(١)
تشكلت لجنة العفو الرئاسي للمرة الأولى في عام ٢٠١٦، كأحد مخرجات «مؤتمر الشباب» في دورته الأولى، وكان لها اختصاص وأحد أصيل يتعلق بإعداد قوائم المحكومين من سجناء الرأي تمهيدًا لإصدار قرارات رئاسية بالعفو عنهم. وبعد أقل من عامين توقفت اللجنة عن مباشرة اختصاصها من دون سبب واضح معلن، وعادت الممارسات الأمنية تحكم المشهد من جديد، وعادت معها أعداد المحبوسين السياسيين للزيادة بشكل مطرد.
وأثناء كلمته التي ألقاها في إفطار الأسرة المصرية نهاية أبريل الماضي، دعا الرئيس السيسي إلى إجراء حوار يجمع كافة القوى السياسية، الحزبية والشبابية، من دون إقصاء أو تهميش، وأعلن عن إعادة تفعيل عمل لجنة العفو الرئاسي، بعد زيادة عدد أعضائها، وتوسيع دائرة اختصاصها لتشمل المحبوسين احتياطيًا على ذمة قضايا رأي، بالإضافة إلى الغارمين والغارمات.
منذ إعادة تفعيلها وحتى كتابة هذه السطور؛ ساهمت لجنة العفو الرئاسي في إخلاء سبيل ١٠٤٠ سجين رأي، والعفو عن ١٢ محكومًا، خرجوا على دفعات خلال الأشهر الخمسة الماضية، فيما أعرب الكثيرون عن تخوفهم من توقف عمل اللجنة خلال الفترة المقبلة، مع بدء فعاليات الحوار الوطني.
(٢)
بالفعل؛ ارتبطت إعادة تفعيل عمل اللجنة بدعوات الحوار الوطني، لكن هل يعني ذلك توقف عملها مع انطلاق فعاليات الحوار أو بانتهائها؟!
يبدو هذا التخوف منطقيًا ومبررًا، خصوصًا أن عملها قد توقف سابقًا، وهو ما يستدعي مصارحة من اللجنة في هذا الشأن، لتوضح لأسر المحبوسين ما إذا كان عملها يرتبط زمنيًا بعملية الحوار المزمع تدشينها قريبا، أم هو عمل ممتد لحين الانتهاء من هذا الملف بشكل كامل؟
ويجب أن تتضمن هذه المصارحة تقريرًا وافيًا حول عمل اللجنة منذ إعادة تفعيلها بما يشمله ذلك من؛ إجمالي عدد الطلبات التي تلقتها اللجنة من أهالي المحبوسين احتياطيًا أو المحكومين على ذمة قضايا رأي، وعدد الطلبات التي تم قبولها، والطلبات التي تم رفضها مع تسبيب الرفض، بالإضافة إلى تحديد جدول زمني شفاف للانتهاء من هذا الملف بشكل كامل.
وأقترح هنا أن تعقد لجنة العفو مؤتمرًا صحفيًا نهاية أكتوبر الجاري، بالتزامن مع مرور ستة أشهر على بدء عملها، تبعث من خلاله الطمأنينة في نفوس أهالي المحبوسين بشأن استمرار عملها، مع الإعلان عن تدشين موقع إلكتروني يشمل كافة البيانات المذكورة سلفًا، ويتم تحديثه بشكل دوري، إلى جانب الإعلان عن الجدول الزمني لعمل اللجنة حتى تنتهي من الملف بالكامل، على أن يتوقف أعضاؤها عن التصريحات عبر حساباتهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي.
(٣)
دعا الرئيس السيسي في وقت سابق من هذا العام إلى إعادة دمج السجناء السياسيين السابقين في المجتمع من جديد بعد إطلاق سراحهم. تلقفت لجنة العفو تلك الدعوة وساهم أعضاء منها في إعادة بعض المفرج عنهم إلى أعمالهم أو إيجاد فرص عمل جديدة لهم، لكن هذه المساهمات لم تتجاوز حدود المبادرات الفردية لعضو أو اثنين.
إن السجناء السياسيين السابقين ليسوا فقط مجموعات من المآسي الفردية، وإنما قد يشكلوا في لحظة ما خطرًا حقيقيًا على نظام سياسي قيد التشكل في مراحل ما بعد الصراع، فالسجين الجنائي يهتم بإعادة دمج نفسه مرة أخرى في مجتمعه المحلي، مدفوعًا بذنب الجرم الذي اقترفه، بينما يتعاطى السجين السياسي مع مثل تلك الدعوات بترقب وحذر كبيرين، مدفوعًا بعدم ثقة في مصداقية دعوى السلطة السياسية- التي قررت حبسه- في إعادة دمجه مجتمعيًا. ومن هنا يتطلب أن يتجاوز الأمر مساهمات أعضاء اللجنة الفردية إلي «مبادرة متماسكة» تعدها لجنة العفو الرئاسي، وتتبناها مؤسسة الرئاسة، وتلزم بها كافة الجهات والهيئات المعنية.
مبادرة لإعادة الدمج، تشمل برامج الحماية والضمان الاجتماعي، من تأمين طبي وبرامج إعادة تأهيل لسوق العمل، ودعم حزمة من المشروعات المتوسطة والصغيرة، بالإضافة إلى بحث إمكانية إعادة المفصولين إلى أعمالهم أو إيجاد فرص جديدة لهم، مع العمل على إزالة كل وصم اجتماعي قد لحق بهم، وإعانتهم ماليًا من خلال برامج مساعدات «تكافل وكرامة» لحين استقرار ظروفهم.
إن لجنة العفو الرئاسي تضطلع اليوم بمهمة تاريخية، قد يكون من شأنها إعادة الاعتبار لمسار الإصلاح السياسي، الأولوية الأهم على أجندة أعمال الحوار الوطني. ومن هنا يجب أن تضفي اللجنة على عملها مزيد من الشفافية والاحترافية في أداء الأدوار المنوطة بها.