زي زياد أبوالفضل اللي خارج معايا، ولا آية كمال البنت الصغيره اللي دمها خفيف اللي صحتها ضعيفة جدًا ونفسيًا في حالة سيئة، واللي قضيت معها شهرين في زنزانة متر ونص في متر ونص، ولا شريف الروبي اللي جاب لكم فكرة تشغيل اللي خرجوا!

لو مش هيتعدل قانون الإرهاب، لو مش هيتشال الحجب عن المواقع، لو مش هيتفتح المجال العام وتتفتح مقرات للأحزاب في التيار المدني ويتسمح لهم بنشاط حزبي، يبقى الحوار على إيه؟!

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة