خمسة فتيات قتلن غدرًا منذ شهر يونيو الماضي حتى الآن، على يد شباب في العشرينات من عمرهم، بسبب رفضهن الزواج أو الارتباط بهم، نيرة وسلمى وأماني وخلود وأمل كل منهن قالت لا في وجه رجل مصري، فكانت ضريبة رفضها هي حياتها.
تشهد مصر هذه الأيام الجريمة الخامسة، بنفس نمط حادثة نيرة أشرف التي هزت أرجاء العالم العربي منذ أربعة شهور فقط، حيث قتلت نيرة على مرأى ومسمع الجميع في الشارع، ثم قتلت مرة ثانية على الانترنت حين تداول رواد السوشيال ميديا مقطعًا مصورًا للمجرم محمد عادل وهو يذبحها، في مشهد داعشي غير مفهوم أمام جامعة المنصورة، ثم أُعلنت تفاصيل الجريمة من خلال النيابة، وكانت البداية في خيال المجرم الذي توقع أن الإرهاب والترهيب سيجبران نيرة على الارتباط به، وعندما رفضت ذبحها.
تكررت الجريمة مع سلمى بهجت، حيث قتلها المجرم إسلام محمد في مدينة الزقازيق، وصور مقطع لنفسه ويداه ملطخة بدمائها وهو يصرخ مبررًا قتلها بعد أن رفضت الارتباط به، تبعتها أماني التي قتلت لنفس السبب، وانتحر قاتلها قبل أن يصل له رجال الشرطة، مرورًا بأمل، الفتاة التي حاولت الدفاع عن نفسها حتى فقدت حياتها أمام ابن عمها المجرم الذي أراد أن يغتصبها، لنصل الآن إلى ضحية جديدة، على نفس النمط المذكور، وهي خلود السيد الفتاة البسيطة التي تعول أسرتها الصغيرة، والتي اختارت أن تنفصل عن خطيبها، الذي رفض بكل عجرفة وعنجهية ذكورية، وقرر قتلها في منزلها، في نمط متكرر لا يقول أكثر من أن نساء وفتيات مصر يعشن في خطر بين جدران منازلهم وفي شوارع مصر، غربًا وشرقًا، مهددات في كل الأوقات بالقتل والذبح أمام الجميع إذا رفضن أحدهم.
و«أحدهم» هو رجل مصري تربى على يد الشيوخ أصحاب خطابات مغرقة بالشحن الذكوري والاستعلاء على المرأة، واستمر الجيل الجديد من الدعاة على نفس نهجهم، مبررين العنف المنزلي واستخدام لغة همجية للتعبير عن فتاويهم، مغازلين النزعة الحيوانية في نفوس البعض، وأغلبهم من المراهقين، حتى أصبحت النساء في أعينهم كالجواري تحت الأمر، وعليهن دائمًا الإجابة بنعم، ولا مكان للرفض. وهو نفس الرجل الذي تربى على يد المجتمع والشارع المصري الذي برر آلاف المرات للمتحرش، ولم يترك الضحية لتعيش في سلام، بل وصمها وألقى باللوم عليها، وحاصرها حتى تتنازل عن حقها، أو تصمت وتتعرض للتحرش في استكانة وضعف، ثم اتهمها بعد ذلك بموافقتها على التحرش، لأنها لم تبلغ أو تفصح عما حدث فورًا.
دافع المجتمع من جهته عن محمد عادل بعد ذبحه لنيرة بوحشية، وتعاطف معه رافعًا شعار «لسة الحياة قدامه وضيعت مستقبل»، وكأنها هي التي تآمرت عليه ودفعته لذبحها حتى تحرمه من مستقبله، وهو منطق ساذج لا يمرره عقل طفل، ولكن مررته عقول مجتمعات تحتقر المرأة وتعتبر حياتها بلا ثمن مقابل حياة الرجل. وما العجب من ذلك إن كنا نرى فتاوى تفرق بين الرجل والمرأة حتى في الموت والقتل؟!
ومع تكرار هذه الجرائم، علينا أن ننظر للنمط ونبحث عن حل، ونتوقف عن التعامل مع العنف ضد النساء على أنه ظاهرة لا أصل لها، فغياب القانون وانتشار الخطاب العدائي والمحرض ضد النساء، والإصرار على التعامل مع المرأة على أنها مواطنة درجة ثانية أو ثالثة في الحقوق أمام الرجل، كلها أسباب واضحة أمام أعيننا، لكننا نرفض مواجهتها، كدولة أو كمجتمع.
ولن تكون خلود السيد ضحية الغدر الأخيرة، ولن يكون إعدام المجرم فقط هو الحل، فنحن نساء مصر نريد الحماية لنعيش بأمان، نبحث عن المعنى الحقيقي للعيش في أمان، من دون خوف من أن نقتل في الشوارع، وأن تسيل دماءنا فوق دماء من سبقونا من نساء مصر.