ما رأيك في القيام بتجربة حية الآن قبل قراءة مقالي البسيط؟ موافق طبعًا؟ شكرًا شكرًا.
فلنبدأ.. قم بإحضار كوب من الماء ساخن جدًا، وضع به ملعقة من الخل وملعقتين من الشطة، وأحضر كوبًا آخر ضع فيه ماء مثلج وملعقة من العسل الأبيض فقط.
أحضرت الكوبان؟ إذًا وجه هذا السؤال إلى الشخص الجالس بجوارك أو في محيطك وعلى صلة وطيدة به، السؤال: «لو شتمتك في خناقة وجرحت مشاعرك وجيت عليك هتزعل مني في وقتها ونرجع نتكلم عادي؟ ولا هتاخد موقف وتبعد خالص؟».
ربما توقعاتك العالية كالعادة - أخد بالك من كالعادة دي- خيلت لك أنه عندما يخبرك الشخص القريب منك أنه لن يبعد رغم الإهانة وجرح المشاعر فهو يستحق كوب الماء المثلج الممزوج بالعسل كمكافأة له! هذه توقعاتك.. لكن الحقيقة هو يستحق الكوب الممزوج بالشطة والخل، ويستحق أيضًا أن ترسل له هذا المقال ليفرق بين «كلمتين في خناقة» و«العنف اللفظي».
«إيه الكلام الكبير ده يا يوستينا؟». بكل بساطة هو كلام كبار علماء النفس، ودراسات استمرت لسنوات للخروج بنتائج تؤكد أن العنف اللفظي أحد أنواع العنف الرئيسية، وهو مرفوض تمامًا قبوله أو تبريره، أي عندما توجه إساءة وإهانة وعبارات مؤذية لشخص وتقول له بعدها: «متزعلش مني.. دول كلمتين في خناقة» فهذا لا يعفيك من كونك معتدي.
للعنف أشكال عديدة، ليست كلها جسدية كما تظن، وتقول الدراسات إنه عندما يستخدم شخص ما كلمات متكررة لتحقير شخص آخر وتخويفه والتحكم فيه فإن ذلك يعتبر عنف، وللعلم، العنف اللفظي يحدث في العلاقات العاطفية، وبين المتزوجين، وفي العمل، والشارع، والمدارس، والجامعات، والمساجد، والكنائس، والمعابد وكل مكان يمكن تخيله.
تسأل لماذا يندرج العنف اللفظي ضمن أشكال العنف؟
لأن الإساءة اللفظية لها نفس تأثير الإساءة الجسدية، كما يتطور العنف اللفظي في أغلب الحالات إلى عنف جسدي، وفي بلدان مثل المغرب والجزائر يجرم القانون العنف اللفظي، وتصل مدة الحبس لمرتكبه لـ 5 سنوات، ويتم التعامل مع القضية كقضية سب، والآن في مصر أصبح لدينا قانون يعاقب على التحرش اللفظي، أحد أشكال العنف اللفظي.
أصدرت منظمة «RAND» البحثية تقريرًا يفيد بأن ما يصل إلى 13.1٪ من الرجال و 12.4٪ من النساء في العالم تعرضوا للعنف اللفظي بانتظام في العمل، وأن 12.1٪ من النساء و 17.3٪ من الرجال تعرضوا للعنف في العلاقات العاطفية والاجتماعية، وأن أكثر من مليار طفل تتراوح أعمارهم بين 2 لـ 17 عام قد تعرضوا لنوع من أنواع العنف اللفظي.. مليار طفل متخيل الكارثة!
ومؤخرًا، أصدر المجلس القومي للمرأة إحصائية صادمة تشير إلى تعرض 75% من النساء في مصر للعنف، بينهن 50% تعرضن لإهانات لفظية.
الأرقام صادمة، وأنا وأنت وغيرنا من النساء غير قادرات على قول «لا» للعنف اللفظي، ومجتمعنا وبيوتنا تتعامل معه على أنه «كلمتين في خناقة» و«شيطان دخل بينكم»، في الوقت الذي تتعرض فيه الكثير من النساء في دوائر معارفنا للعنف اللفظي بشكل يومي، ويعتقد بعضهن أنه أقل ضررًا من العنف الجسدي، لكن في النهاية جميع أشكال العنف عنف.
مرة أخرى، العنف اللفظي هو شكل من أشكال العنف، هدفه إضعاف شخصية الفرد وكيف يشعر تجاه نفسه، يستخدمه المعتدون للمساعدة في الحفاظ على مستوى من السيطرة أو السلطة على الشخص الذي يتم الإساءة إليه، وقد يحدث بين الأزواج، أو بين الأباء والأبناء، أو بين الأصدقاء وزملاء العمل، كما يحدث في كل مكان في العالم، ودورك أن تقول لا.
دورك استغلال الـ 16 يوم تدوين من أجل مكافحة العنف ضد المرأة لتقرأ عن العنف اللفظي وتأثيره النفسي عليك، وأن تساهم في توعية كل سيدة وفتاة تعرفها حوله، وأن تقدم كل طرق الدعم بقدر استطاعتك لكل شخص يتعرض لأي نوع من أنواع العنف، وفر مكان آمن، وظيفة، إرشاد، طريقة تسهل عليه حياته، والأهم أن تقول لا، لا لكل أشكال العنف.