في الوقت الذي يظهر فيه النظام نفسه في مختلف المناسبات المحلية والدولية كحامي للنساء، ويتباهى باهتمامه بالمرأة المصرية وتمكينها ومنحها حقوقها، تكشف الأرقام عن صورة مخالفة، ووضع أضحى مثير جدًا للقلق بالنسبة للنساء في مصر.
تصاعدت وتيرة جرائم العنف ضد النساء في مصر بشكل مخيف خلال السنوات الأخيرة، وبالرغم من عدم وجود إحصائيات ونسب دقيقة ومحدثة من الدولة حول جرائم العنف ضد المرأة، يمكننا عبر بعض الجهود البحثية الوصول إلى نتائج تظهر حجم المشكلة، التي تحولت في بعض الحالات إلى ممارسات ممنهجة، مثل جرائم التحرش الجنسي، وجرائم القتل المبني على النوع.
كذلك أخذت ظاهرة العنف المنزلي التي تودي بحياة مئات النساء سنويًا في التزايد، بخلاف جرائم الاغتصاب التي يتخللها العديد من التجاوزات والانتهاكات والعراقيل الإجرائية في حالة لجوء الضحية للقضاء، ما يؤدي في بعض الحالات إلى براءة الجاني، وتتحمل الناجية وحدها العبء الاجتماعي والنفسي كاملًا، هذا بخلاف تبرير أغلب قضايا القتل والضرب - والموافقة ضمنيًا عليها- تحت مسميات الشرف والوصاية والتأديب!
ما يحدث هو أن النظام يحاول أن يظهر وكأنه يهتم، لكنه في الحقيقة أنه لا يمتلك إرادة ولا رؤية حقيقية لمناهضة العنف ضد المرأة، بل ويزيد الطين بله بنفسه باستخدام عنف سياسي وعنف السلطة تجاه النساء.
.
هذا التزييف تفضحه الأرقام بشكل كبير، فوفقًا لمركز «دام» تم تسجيل 813 جريمة عنف ضد المرأة في 2021، مقارنة ب 415 واقعة خلال 2020. مما يشير إلى مضاعفة حالات العنف ضد المرأة - المُبلغ عنها- خلال عام واحد. كما تم رصد 296 حالة قتل مبني على النوع ضد نساء وفتيات في مختلف الأعمار. فضلًا عن 78 حالة شروع في قتل، و54 حالة اغتصاب، بخلاف حالات هتك العرض التي لا يتم توصيفها كاغتصاب وفقًا للقانون المصري، و100 حالة أغلبهن انتحرن بسبب التعرض لعنف أسري أو ابتزاز وتهديد.
ووفقًا لدراسة ميدانية للمجلس القومي للمرأة في 2014، تتعرض نحو 1.5 مليون امرأة مصرية للعنف الأسري سنويًا. وبالرغم أن الرقم صادم، إلا أنه يمثل فقط أعداد النساء المبلغات عن جرائم العنف المنزلي، والتي تمثل 13% فقط من إجمالي عدد المعنفات سنويًا. بحسب تصريحات صحفية لدينا شكري الطبيبة الشرعية والخبيرة في قضايا العنف ضد المرأة والاعتداءات الجنسية، وعضو فريق الاستجابة السريعة للعدالة، في 2020.
كما احتلت مصر المركز الأول عربيًا من حيث مستويات التحرش الجنسي، وفقًا لمركز «الباروميتر العربي»، الذي أشار إلى أنه خلال 12 شهرًا أفادت 63% من النساء بالتعرض لأحد أشكال التحرش الجنسي خلال فترة السنة المنقضية، وجميع الشابات تقريبًا أفدن بتعرضهن للتحرش خلال حياتهن (%90 من النساء بين 18و29 عاماً، و 88% من النساء بين 30 و40 عامًا).
وكذلك فإنه وفقًا لإحصائية للمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية في عام 2014، تندرج 92% من جرائم القتل الأسرية تحت ما يسمى بجرائم الشرف، 70% منها ارتكبها الأزواج ضد زوجاتهم، و20% ارتكبها الأشقاء ضد شقيقاتهم، بينما ارتكب الآباء 7% فقط من هذه الجرائم ضد بناتهم، والنسبة الباقية وهي 3% ارتكبها الأبناء ضد أمهاتهم. كما اتضح أن 70% من هذه الجرائم اعتمدت على الشائعات، وكشفت تحريات المباحث في 60% منها أن السبب سوء ظن الجاني بالناجية. كما أظهرت نتائج دراسة أجرتها هيئة الأمم المتحدة في 2017 عن المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة أن حوالي 99% من النساء المصريات قد تعرضن لصورة ما من صور التحرش الجنسي.
تشير الإحصائيات السابقة إلى الواقع الذي تعيشه النساء في مصر، في ظل الزيادة المقلقة للجرائم المبنية على النوع. وقد تناولت منظمات محلية ودولية وضع العنف ضد النساء في مصر كظاهرة اجتماعية يجب الحد منها والتعامل مع أسبابها الهيكلية.
وعلى الرغم من ذلك، تفتقر الأدبيات ذات الصلة إلى تناول عميق للأسباب السياسية التي تقنن وتسمح بانتشار تلك الجرائم وإفلات مجرميها من العقاب، ودور مؤسسات العدالة الجنائية في مصر في الحد من قدرة النساء على الوصول إلى العدالة في تلك القضايا، ما جعل النساء يلجأن إلى آليات بديلة خارج نظام العدالة لمعاقبة الجناة.
بين هذه الآليات ما ظهر في السنوات الأخيرة من حركات دعم ومناصرة عملت بجهود ذاتية لدعم ومساعدة الناجيات من جرائم العنف وكشف وفضح الجناة، مثل حملة «مي تو» وصفحة «بوليس أسالت» التي أنشأتها مجموعة من النساء لفضح جرائم اغتصاب وتحرش المجرم «بسام ذكي»، وبسببها ألقي القبض عليه وتمت محاكمته وتجريمه، ومن بعدها عملت الصفحة على دعم الناجيات وكشف وفضح الجرائم الجنسية في حق النساء. وعلى نفس النمط ظهرت مدونة «دفتر حكايات» في يوليو 2020.
تلك المحاولات المثمنة في محاولة النساء في الدفاع عن أنفسهن، بجانب مؤسسات المجتمع المدني المعنية بقضايا المرأة مثل مؤسسة «المرأة الجديدة» و«قضايا المرأة» وغيرها من المؤسسات المستقلة التي تعمل بشكل حقيقي داعم لحقوق النساء، وبالإضافة لعشرات الناشطات الجادات في دعم قضايا تخص التمكين الاقتصادي للمرأة، ومناهضة العنف بأنواعه، والدفاع عن حرية المرأة في ممارسة حياتها الشخصية بالشكل الذي تختاره، والدفاع عن الأقليات من مجتمع الميم، وغيرها من المبادرات التي لا تسلم من محاولات التعكير والتضييق المستمرة من قبل النظام نفسه الذي يحاول أن يظهر بمظهر المدافع عن النساء!
عندما بدأت في كتابة هذا المقال كان الأمر أصعب مما ظننت، حيث قررت في البداية أن أكتب عن تجربة شخصية عن أحد أشكال العنف الذي تعرضت له، ما سحبني داخل دوامة من التجارب المؤلمة، فعن ماذا أكتب؟ العنف المنزلي؟ أم العنف الاقتصادي؟ أم العنف الذي تعرضت له خلال تجربة اعتقالي؟ أم العنف الطبي أثناء مرضي؟ أم عما تعرضت له من وقائع تحرش لا تُعد؟ أم محاولات هتك العرض داخل مؤسسات حكومية؟ أم العنف اللفظي في الشارع من قبل ذكور سواء بشوارب أو أثداء!
ثم انتهيت إلى عدة أسئلة.. كم سيدة تعرضت لمختلف أنواع العنف ولم تجد غطاء قانوني تلجأ له؟ كم سيدة تعرضت لعنف من قبل منفذي القانون ومن السلطة نفسها؟ هل تحاول السلطة فعلًا تغيير سياستها تجاه المرأة ومناهضة العنف؟ لماذا لم يتم تشريع مقترح القانون الموحد للعنف ضد المرأة حتى اللحظة؟ لماذا لم يتم اتخاذ إجراءات فعلية في حماية حقوق المرأة وتشريع مقترح قانون الأحوال الشخصية؟ ما الصعوبة والمشاريع جاهزة ومتقنة الصنع؟ أم أن الدولة فقط تحاول أن تظهر «ويكأنها» تحاول، لكنها لا تستهدف تغيير حقيقي لوضع قاتل - حرفيًا- تحياه النساء؟ سأترك أنا الأسئلة وأنتظر الجواب منكن/م.