تربية رفض العنف قبل مناهضته

دعيت للكتابة عن هذه القضية، ولا أخفي حيرتي في اختيار الزاوية التي أتناول منها الموضوع. وقد فضلت ألا أطرح هذه الآفة من الناحية القانونية، وما يشملها من نصوص أو قوانين شُرعت، أو يُطالب بتشريعها إلى اليوم، لحماية المرأة، ومن ثم حماية المجتمع ككل من العنف، فأعتقد أن هناك عددًا من الحقوقيين أجدر بمناقشة الموضوع والإدلاء بتفاصيله.

لكن فلننظر إلى العنف ضد المرأة من ناحية اجتماعية، فما الذي يجعل المرأة ضحية للعنف؟ وما الذي يجعلها تقبل التعنيف؟ ولماذا لا تنتفض رافضة أي إساءة توجه لها؟

تذكرت وأنا أكتب هذا المقال نصًا قرأته وأنا في بداية مراهقتي، للأديب الجزائري مولود فرعون، سرد فيه أن الصبي الذي نشأ في أسرة لم تنجب غيره من الذكور كانت لديه كل الصلاحيات في تعنيف إخوته الإناث، حتى أن أمه كانت تعاقب أي واحدة من بناتها إذا اشتكت من تصرفات أخيها معها، قائلة: «احمدي الله أن لديك أخًا رجلًا». نشأة غريبة تحيد عن فطرة الإنسان وآدميته، وتربي أجيالًا على نفسية غير سوية بالمرة، تجعل من الرجل كائنًا ساديًا يستمتع بإهانة المرأة، التي تعيش مازوخيتها بكل استسلام.

أتذكر نظرات عروس الإسماعيلية، في اللقاء الذي أجراه الزوجان عقب حفل الزفاف، حيث نكل العريس بها على مرأى ومسمع من الجميع، نظرات رضا وخنوع، ولا أجرؤ أن أكتب ونظرات حب. سيستاء البعض عندما أقول أن المرأة هي أحد أسباب العنف، عندما تقبل بأن تُعنف من دون أن تسعى لأخذ حقها وردع من يعنفها. كم من امرأة تقدم بلاغًا في زوجها أو أخيها إثر تعرضها للضرب؟ بل كم من امرأة تتخذ قرارًا بالانفصال عن شريكها لو تجرأ وعنفها؟!

سيعلل البعض هذا باحتياج المرأة المادي في كثير من الأحيان، وسأجيب أنه في عدد لا بأس به من هذه الحالات تكون المرأة هي المعيل أصلًا للأسرة!!

وللإنصاف فمجتمعنا العربي ليس حالة خاصة، أذكر هنا إحصائية ترتعش يدي لكتابتها، ويكاد عقلي أن يرفض تصديقها، ففي فرنسا لقيت 113 امرأة سنة 2021 حتفها جراء تعرضها للضرب من طرف شريكها. على الرغم من أن هناك رقمًا مخصصًا للاتصال بالجهات المكلفة إثر تعرض المرأة لأي بادرة عنف، وبالفعل تلجأ له كثير من النساء الفرنسيات، ولكن للأسف قليل منهن من تكمل خطوة تقديم شريكها إلى العدالة. هذا ماعدا الحالات التي تُدفع فيها النساء إلى الانتحار.

وفرنسا،على سبيل المثال لا الحصر، هي واحدة من الدول الغربية التي تكفل قوانينها حقوقًا كاملة للمرأة، وتوفر لها مراكز خدمة اجتماعية، ولكن للأسف تتنازل المرأة عن كل هذا.

أعتقد أن الرؤية الصائبة لمناهضة العنف هي تربية المرأة أولًا على رفضه، وعلى عدم التردد ولو للحظة في التبليغ عنه، والمثابرة على أخذ حقها بالكامل. أما إذا ما سلمت المرأة بأن تعنيف الرجل لها هو حق مشروع، فقُل على محاولاتنا لمناهضته السلام.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة