المستقبل لونه أخضر

كانت البداية في عام 1968 عندما زادت المخاطر البيئية وتأثيراتها على شعوب العالم، فدعت الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى عقد مؤتمر دولي لمناقشة القضايا البيئية، وفي 1972 عقد هذا المؤتمر في «ستوكهولم» بـ«السويد» لمناقشة الحلول المطروحة للمشكلات البيئية، وانتهى بمجموعة من المباديء كان أهمها على الإطلاق إعطاء الحرية للدول في استثمار مواردها دون الإضرار ببيئة الدول المجاورة لها، وكانت هذه هي بداية وجود ما يسمى بالاقتصاد الأخضر.

«الاقتصاد الأخضر» وفقًا لتعريف برنامج الأمم المتحدة هو اقتصاد يؤدي إلى تحسين حالة الرفاه البشري والإنصاف الاجتماعي، مع الاهتمام في الوقت نفسه بالحد على نحو ملحوظ من المخاطر البيئية. أما على المستوى الميدانى، فيمكن تعريف الاقتصاد الأخضر بأنه اقتصاد يُوجَّه فيه النمو في الدخل والعمالة بواسطة استثمارات في القطاعين العام والخاص، من شأنها أن تؤدي إلى تعزيز كفاءة استخدام الموارد، وتخفيض انبعاثات الكربون والنفايات والتلوث، ومنع خسارة التنوع الأحيائي وتدهور النظام الإيكولوجي.

يشمل مفهوم الاقتصاد الأخضر فصل استخدام الموارد والتأثيرات البيئية عن النمو الاقتصادي للدول، والاستثمار في القطاعات الخضراء وزيادة حصتها في الاقتصاد، مما يترتب عليه توفير فرص العمل المتنوعة.

وللاقتصاد الاخضر قطاعات متعددة تتمتع بمرونة كبيرة لتتحول من شكلها الاستثماري الحالي إلى الاستثمار النظيف الصديق للبيئة، كقطاع السياحة من خلال الاعتماد على المساحات الخضراء الشاسعة والمسطحات المائية وبناء التجمعات السياحية المعتمدة على الطاقة المتجددة، وكذلك قطاع الطاقة المتجددة الذي يستهدف إنتاج مصادر متجددة وصديقة للبيئة، مثل إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والشلالات وغيرها، وقطاع الأراضي الزراعية من خلال توسيع المساحات المزروعة بالمواد العضوية والاهتمام بالمراعي الطبيعية، وقطاع المباني الخضراء بالتوسع باستخدام مواد بناء صديقة للبيئة، وقطاع إعادة تدوير المخلفات. ومن القطاعات الهامة جدًا لمصر قطاع إدارة المياه، عن طريق معالجة المياه وإعادة استخدامها في الزراعة.

يضرب الاقتصاد الأخضر حال تنفيذه عصفورين بحجر واحد، الأول الحد من الاحتباس الحراري والمشاكل البيئية المترتبة على استخدام المواد الملوثة للبيئة، والثاني بناء اقتصاد يتمتع باستدامة الإنتاج وتحقيق التنمية المستدامة.

وللتحول إلى الاقتصاد الأخضر يجب مراجعة السياسات الحكومية، وإعادة تصميمها لتحفيز التحولات في أشكال الإنتاج والاستهلاك والاستثمار، والاهتمام بالتنمية الريفية لتخفيف الفقر في الريف، مع زيادة الموارد والاهتمام بقطاع المياه وضبط استخدامها وترشيدها ومنع تلوثها، إلى جانب العمل على الاستثمارات المستدامة في مجال الطاقة وإجراءات رفع كفاءة الطاقة، ووضع استراتجيات منخفضة الكربون للتنمية الصناعية، والاعتماد على تكنولوجيات الإنتاج الأنظف.

ويعد الاقتصاد الأخضر بمثابة طوق النجاة لجميع دول العالم، من أجل التصدي للتحديات الكبيرة التي تواجه مجال البيئة العالمي، ولذلك توليه مصر أهمية كبيرة، من خلال تنفيذ مئات المشروعات في هذا المجال، وبدأت التوجه نحو الاهتمام بهذا النوع من الاقتصاد كأحد الأذرع المهمة والرئيسة في خطط التنمية الشاملة التي تجري على أرض الوطن، عبر تنفيذ العديد من المشروعات التي تتناسب مع الأولويات الاقتصادية والبيئية للدولة.

بدأت العديد من البلدان بالفعل في تحقيق تقدم في اتجاه الاقتصاد الأخضر في القطاعات الاقتصادية المختلفة، كالطاقة والزراعة ومياه الشرب والصرف الصحي والنقل وغيرها، مثل الطاقة الشمسية في تونس وبربادوس، وبرامج الطاقة المتجددة في الصين، والتخطيط المدني المستدام في البرازيل، وخدمات النظم الأيكولوجية في الإكوادور، والزراعة العضوية في كل من أوغندا وكوبا، بالإضافة إلى إدارة النفايات في كوريا الجنوبية.

كما ظهرت أيضًا مجموعة من المبادرات في العديد من الدول في سبيل انتقالها نحو اقتصاد أخضر، مثل تعهد المكسيك بتخفيض الانبعاثات الكربونية وتخفيض غازات الاحتباس الحراري إلى النصف بحلول عام 2050، ومساهمة كوستاريكا بأكثر من 170 مليون دولار من الميزانية الوطنية منذ إطلاقها عام 1993 لبرنامج الخدمات البيئية (PES) لمعالجة معدلات إزالة الغابات العالية.

وعلى صعيد الدول العربية، أطلقت الإمارات استراتيجية للتنمية الخضراء عام 2012، وهي مبادرة وطنية طويلة المدى لبناء اقتصاد أخضر، تهدف من خلالها أن تكون رائدًا عالميًّا ومركزًا لتصدير المنتجات والتقنيات الخضراء، بالإضافة إلى الحفاظ على بيئة مستدامة تدعم نموًا اقتصاديًا مستدامًا، وهو ما تجلّى في إنشاء مدينة نموذجية مستدامة منخفضة الاستهلاك في المياه والطاقة، واستُخدِم 200 ميجاواط من الطاقة النظيفة (بالطاقة الشمسية)، مقابل 800 ميجاواط مقارنة بمدينة تقليدية بنفس الحجم، ويُستهلك 8 آلاف متر مكعب من مياه التحلية يوميًا، مقارنةً بأكثر من 20 ألف متر مكعب يوميًا بالنسبة إلى مدينة تقليدية بنفس الخصائص.

كما تُعد التجربة المغربية في الانتقال نحو الاقتصاد الأخضر من التجارب الملهمة،  فقد أعدت الحكومة المغربية لهذا الانتقال وثيقة خاصة بعنوان «الاقتصاد الأخضر في المغرب»، جاء فيها أن الانتقال نحو اقتصاد أخضر يحترم التوازنات البيئية وقادر على توفير فرص جديدة لإنتاج الثروات وفرص العمل المستدامة يمثل هدفًا رئيسيًا للمقاربات الاستراتيجية الجديدة للتنمية المستدامة.

التعليقات

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

موضوعات ذات صلة